31/10/2010 - 11:02

فرض المفاوضات../ نزار السهلي*

فرض المفاوضات../ نزار السهلي*
التصريحات السابقة لوزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك، عن الخطر المحدق بإسرائيل في عدم قدرتها أن تكون يهودية وديمقراطية، وهو خطر يفوق النووي الإيراني حسب أقوال باراك، وسبقه مقال لنائب رئيس بلدية القدس السابق ميرون بنفستي في يديعوت احرنوت، عن تأخر إسرائيل في عملية الفصل الواسع للسكان بين نهر الأردن والبحر المتوسط وهو ما يجعل الخطر قائما على إسرائيل وصورتها كدولة يهودية خالصة.

هذان القولان، يعبران عن القلق العميق التي تعيشه إسرائيل كدولة تبحث عن هوية، لم تفلح كل محاولات تزوير التاريخ، وارتداء هوية بشعة ووحشية وهمجية، رافقت نمو الحركة الصهيونية وأدواتها المنفذة لمشروعها الاستعماري في فلسطين والمنطقة العربية.

والخطر الذي يتحدث عنه ساسة إسرائيل ومفكروها يرتكز إلى وجوب أن تكون الدولة اليهودية في حدودها المحصنة بعيدة عن الخطر الديموغرافي العربي، داخل فلسطين التاريخية، وما تشهده المدن والبلدات العربية داخل الخط الأخضر وفي مدينة القدس وعكا ويافا وعند تخوم كل قرية عربية، يستدعي وقفة "جادة ومسؤولة"، وهما عبارتان ممجوجتان ونحن نشهد ضياع الأرض والإنسان والمقدسات، دون أن تهتز لنا قصبة، ورصد إسرائيل لمبلغ 15 مليار دولار لتهويد مدينة القدس بالكامل أمام "عبارات الجادة والمسؤولة" تظهر العجز العربي والفلسطيني والإسلامي لإنقاذ المدينة أولاً، ومن ثم تظهر مصير المرابطين من أبنائها ونحن نكتفي بإحصاء البيوت التي تقضمها جرافات الاحتلال عبر نشرات الأخبار، لحين إعلان الاحتلال حصيلة جديدة نضيفها إلى سابقتها بعد حالة الانهيار التي شهدتها الساحة الفلسطينية والعربية، والتي كانت الذراع المسرع والدافع للإجراءات العدوانية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

وعلى مدار أعوام الاحتلال الأربعة وأربعين عاما لمدينة القدس، لم تزل المناشدات والمطالب العربية تراوح مكانها ولم تغادر شعاراتها التي حجبت خلفها الهدم والطرد المتواصل لأبنيتها وسكانها، ليجد العالم العربي والإسلامي نفسه أمام حقيقة نهائية لا خيار حيالها إلا القبول بما قسمه الصهاينة للأطراف جميعا.

وهذا الأمر ينسحب على باقي ملفات الصراع العربي - الإسرائيلي، والتي نجحت فيها إسرائيل بالإمساك بدفة القيادة وتطويع وتليين الطرف العربي والفلسطيني من خلال جملة إجراءات واعتداءات، ثبت من ورائها اختبار ردة الفعل الفلسطينية والعربية، فليس عفويا أو صدفيا أن يجري إصدار إنذارات الهدم الجماعية لسكان أحياء القدس وورشات الحفر والتنقيب تحتها تعمل ليل نهار، فيما الجمع منشغل في انه هل هناك مفاوضات أم لا ؟ وهل ستكون مباشرة أم غير مباشرة ؟ ولم يغير واقع العدوان والاستيطان حاله، بل غير المفاوض تكتيكه مرات ومرات واجتر السياسي الفلسطيني لغته عن الثوابت من الاستيطان والعودة للمفاوضات حتى بلعها وهضمها مجددا.

وللأمانة فإنه لم يجر وقف المفاوضات، بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي خلال الفترة السابقة على الإطلاق وعلى العكس من ذلك التنسيق جار على قدم وساق، وللذي لا يعرف أنه من طبيعة وجود وإنشاء السلطة في مناطق حددتها إسرائيل، عن طريق الاتفاقات الموقعة في أوسلو وما تبعها من اتفاقيات، تجعل من السهل على المراقب أن يستنتج، إن وجود السلطة بكل تفاصيلها المتشعبة مع دولة الاحتلال، لها مشيمة واحدة تعتاش منها
اسمها المفاوضات، ولو انتهت هذه المشيمة، لماتت على الفور ولم يبق لوجودها معنى وبهذا المعنى حدد فريق السلطة خيار الشعب الفلسطيني "مفاوضات للأبد" وتولدت القناعة القائلة إن المفاوضات تفرض فرضاً.

هكذا تكاملت حلقات الاستهداف الإسرائيلي للمشروع الوطني الفلسطيني عبر تراكم الاختراقات وانهيار فريق المفاوضات أمام الرغبات الأمريكية الإسرائيلية، وهذا ما تلمسناه خلال عقدي المفاوضات المنصرمين الذي كان له نتائج مدمرة على الصعيد الوطني والقومي والذي أفضى إلى عدم فهم وإدراك أبعاد المشروع الصهيوني، الذي يتحدث ساسته كثيرا عن السلام والمفاوضات والتعايش والتطبيع، واستغلال المنابر والمنصات للمصافحات والتقاط الصور التذكارية، في الوقت الذي تشير بنيته وعقيدته وممارسته إلى عكس ذلك حيث تتبدى فاعليته وضغطه لتكديس الأسلحة النووية وتهديد المنطقة بأسرها بأسلحة الدمار الشامل، وإطلاق التهديدات لسورية ولبنان كآخر القلاع التي تقف في وجه المشروع الصهيوني واستمرار عدوانه اليومي على الشعب الفلسطيني قتلا وحصارا وتهويدا واستيطانا.

إن تحديد هذه المفاصل لا يغطي مختلف جوانب اللوحة الراهنة على الصعيد السياسي، إنه فقط يؤشر إلى بعض الجوانب الحيوية، التي من المفترض أن تجعل من السياسي الفلسطيني والعربي ألا يغفل المعالجة الضرورية لوقف الانحدار والهرولة نحو مفاوضات لم نستطع معها إلا فعل مضغ الشعارات والبصق في وجه الذات كفرض من فروض المفاوضات.

التعليقات