31/10/2010 - 11:02

سلاح المقاطعة../ فيصل جلول

سلاح المقاطعة../ فيصل جلول
قاطعت دول عربية وإسلامية معرض الكتاب السنوي في فرنسا لأن “إسرائيل” ضيف الشرف لهذا العام. ومن المنتظر أن تشمل المقاطعة أيضاً معرض تورينو للكتاب الذي سيفتتح في الثامن من مايو/أيار المقبل وسيحتفل بستينية ميلاد “إسرائيل” مع الإشارة إلى مهرجان أفلام الحب الدنماركي الذي يسير على الرسم نفسه لكنه قد لايحتاج إلى مقاطعة باعتبار أن السينما العربية غير مؤهلة أصلاً للمشاركة في هذا النوع من المهرجانات.

وتعددت أقوال المقاطعين العرب للمعرضين الفرنسي والإيطالي فمنهم من قال إنه لم يدع أصلاً في السنوات الماضية للمشاركة، وبالتالي لن يكون حاضراً هذا العام، ومنهم من قال إنه لا يجوز استضافة الدولة العبرية التي ترتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، والبعض الثالث قال إن هذا الموقف يندرج في سياسة المقاطعة العربية الشاملة للكيان “الإسرائيلي” وليس محصوراً بمعرض من دون غيره، هذا عن موقف الدول العربية المقاطعة، فماذا عن موقف الكتّاب العرب؟

تفصح البيانات الصادرة عن الاتحادات الأدبية عن مقاطعة شاملة، في حين يرتسم خط فاصل بين الكتّاب العرب الذين ينشرون باللغات الأجنبية، وأولئك الذين ينشرون حصراً باللغة العربية. في الحالة الأولى يرتسم شبه إجماع على وجوب المشاركة، وبالتالي التمييز بين “إسرائيل” وكتّابها فيما لم يصرح كاتب واحد معروف من الفئة الثانية بوجوب الحضور، لذا من المتوقع أن يصادف الزوار في أروقة المعرضين كتّاباً من أصول عربية ينشرون بالفرنسية أو الإنجليزية والإيطالية... إلخ. شأن المغاربة ياسمينة خضرة وفؤاد العروي ومايسة جابري وبوعلام سنصال والطاهر بن جلون واللبناني إسكندر نجار، والمصري علاء الأسواني وغيرهم.

ليس من الصعب تفسير موقف “الكتّاب العرب” المشاركين في مناسبة تحتفل خلالها الدولة العبرية بميلادها الستين الذي يعني تلقائياً ميلاداً ستينياً للمحرقة الفلسطينية، فهؤلاء ينتجون وفق شروط أجنبية خالصة خيالاً وفكراً وتسويقاً، وبالتالي ليس من السهل على أي منهم أن يواجه رب البيت الذي تسبب في شهرته وفي شروط حياته بالمقاطعة التي تعني ببساطة انتهاكاً لعقد مضمر وللعبة ضمنية يراعي الطرفان قواعدها ويحترمان شروطها. أما ما يقال عن قدسية حرية التعبير في الدول المضيفة وعن حماية المقاطعين من الانتقام فهو قول صحيح بالنسبة للطرفين فالكتاب حر في أن يقاطع والنشر حر في أن يمتنع عن النشر في حال المقاطعة، خصوصاً أنه الأقوى فهو يملك سلطة الطلب فيما الأول يملك حق العرض.

تبقى الإشارة إلى الكتّاب “العرب” الكبار بالأجنبية وهم قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة هؤلاء يحتلون مواقع حاسمة في سوق الكتاب تتعدى مواقع زملائهم الوافدين حديثاً. هؤلاء تعودوا احتراف الصمت في مثل هذه المناسبات فقد امتنع أحدهم عن الكلام عندما كان الطيران الحربي “الإسرائيلي” يدمر منهجياً بلده الأصلي في حرب العام 2006 ومازال صامتاً حتى اليوم وربما سيصمت إلى ما بعد معرضي تورينو وباريس.

