31/10/2010 - 11:02

دعوة الرئيس للانتخابات: تكتيك أم تكريس للانقسام؟../ هاني المصري

دعوة الرئيس للانتخابات: تكتيك أم تكريس للانقسام؟../ هاني المصري
أعرف لماذا، وأنا استمع لخطاب الرئيس الذي دعا فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في بداية العام، إذا لم يبدأ الحوار الوطني الشامل حتى ذلك التاريخ، تذكرت دعوة الرئيس السابقة لتنظيم استفتاء شعبي بعيد الانتخابات التشريعية عام 2006، تلك الدعوة التي رغم ما لها وما عليها، ولكنها ساهمت بالوصول الى وثيقة الأسرى، وثيقة الوفاق الوطني التي مهدت لاتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية.

فهل تواجه دعوة الرئيس للانتخابات هذه المرة، نفس المصير الذي وصلت إليه الدعوة السابقة بحيث تسرع الجهود الرامية للبدء بالحوار الوطني والهادفة الى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة؟ أم ستؤدي الى عكس ذلك تماما، الى تعميق الانقسام ووصوله الى نقطة اللاعودة؟

إن الجواب على هذا السؤال، يتوقف على ما الذي يقف وراء الدعوة، وهل هي تكتيك للضغط للبدء بالحوار والإسراع في وصوله الى نتائج ايجابية؟ أم تعبير عن نفاد صبر، واستعداد جدي لإجراء الانتخابات دون توافق وطني مما سيؤدي الى تكريس الانقسام وفتح كل الأبواب لكل أنواع التدخلات والخيارات الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية على حساب الدور والخيار الفلسطيني.

إن المرء يجب أن يكون ساذجا أو جاهلا حتى لا يلاحظ اختلاف الظروف والمصالح والأجندات القائمة حاليا، عن تلك التي كانت قائمة في أواخر عام 2006 أوائل عام 2007، يكفي أننا الآن نعيش تحت وطأة انقسام سياسي وجغرافي مضى عليه أكثر من 17 شهرا، ويتعمق كل يوم، وتنشأ معه مصالح ونفوذ لأفراد وشرائح مستفيدة منه، ومستعدة للدفاع عنه مما يقف حائلا دون تحقيق الوفاق الوطني.

يجب أن لا ننسى أن من ضمن العوائق الكبرى أن هناك انفصالا جغرافيا بين الضفة وغزة، فإسرائيل تفصل بين جناحي الدولة الفلسطينية العتيدة، وبالتالي هي تتحكم أو تلعب دورا رئيسيا في استمرار أو إنهاء الانقسام.

كما يجب أن لا نتجاهل كذلك الاختلافات بين الظروف القائمة حاليا، وتلك التي كانت عام 2006، لجهة أن التقديرات في تلك الفترة بأن اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية، اللذين لم يقرا الالتزام بالشروط الإسرائيلية الدولية، كان يمكن أن يحصلا على الاعتراف الدولي بهما. أما التقديرات الآن، فهي متشائمة عموما، وربما تبالغ كثيرا في توقع ردة الفعل الدولية، وتحديدا الأميركية الإسرائيلية، ومدى قدرتها على تعطيل أي اتفاق وطني فلسطيني جديد يتضمن تشكيل حكومة لا تلتزم بالشروط الإسرائيلية الدولية.

إلا أن الخطر الذي يمثله الاحتلال ومشاريعه التوسعية والاستيطانية والعنصرية والاستعمارية التي لا تتوقف على الاطلاق، على الفلسطينيين جميعا، والمأزق الذي تعيشه كل الأطراف الفلسطينية (والشعب الفلسطيني) في ظل المفاوضات العقيمة والمقاومة المعلقة الى إشعار آخر، تبقى عوامل تؤكد وجود قواسم مشتركة واحدة ويمكن أن توحد الفلسطينيين رغم كل اختلافاتهم وتباين مصالحهم وأجنداتهم.

ولكن حتى يكون لهذه العوامل تأثيرها المباشر يجب أن تعبر عن نفسها بتحرك سياسي جوهري ضاغط ومتراكم يشارك به كل من يعتبر نفسه متضررا من الانقسام الحاصل، وكل مدرك لعواقبه الجسيمة التي ستأخذ معها القضية الفلسطينية، والمشروع الوطني، وستؤدي الى معاناة إضافية للإنسان الفلسطيني.

في نهاية الأمر يجب الذهاب الى انتخابات من أجل الاحتكام للشعب فالشعب مصدر السلطة والصلاحيات والذي يمكنه، وحده، أن يعطي التفويض اللازم لبرنامج معين وقيادات معينة. ولكن الانتخابات بدون اتفاق يسبقها، اتفاق على الأقل على إجرائها، ستكون في أحسن الأحوال قفزة في المجهول.

اتمنى أن تكون دعوة الرئيس فرصة لإنجاح الحوار، وأن لا تكون خطوة لتكريس الانقسام، والا يكون هذا إسقاطا للتمنيات الشخصية على الواقع المرير.

