31/10/2010 - 11:02

رايس قادمة بأجندة خطيرة.. فاحذروها../ أحمد الحيلة*

رايس قادمة بأجندة خطيرة.. فاحذروها../ أحمد الحيلة*
تترقب الأطراف المعنية بالتفاوض على المسار الفلسطيني وصول وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وسط تواتر الحديث عن وجود مقترح إسرائيلي لـ "اتفاق رف" (اتفاق مبادئ) بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فقد نقلت العديد من الصحف الإسرائيلية، وخاصة ما نشرته صحيفة هآرتس (12/8) ولأول مرة، ملامح ذلك الاتفاق على النحو التالي:

• تقترح مسودة الاتفاق انسحاب إسرائيل من 93% من أراضي الضفة الغربية، على أن تُلحق بإسرائيل ما نسبته 7% من أراضي الضفة الغربية ومنها الأراضي المقام عليها الكتل الاستيطانية الكبرى، مقابل تعويض السلطة الفلسطينية بـ 5.5% من أراضي النقب، تحسب منها الأراضي المخصصة للمعبر الواصل بين الضفة والقطاع، والذي من المفترض أن يبقى خاضاً للسيادة الإسرائيلية. (ويلاحظ هنا أن نسبة الـ 93% من أراضي الضفة الغربية لا تشمل القدس الكبرى التي تشكل مساحتها نحو 20% من أراضي الضفة، ولا تشمل أيضاً أراضي الغور التي تشكل مساحتها أيضاً نحو 30% من أراضي الضفة، أي أن المقصود في حيثيات المقترح الإسرائيلي هو الانسحاب فعلياً من نحو 50% من أراضي الضفة الغربية)

• خط الحدود الفاصل بين الدولة الفلسطينية المقترحة وإسرائيل يتطابق مع مسار الجدار العازل في الضفة الغربية.

• باتفاق بين عباس وأولمرت يتم تأجيل المفاوضات حول القدس، ويمكن لإسرائيل أن تقبل بنقل كل من شعفاط وصور باهر (قرى خارج البلدة القديمة للقدس) إلى السلطة الفلسطينية مقابل اعترافها بسيادة إسرائيل على الأحياء اليهودية في البلدة القديمة، والموافقة على تأجيل الحسم بخصوص الحرم القدسي وجبل الزيتون إلى وقت لاحق للوصول إلى حل وسط يتفق عليه. (أي المطلوب عملياً إبقاء القدس تحت السيادة الإسرائيلية إلى حين الاتفاق..)

• تقبل إسرائيل بعودة رمزية للاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 48، وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن الاحتلال سيسمح بعودة نحو 20 ألفاً فقط، وبواقع ألفين كل عام وذلك في إطار لم الشمل للعائلات وبدوافع "إنسانية"، أما ما تبقى من اللاجئين فيمكن عودتهم إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، أو توطينهم في دولة ثالثة. (مع الإشارة إلى أن مكتب ايهود أولمرت نفى قبول هذا العدد من اللاجئين).

• يتم إخلاء المستوطنات خلف خط الحدود أي المستوطنات الواقعة شرق الجدار والتي لم تضم إلى السيادة الإسرائيلية، حيث يتم إخلاؤها على مرحلتين: الأولى عبر مبادرة الحكومة الإسرائيلية بتشجيع المستوطنين على "الإخلاء الطوعي". المرحلة الثانية تبدأ بإجبار ما تبقى من المستوطنين على الإخلاء، عندما يستكمل الفلسطينيون الإصلاحات الداخلية، وعندما يكونون قادرين على تنفيذ الاتفاق بكامله، ومنها استعادة السيطرة على قطاع غزة.

• إسرائيل تحصل على كل الكتل الاستيطانية فوراً بعد التوقيع على الاتفاق، ولكن تسليم الأرض البديلة للفلسطينيين، وتفعيل أو تشغيل المعبر بين غزة والضفة، يؤجل إلى حين سيطرة السلطة في رام الله من جديد على قطاع غزة، وإنهاء حكم حماس هناك.

• وفي جانب الإجراءات والترتيبات الأمنية، أفادت صحيفة معاريف (17/8) أن إسرائيل نقلت إلى الولايات المتحدة مطالبها من الفلسطينيين من أجل الحصول على موافقة إدارة بوش على وثيقة الترتيبات الأمنية، والتي تم نقل نسخة منها إلى السلطة الفلسطينية في رام الله (هآرتس 12/8)، والتي تتضمن النقاط التالية: التجريد الكامل للدولة الفلسطينية من السلاح ـ حظر الأحلاف العسكرية بين الدولة الفلسطينية والدول الأخرى ـ إقامة محطات إنذار مبكر إسرائيلية على جبال في الضفة الغربية ـ تواجد الجيش الإسرائيلي على طول نهر الأردن ـ تواجد إسرائيلي في معابر الحدود للدولة الفلسطينية ـ استمرار السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي ـ حق وصول إسرائيل إلى محاور السير في الضفة الغربية. (أي إخضاع الدولة الفلسطينية العتيدة بالكامل للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، البوابة الأوسع لبقاء الاحتلال).

الخطير في المسألة أن الطرف الفلسطيني لم ينف نفياً قاطعاً وجود تلك المسودة، ولم يعرب عن رفضه القاطع لها، بل أن مبعث القلق يزداد عند الاطلاع على تصريحات الرئيس محمود عباس أمام رؤساء تحرير الصحف المصرية وذلك حسب الدستور الأردنية 30/7/2008، نقلاً عن الأهرام المصرية، قوله: "نقبل بتبادل الأراضي بالقيمة نفسها مع تعديلات طفيفة، وبما لا يؤثر على المياه والدولة وترابط الدولة. أما النازحون فسيعودون إلى الضفة، أما اللاجئون فيجب الاتفاق على عدد العائدين منهم، بينما يحصل الباقون على تعويض. أما القدس فهي أرض محتلة، وبجب أن تعود بصيغة "بلديتين"، ومدينة موحدة مفتوحة لكل الأديان. وفي موضوع المياه نحتكم إلى القانون الدولي".