ما من شك أن استخدام “سلاح” المقاطعة الأدبية ل “إسرائيل” في الذكرى الستين لميلادها قد تم بالوسائل المتواضعة التي يمتلكها العرب، وهي لن تؤرق في كل الحالات الدولة العبرية، ذلك أن الحضور العربي الأدبي في موازين القوى الثقافية العالمية يقترب من الصفر. بالمقابل تحتل النخب اليهودية المؤيدة ل “إسرائيل” صدارة المسرح الثقافي الدولي من دون منازع ما يعني أن الموقف العربي المقاطع أشبه بإطلاق النار في الهواء للتظاهر وليس لخوض مجابهة ثقافية ناجحة ولعل أقصى ما يمكن أن نصل إليه بهذا الموقف هو حرمان “إسرائيل” من التظاهر أمام العالم بأن ضحاياها يشاركون في إطفاء شموع ستينية ميلادها “المظفر”.

بالمقابل، كان يمكن لمقاطعة معرضي باريس وتورينو أن تتحول إلى مناسبة لسؤال الذات العربية عن جدوى الهجوم “الرسمي” اللفظي على فرنسا وربما على إيطاليا بسبب استضافة “إسرائيل”. أيجوز أن تلقي دولنا اللوم على باريس وروما في هذه القضية وهي التي بجزء منها اعترفت ب “إسرائيل” ووقعت معاهدات سلام معها وبجزء آخر تلهث وراء سلام ينطوي على اعتراف صريح من خلال معاهدة السلام العربية التي رفضتها ومازالت “إسرائيل” ترفضها من دون أن نلوح لها ب “الشر المستطير”، أيجوز لدولنا أن تحرر شركاءها في الغرب من كل قيد تجاه “إسرائيل” عبر التخلي عن المقاطعة الاقتصادية وعبر دبلوماسية الاعتراف السري واللقاءات السرية مع “الإسرائيليين” بل عبر المشاركة في حصار وتصفية الممانعين والمقاومين؟ أيجوز لها أن تفعل ذلك كله ومن ثم تتظاهر بلوم باريس وروما على الاحتفال بميلاد الكيان الذي انتصر على العرب في العام 1967 بطائرات الميراج ويحتفظ بقوة الردع النووية ذات المنشأ الفرنسي؟ أيجوز أن تبدو دولنا في بياناتها وكأنها تجهل نتائج مواقفها وسياساتها ومواقعها في العلاقة مع من هم وراء تأسيس “إسرائيل” ومدها بأسباب البقاء؟ وإن تجاهلت هل تكسب احترام شركاءها الغربيين وهل تعلو كعباً في حضرتهم؟

وفي السياق يمكن لمقاطعة معرضي باريس وروما أن تكون مناسبة ليس من أجل تصفية حسابات الماضي ولوم الذات العربية ولطم الخدود والبكاء والنحيب بلا طائل. فلنتفق على أن الماضي مضى ويجب أن يمضي ولنبدأ من الآن عبر السؤال التالي: هل تريد دولنا مقاطعة الدولة العبرية؟ وهل تستطيع بوسائلها أن تنقذ غزة من الحصار والمحرقة الموعودة، بل أن تبني دولة فلسطينية خلال شهور معدودة؟ نعم تستطيع إن أرادت فهي تملك سلاح النفط وهو أقوى سلاح في عالم اليوم. دولنا تعرف ونحن نعرف والعالم يعرف أن بوسعنا لو توفرت لنا الإرادة القوية اتخاذ إجراءات تصعيدية للضغط على “إسرائيل” ومن لف لفها، تبدأ بفرض سنت إضافي واحد على ثمن كل برميل نفط لدعم صمود الشعب الفلسطيني مروراً بالتحكم بلعبة العرض والطلب في الأسواق الدولية وصولاً إلى المقاطعة النفطية الشاملة وذلك ليس من أجل خنق الاقتصاد العالمي كما يزعم البعض، وإنما من أجل احترام شروط عرض السلام الذي طرحته جامعتنا العربية على ما يسمى ب”المجتمع الدولي”. هنا الوردة وهنا يجب أن ترقص، كما يقول مثل صيني شائع هنا الفارق بين “الجد واللعب” أو بين التذرع بسلاح الأدب، فيما سيف النفط معرض للصدأ في غمده.
"الخليج"

التعليقات