إضافة لما سبق، من المفيد ونحن نتحدث عن الانتخابات أن لا ننسى، أن فلسطين تحت الاحتلال، وأن أكثر من نصف الشعب الفلسطيني لم يشارك وليس من السهل أن يشارك معظمه في الانتخابات القادمة، وأن الانتخابات وصناديق الاقتراع ليست مصدر الشرعية الأساسي أو الوحيد، وإنما شرعية مقاومة الاحتلال والكفاح من أجل تحقيق الحرية وحق تقرير المصير وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال هي الشرعية الأساسية التي استندت إليها الثورة الفلسطينية وم.ت.ف قبل تأسيس السلطة، وهي التي تبقى الشرعية الأقوى والأفضل خاصة وأننا جربنا الانتخابات بدون اتفاق على الركائز الوطنية العليا وعلى قواعد اللعبة السياسية، وبالتالي لم تكن الانتخابات جزءا من حل المأزق الفلسطيني وإنما ساعدت على مفاقمته أكثر وأكثر.

فيجب ألا ننسى أن الاحتلال لاعب رئيس وهو قرر عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية السابقة، وفرض المقاطعة على الحكومة التي تشكلت بعدها، واحتجز أموال الجمارك الفلسطينية، والتي تشكل أكثر من ثلث الموازنة، واعتقل عددا من الوزراء وأكثر من ثلث النواب ما عطل المجلس التشريعي. وساهم مساهمة أساسية في وصولنا الى الانقسام.

إن الانتخابات بدون وفاق وطني، وبدون اتفاق على الركائز الوطنية العليا على الأقل، وعلى قواعد اللعبة الديمقراطية، ستؤدي الى تعميق وتكريس الانقسام وتساعد على تعميق ظاهرة وجود سلطتين، واحدة في الضفة والأخرى في غزة، لكل منهما رئيس ومجلس تشريعي وحكومة منفصلة، وسيؤدي ذلك عاجلا أم آجلا الى انقسام مجتمعي، يصبح لا عودة عنه لأن هناك الاحتلال الذي يسعى جاهدا لمنع تحقيق وحدة الفلسطينيين لأن وحدتهم تجعلهم قادرين على تحقيق أهدافهم وحقوقهم التي لن تتحقق الا على حساب الاحتلال.

حتى الآن لم تنضج شروط إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، لأن هذا الهدف حتى يتحقق لا بد من التوصل الى اتفاق يخرج به الجميع رابحين، وهذا يكون من خلال تخلي "حماس" عن سيطرتها الانفرادية على غزة، مقابل قيام سلطة وطنية تؤمن الشراكة الكاملة للجميع وبحيث تأخذ "حماس" ما تستحقه ليس أكثر ولا أقل، وقيام المنظمة بإصلاح نفسها وتفعيل مؤسساتها ودورها بحيث تكون قادرة على ضم الجميع على أساس برنامج وطني يعيد القضية الفلسطينية الى مكانتها السابقة، ويحدد موقفا مشتركا من المفاوضات والمقاومة وموقع السلطة في النظام السياسي بوصفها أداة في يد المنظمة وتوضع لخدمة المصلحة الوطنية بعيدا عن المحاصصة الفصائلية وبحيث تكون الحكومة والانتخابات والأجهزة الأمنية، أدوات في خدمة البرنامج الوطني.

وإذا كان الاتفاق المطلوب متعذرا، فإن الاتفاق الممكن حاليا والبديل عن استمرار وتفاقم الانقسام هو تجميد الانقسام والتعايش معه مؤقتا من خلال تشكيل حكومة وفاق وطني توقف التدهور وتعمل على تهيئة الأجواء المناسبة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتجري التحضيرات لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في منتصف العام القادم، أي في منتصف المسافة ما بين النهاية المفترضة للفترة الرئاسية في 9 كانون ثاني 2009، والنهاية المتفق عليها للمجلس التشريعي، في 25 كانون ثاني 2010.

إعلان الرئيس أبو مازن رئيسا لدولة فلسطين

في خطوة مفاجئة أقر المجلس المركزي الفلسطيني تنصيب الرئيس ابو مازن، رئيسا لدولة فلسطين، وهو منصب شاغر منذ وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات.

ولا تنطوي هذه الخطوة الرمزية على أهمية كبيرة، كون الدولة الفلسطينية لم تقم بعد، إلا أن أهميتها تنبع من أنها تأتي في توقيت معين وكخطوة استباقية تهدف الى تعزيز شرعية الرئيس ابو مازن عشية اقتراب التاسع من كانون ثاني القادم، حيث تهدد حركة حماس بأنها ستسحب اعترافها بالرئيس بعد هذا التاريخ لأنه يكون استنفد مدته الدستورية، وهذا أعطى لتهديد حماس قيمة أكبر من قيمته الحقيقية.

كان يمكن أن يكون لهذه الخطوة قيمة كبرى، لو كانت الدولة الفلسطينية على مرمى حجر، أو لو كانت م.ت.ف أصلحت نفسها وفعلت مؤسساتها، وغادرت حالة الشلل التي أضعفت من شرعيتها خصوصا بعد حصول "حماس" على أغلبية في المجلس التشريعي، وإصرارها هي وحركة الجهاد الإسلامي على ربط مشاركتهما واعترافهما بالمنظمة بإعادة بنائها من جديد وفق شروط تناسبهما.

لا بديل عن اصلاح وتطوير المنظمة سواء إذا شاركت "حماس" بها أو لم تشارك مع أهمية مشاركة الجميع لأن المنظمة من المفترض أن تكون وأن تبقى الكيان الوطني الجامع، والمرجعية العليا، والممثل الشرعي الوحيد.

التعليقات