31/10/2010 - 11:02

صفقة التبادل الحدّ الفاصل بين نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة../ جورج علم

صفقة التبادل الحدّ الفاصل بين نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة../ جورج علم
أعطى الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصر الله دفعا جديدا للاستراتيجيّة الدفاعيّة في خطابه الأخير بمناسبة تحرير الأسرى، وانطلقت حركة واسعة من الاتصالات والمشاورات بين سياسيّين ودبلوماسيّين وأهل اختصاص ورجال قانون، لإيجاد هيكليّة متينة تستند الى قاعدة علميّة يمكن البناء عليها، بعدما استهلكها الخطاب المتشنج منذ زمن وفقدت رونقها منذ أن طرحتها الكيديّة السياسيّة للمرّة الاولى على طاولة الحوار الوطني في المجلس النيابي لغاية في نفس يعقوب، وكان "يعقوب" يومها يريد النيل من المقاومة، ووضع "حزب الله" وسلاحه في دائرة الاستهداف والتصويب بتهمة الاستئثار بقرار الحرب والسلم، الى التصرّف كدولة داخل الدولة، الى جملة من الشعارات التي كانت مسلوخة من يوميات تلك المرحلة.

واستندت ردود الفعل المرحبة بطرح الأمين العام الى حالة الارتياح العامة التي ولّدتها صفقة تبادل الأسرى، ان لجهة حجمها أو دقّة تنفيذها، وأيضا الى الحالة السائدة في المنطقة، لأن العرض الذي قدّمه السيّد نصر الله ـ كما يقول أحدهم ـ يأتي محشوراً بين طائفة من المستجدات، أبرزها خروج المفاوضات الايرانيّة ـ الأميركيّة من نطاق السريّة الى دائرة الضوء، والاعلان عن مشاركة وكيل وزارة الخارجيّة الاميركيّة للشؤون السياسية نيكولاس بيرنز في المفاوضات ما بين المنسّق الأغلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني وكبير المفاوضين النوويين سعيد جليلي، بشأن مصير البرنامج النووي ومستقبله، وأيضا الاستعدادات لدى كلّ من طهران وواشنطن لفتح مكتب ممثليّة أميركيّة في العاصمة الايرانيّة، والاستعدادات الجارية في كلّ من سوريا وإسرائيل لعقد جولة جديدة من المفاوضات بتشجيع من الراعي التركي، بعدما نجحت الجولات الثلاث السابقة من إحداث اختراقات إيجابيّة مهمّة، وتصميم فرنسا على تطوير الانفتاح الى شراكة مع دمشق بعد قمة الاتحاد من أجل المتوسط، وتهافت الزعماء الأوروبيين على طلب المواعيد من الرئيس بشّار الاسد إيذاناً لوضع حدّ لسنوات الحصار وشبه القطيعة السياسية والاقتصادية لسوريا.

وفي غمرة النشوة بالنصر التي عمّت كلّ لبنان، كان في مكان ما حديث هادئ مفاده أن صفقة التبادل تشكّل الحدّ الفاصل بين نهاية مرحلة، وبداية مرحلة جديدة من الصعب ضبط عناوينها وإيقاعاتها على الصعيد الاسرائيلي، وان كان الظاهر للعيان التركيز على جولة جديدة من الاغتيالات، وأيضا من التعبئة الإعلاميّة والدبلوماسيّة ضد حزب الله في العالم، وخصوصا في أوروبا والأميركيتين، إلاّ أن الأمين العام نصر الله قدّم من جهته عرضا لا يمكن للجنة الوزارية المكلّفة بإعداد مسودة البيان الوزاري تجاهله، ولا حكومة الوحدة الوطنيّة تجاوزه، ولا الدولة بمؤسساتها تغافله، وجاءت دعوته الى استراتيجيّة وطنيّة دفاعيّة صادقة وصريحة، ولكن كيف؟ ووفق أي إطار؟ واستنادا الى أية معايير؟

أولا: هناك اتفاق الهدنة المبرم بين لبنان وإسرائيل برعاية الامم المتحد منذ تاريخ ٢٣ آذار،١٩٤٩ والذي له تفاصيله الدقيقة والمتشعّبة، وهذا يعني أن الخيارات المتاحة أمام حكومة الوحدة الوطنيّة ضيقة جدّا، فإما تقدم على إلغاء هذا الاتفاق ومن طرف واحد، وتتبنى استراتيجيّة دفاعيّة تنطوي على بنود ومضامين مغايرة تماما لما يتضمنه الاتفاق، وهذا من شأنه أن يترك مضاعفات خطيرة، أو أن تأتي هذه الاستراتيجيّة في حدود ما يسمح به الاتفاق، أو يصار الى اعتماد الخيار الثالث؟!

