31/10/2010 - 11:02

غزة والعرب../ نواف الزرو

غزة والعرب../ نواف الزرو
بإجماع جملة كبيرة من التحليلات وتقديرات الموقف في غزة فقد رفعت "إسرائيل" في الأيام الأخيرة من العدوان منسوب إرهابها ومحرقتها الجماعية/ التدميرية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبينما تعمّد جيش الاحتلال إغراق غزة بقنابل الفوسفور الأبيض المحرم دولياً، تنطح رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف "أفيجدور ليبرمان" محرضا على "استنساخ هيروشيما وناجازاكي في غزة بقصفها بقنبلة نووية- وكفى...!".

وقد وصل التصعيد الاسرائيلي للمحرقة حتى إلى مستوى أن عجز المفكر اليهودي الأمريكي ناعوم تشومسكي أبو اللغة عن وصفها إذ قال:""بشاعة العدوان الإسرائيلي على غزة جعلت لساني عاجزا عن وصف دقيق لما يحدث هناك.. بحثت في القاموس عن لفظة تجسد هول ما يحدث، فلم أجد.. حتى مفردة (الإرهاب) أو (العدوان) غير معبرة عن حقيقة المأساة/ إسلام اون لاين/2009/1/15".

ولكن المؤسف المخجل أولا أن العرب واجهوا ويواجهون توحّد الإسرائيليين وراء المحرقة ومواصلتها بمزيد من الانقسام، والتشرذم والضعف كما تابعنا قبل أيام في مسألة عقد"قمة عربية عاجلة في الدوحة من أجل غزة"- تصوروا...!

والمؤسف أيضا ثانيا أن "إسرائيل" نجحت إلى حد كبير في صناعة "قصة الصواريخ الفلسطينية" وكأنها هي المشكلة والمفتاح لكل شيء، فالجدل الفلسطيني والعربي معه، إلى جانب الغطاء السياسي والإعلامي الدولي ل"إسرائيل" بمنحها "حق الدفاع عن النفس" في مواجهة الصواريخ الفلسطينية، هو الذي يتسيد عمليا المشهد السياسي الفلسطيني - الإسرائيلي برمته...!.

والأشد أسفا وخجلا ثالثا أن بعض الفلسطينيين والعرب أيضا أوقعوا أنفسهم عن عمد ووعي أو عن غير عمد في مأزق الصواريخ، وأصبحوا يتعاملون معها بالمنطق الإسرائيلي ذاته، ولكن مع مفارقة عجيبة ...!.

فبينما اعتبرت "إسرائيل" ان الصواريخ فعالة وتشكل تهديدا وتخلق توازن رعب بين الطرفين، درج الفلسطينيون والعرب المعارضون لها على القول إنها "صواريخ عبثية" ليس لها أي تأثير حقيقي على "إسرائيل" وإنها إنما تشكل ذريعة ل"إسرائيل" لمواصلة اجتياحاتها واغتيالاتها ومحارقها..!.

وينسحب هذا السيناريو مع بالغ الأسف رابعا على العناوين الأخرى المتعلقة سواء ب"معبر رفح والسيطرة عليه"، وبقصة "تهريب الأسلحة عبر الأنفاق"، و"مهمة مراقبتها في إطار أي مخرج دبلوماسي"وهكذا...؟!

وفي ذريعة "الصواريخ" تحدث الكاتب الإسرائيلي تسفي بارئيل في هآرتس العبرية أيضا منذ ذلك الوقت وعن دور العرب والمثقفين العرب في تسويغ "محرقة إسرائيل" ضد الفلسطينيين قائلا: "إن الصمت العربي الرسمي وتعليقات بعض المثقفين العرب على الحملة الإسرائيلية في قطاع غزة نظر إليه في إسرائيل على أنه "قبول عربي" بتلك الحملة وكأنها تستهدف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وليس كافة سكان غزة".

ورغم هذه الآراء الإسرائيلية من طرفهم، ورغم كل المعلومات والأدبيات السياسية والحربية ورغم كل الوثائق والنوايا الموثقة التي كانت تحدثت عن المحرقة القادمة أصر بعض الفلسطينيين والعرب وأصرت الادارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على أن "الصواريخ الفلسطينية "هي سبب التصعيد والاغتيالات والاجتياحات و"المحرقة" الصهيونية المفتوحة ضد غزة بنسائها وأطفالها وشيوخها وشيبها وشبانها...!