أي أن الطرف الفلسطيني المفاوض لديه القابلية لتبادل الأراضي أي ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بما تحوزه من أراض خصبه، ومياه، ومواقع إستراتيجية إلى إسرائيل. والقبول بواقع التقطيع للمدن والقرى الفلسطينية على أن يربط بينها شبكة من الطرق الالتفافية حرصاً على راحة المستوطنين وعدم إزعاجهم. أما اللاجئين فلا أباً لهم، فلم لا يقبلوا بالتعويض بديلاً عن الوطن؟! ولم لا يقبلوا بالتوطين، أليست أرض الله واسعة؟! أما القدس فلا حاجة للسيادة الفلسطينية عليها، وماذا يضير القوم لو حصلوا على إدارة بلدية ترعى شؤون الفلسطينيين وتحرص على راحتهم تحت السيادة الإسرائيلية أو تحت علم الأمم المتحدة الذي لا يُراد له أن يفارق أعين الفلسطينيين!

أمام هذا الواقع، نعتقد أن القضية الفلسطينية مقبلة خلال الأشهر المتبقية من عمر إدارة الرئيس بوش على مرحلة خطيرة وحساسة للغاية قد تفضي إلى شطب الحقوق الفلسطينية بتكييفها وظيفياً لمصلحة هذا الطرف أو ذاك؛ فالسلطة في رام الله لا تريد أن تخرج بخفي حنين بعد كل هذا "التطبيل والتزمير" للمفاوضات، لأن البديل عن المفاوضات هو المقاومة التي لا يريدها الأسياد في رام الله.

أما ايهود أولمرت فهو يتوق لاتفاق بهذا الشكل أو قريباً منه حتى يختم حياته السياسية بأكبر إنجاز يحافظ فيه على يهودية الدولة، التي ستتربع على معظم الأراضي الفلسطينية، والاحتفاظ بالقدس أو بالسيادة الإسرائيلية على البلدة القديمة أو ما يسميه الصهاينة بـ "الحوض المقدس"، مقابل سلطة فلسطينية ذاتية هزيلة، محكومة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، ولا ضير إن سميت دولة أو إمبراطورية، فالعبرة بالجوهر لا بالشكل.

أما الرئيس الأمريكي بوش، فهو بأمس الحاجة لاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين كخشبة إنقاذ لإدارته العاثرة في ملفات السياسة الخارجية، ولتبييض صفحته السوداء في الشرق الأوسط على حساب الفلسطينيين المكشوفين حتى العظم.

ومن هنا فإن قبول الطرف الفلسطيني المفاوض لـ "اتفاق رف" بهذه المواصفات كإطار عام لأي مفاوضات مرتقبة، يعد تراجعاً مخيفاً وكارثة على القضية الفلسطينية التي فقدت الكثير بفعل التفاوض، فالاتفاق سيخفض السقف السياسي الفلسطيني أكثر مما هو منخفض، وسيؤسس لمرحلة مخزية من المفاوضات. فالاحتلال سيبدأ الجولة القادمة من المفاوضات انطلاقاً من اتفاق المبادئ الجديد، الأمر الذي يتطلب التفاوض على التنازلات الفلسطينية للوصول إلى تنازلات جديدة، على قاعدة أن "اتفاق الرف" هو إطار للتفاوض، وليس نهاية الحل.

الآن وزيرة الخارجية الأمريكية رايس تتحضر للقدوم إلى المنطقة في الأسبوع القادم، لمناقشة العرض الإسرائيلي مع الطرفين، سعياً منها للوصول إلى حل وسط. وبحسب صحيفة معاريف (17/8)، فإن الإدارة الأمريكية معنية بخلق "وثيقة جسر" لجسر الموقف الإسرائيلي والفلسطيني في منتصف الطريق، وهي وثيقة ـ إن تم التوصل إليها ـ ستعرض في الفترة الانتقالية بين إدارة بوش، وإدارة الرئيس المنتخب، أي بعد الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر، وبموافقة الفريق الانتقالي للرئيس الأمريكي الجديد.

وإذا علمنا أن مقترحات ايهود أولمرت للحل قد لاقت استحساناً من مرشحي الرئاسة الأمريكية (جون ماكين، وباراك أوباما) أثناء زيارتهما للكيان الصهيوني في الأشهر الماضية، فإن ذلك يشي بأن طبخة تطبخ ولم يتبق إلا موافقة الطرف الفلسطيني الضعيف والمراهن على المفاوضات وكرم الإدارة الأمريكية.

وإذا وافق الطرف الفلسطيني على هذا العرض، فليس من المستبعد أن يكون هذا الاتفاق مدخلاً لفكرة الوطن البديل (الأردن)، لأن حيثيات اتفاق الرف ستفضي لا محالة إلى استحالة الحياة في الضفة الغربية بعد أن تكون قد سُلبت من كل مقومات الحياة الطبيعية، الأمر الذي قد يدفع الطرف الفلسطيني المفاوض، وفي خضم البحث عن حلول سحرية للمعاناة اليومية، إلى القبول بفكرة الوطن البديل كحل نهائي؛ وهو حلٌ روجت له بعض الدوائر الإسرائيلية والأمريكية في الآونة الأخيرة.

التعليقات