ثانيا: ان الوضع في الجنوب محكوم بسلسلة من القرارات الدوليّة، بدءا بالقرارين ٤٢٥ و٤٢٦ تاريخ ١٩/٣/،١٩٧٨ وصولا الى القرار ،١٧٠١ آب ،٢٠٠٦ الذي يدعو الى »الاحترام الشديد من كل الاطراف لسيادة لبنان واسرائيل وسلامتهما الاقليميّة، والاحترام الكامل للخط الازرق بين الطرفين، ورسم الحدود الدوليّة للبنان، لا سيما في المناطق حيث هناك نزاع أو التباس بشأن الحدود، بما في ذلك منطقة مزارع شبعا، واتخاذ ترتيبات أمنيّة للحؤول دون تجدد الأعمال الحربية، بما في ذلك إنشاء منطقة خالية من أيّ عناصر مسلحة وعتاد وأسلحة إلا من الجيش اللبناني والقوى الامنية اللبنانية والقوات الدوليّة المفوّضة من الامم المتحدة، وذلك بين خط الازرق ونهر الليطاني، والتطبيق الكامل لبنود اتفاق الطائف وأحكامه ذات الصلة، والقرارين ١٥٥٩ (٢٠٠٤) و١٦٨٠ (٢٠٠٦)، بما في ذلك نزع سلاح كلّ الميليشيات في لبنان انسجاما مع قرار مجلس الوزراء اللبناني في ٢٧ تموز ،٢٠٠٦ بحيث لا يكون هناك سلاح أو سلطة في لبنان باستثناء الدولة اللبنانية"... وبالتالي لا يمكن وضع استراتيجيّة إلا في ضوء ما جاء في هذه البنود، وغيرها من التزامات، سواء أكانت ماديّة أم معنويّة، وتطال المؤسسات أو الجهات الرسميّة، بقدر ما تطال هيئات المجتمع المدني.

ثالثا: هناك اتفاق الطائف، وبعده اتفاق الدوحة، وضرورة الاعتماد على ما ورد فيهما عند البحث الجدي في أي مشروع استراتيجيّة وطنية دفاعيّة.

رابعا: هناك التزامات لبنان حيال العديد من الاتفاقات، بدءا بمبادئ مؤتمر مدريد للسلام، وصولا الى مبادرة السلام العربيّة التي أقرّتها قمة بيروت عام ،٢٠٠٢ الى سائر القرارات الصادرة عن الجامعة العربيّة أو الامم المتحدة.

الى جانب هذه العناصر مجتمعة، ثمة سؤال يتردد في كواليس دبلوماسيّة: أين السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها من هذه الاستراتيجيّة؟ وهل يجوز معالجة سلاح حزب الله والمقاومة قبل إيجاد حلّ للسلاح الفلسطيني؟

إن تراكم الأسئلة والاستفهامات مؤشر على التعقيدات المتداخلة محليّا وإقليميّا ودوليّا في موضوع حساس داخل بلد ما عرفه العالم إلا حقل تجارب، أبوابه مشرّعة وحدوده مفتوحة لأي نوع من الاختبارات، سواء كانت عسكريّة أو سياسيّة أو اقتصاديّة أو أمنيّة... ومع ذلك تبقى ثمة مقاربات جديّة لقيام شبكة أمان استنادا الى مجموعة من العوامل والتجارب أيضا، وانطلاقا من الحوار المترفّع الصريح المسؤول، الذي يضع مصلحة لبنان واللبنانيين فوق كلّ اعتبار؟!

ويؤكد بعض المنشغلين بهذا الملف من زاويته القانونيّة ـ التقنيّة أن طاولة الحوار التي يستعدّ القصر الجمهوري لاستضافتها تبقى المكان الصالح لوضع كل المخاوف والهواجس والتحديات على بساط البحث، لإطلاق ورشة عمل وطنيّة إنقاذيّة بعيدا عن الحسابات الشخصيّة أو الفئويّة أو المذهبيّة أو الطائفيّة، بحيث يكون إنقاذ لبنان هو الهدف.

كما ان الحوار المرتجى، ترتّب آلياته وأولوياته منذ الآن، برأي هؤلاء، لأن الغاية توفير مساحة من التوافق لمعالجة التحديات ـ وما أكثرها ـ من دون أن يشعر أي طرف بوجود غالب ومغلوب.

وإذ يلتقي "الحزب" اليوم مع ما كانت تطالب به الموالاة بالأمس بشأن الاستراتيجيّة الدفاعيّة، فإن تلك التي ينشدها إنما هي استراتيجيّة وطنيّة يريدها على مساحة لبنان وطموحاته، ومحورها سؤال بسيط، لا يزال الجواب عليه مبهما أو معقّدا: أي لبنان يريد اللبنانيون؟ وأي استراتيجيّة لهذا اللبنان؟!
"السفير"

التعليقات