شيء مخجل ومعيب أن يتنطح البعض لتحميل حماس مسؤولية "المحرقة "الصهيونية"، ويعلنون:
" إن وقف الصواريخ الوسيلة الوحيدة لوقف العدوان"، ول"يدعون حركة حماس إلى وقف إطلاق الصواريخ على "إسرائيل" باعتبار أن ذلك هو السبيل الوحيد للضغط على “إسرائيل” لإيقاف هجماتها العسكرية".
فهل الأمر كذلك يا ترى...؟!

وشيء معيب أيضا على المجتمع الدولي بمجلسه الأمني أن يحمل الصواريخ الفلسطينية مسؤولية حروب إسرائيل ومحارقها الإجرامية ضد الفلسطينيين..!.
- وكأن "إسرائيل" ليست دول احتلال...!
-وكأن غزة والضفة ليستا أراضي محتلة منذ عام 1967...!.
- وكأن غزة دولة مستقلة تعامل بالند مع دولة الاحتلال والإجرام...!.
- وكأن المحرقة والمجازر الإسرائيلية بدأت مع أول صاروخ فلسطيني يطلق على "إسرائيل" عام /2000...!
- وكأنه ليس من حق شعب فلسطين الذي احتلت"إسرائيل" أرضه ووطنه واغتصبت حقوقه وشردته ولجأته ونفته إلى أصقاع العالم أن يتحرك للدفاع عن نفسه...!
- وكأن تلك الدولة "إسرائيل" دولة مسالمة مسكينة تدافع عن نفسها أمام الصواريخ الفلسطينية التي تهدد بإبادتها...!
- وكأن الضفة الغربية أيضا تعج بالصواريخ التي تبرر لتلك الدولة بجيشها ومستعمريها مواصلة "السور الواقي" والاجتياحات والاغتيالات والاعتقالات الجماعية ...!
- وتبرر لها تقطيع أوصال الضفة إلى جيوب ومعازل وكانتونات وتحولها إلى معسكرات اعتقال جماعية لحوالي مليونين ونصف وأكثر من النساء .
لذلك نقول ونستغرب ونستنكر ونتساءل:

- لماذا يتعامى كل أولئك الذين يحملون الصواريخ الفلسطينية مسؤولية "المحرقة الصهيونية" ضد شعب بكامله احتلت أرضه واغتصب وطنه وسلبت حقوقه على أيدي تلك الدولة –المافيا- عن كل هذه الحقائق الدامغة...!.
- الم تقترف وتواصل تلك الدولة محارقها ومجازرها منذ ما قبل النكبة الكبرى الأولى عام 1948...؟!
- السنا في الحقيقة أمام موسوعة مفتوحة من جرائم الحرب الصهيونية ضد فلسطين وأهلها...؟!
- إذن- لو توقفت هذه الصواريخ -التي لم تقتل سوى 14 إسرائيليا منذ ثماني سنوات كاملة- فهل يا ترى ستتوقف دولة "إسرائيل" المسكينة عن حروبها ومحارقها...؟!
- وهل ستنسحب من الضفة الغربية وغزة مثلا...؟!
- وهل ستسمح بإقامة الدولة الفلسطينية حقا...؟!
- ثم ربما الأهم من كل ذلك أيضا – هل يمكن أن تؤدي المفاوضات المجربة إلى وقف حروب الاحتلال وتعطيل بلدوزره الذي يعمل على مدار الساعة في جسم فلسطين على امتداد مساحتها منتهكا بذلك كافة القوانين والمواثيق والحقوق وبمنتهى الاستخفاف والاستباحة الشرسة ...؟!.
ونقول أخيرا- يبدو انه في ظل هذا الكم من الوثائق والمعطيات المتعلقة بالمحرقة فان الاستخلاص الكبير الذي يقف أمامنا:

أن لا سبيل إلى ردع وتعطيل مشاريع الاحتلال في الاجتياحات والجرائم والمجازر والاستيطان والجدران إلا بإعادة صياغة السياسات والمواقف الفلسطينية و العربية وعلى نحو مغاير تماما لما هي عليه خلال العدوان، ولما هي عليه ما بعد العدوان...؟!!.

التعليقات