31/10/2010 - 11:02

فلسطين من النكبة إلى الوعد الى "الانفصال والتجميع"/ نواف الزرو

فلسطين من النكبة إلى الوعد الى
في هذه الأيام العصيبة الحرجة المصيرية (والحبلى بالمزيد من المفاجآت) التي تحل فيها ذكرى النكبة الفلسطينية ..تدق ساعة الزمن لتعيدنا بقوة هائلة عبر نفق الزمن إلى ذلك المربع الأول من الصراع والتصادم الجذري الوجودي على امتداد خريطة الوطن الفلسطيني المحتل ،لتضعنا أمام ملفات النكبة الفلسطينية برمتها اولا..ثم امام اسئلة النكبة والهزيمة والانتصار على الاجندات الرسمية العربية ثانيا .....

ثمانية وخمسون عاماً انقضت منذ أن أقدمت تلك التنظيمات الإرهابية الصهيونية المدججة بوعد بلفور والدعم والغطاء الاستعماري البريطاني وترسانات الأسلحة الخفيفة والثقيلة ،على اقتراف جريمة العصر وتنفيذ المجازر الجماعية المروعة وحملات التطهير العرقي والتهجير القسري ضد أهل فلسطين .
ثمانية وخمسون عاماً انقضت على النكبة الفلسطينية المستمرة ........
ثمانية وخمسون عاماً انقضت على النضال الفلسطيني المتواصل ......
ثمانية وخمسون عاماً انقضت سطر فيها شعبنا العربي الفلسطيني ملاحم التحدي والتصدي والصمود الأسطوري ......
ثمانية وخمسون عاماً من النكبة وتسعة وثلاثون عاما من هزيمة حزيران وصولا إلى الوعد البوشي لشارون..ثم إلى ال"الفك والانفصال والتجميع" تعيدنا اليوم مرة أخرى إلى فتح كافة الملفات الوطنية والحقوقية والإنسانية التي أفرزتها النكبة ..... والتي تشهد ذروة تفاعلاتها في هذه المرحلة العصيبة الحرجة ........
فالوطن الفلسطيني المحتل عام 1948 قد تهود بالكامل وفقاً للمعطيات الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء ،ولم يتبق بين أيدي أصحابه سوى 3-4% فقط من مساحة الأرض الفلسطينية... والشعب الفلسطيني رُحل ترحيلاً إرهابياً قسرياً وشرد في مخيمات اللجوء والإذلال .
والحقوق الفلسطينية المشروعة في فلسطين 48 والمعززة بجملة من القرارات الدولية مصادرة ومعلقة إلى أشعار آخر رهينة بالمشيئة الصهيونية الأمريكية ..... وبالصمت والعجز العربي والدولي.

واليوم..تسعة وثلاثون عاما تكون قد انقضت على هزيمة حزيران وضياع الضفة والقطاع...
واليوم الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 تلحق بفلسطين 1948 وتصبح تحت هيمنة الاحتلال المطلقة، وتتعرض لحملات الاجتياح والتدمير والمصادرات والاستيطان والتهويد الجارية على قدمٍ وساق ٍ تحت كافة المظلات التفاوضية التسووية أو الحربية التدميرية لا فرق ......... وتحت كافة مظلات الوثائق والخرائط التسووية ..... ومظلات الخطط والخرائط الحربية لا فرق ....؟!
ليتعاظم ويتراكم لدينا عملياً المزيد والمزيد من ملفات النكبة الفلسطينية المستمرة بتفريخاتها المختلفة التي لم تترك حقلاً من حقول الحياة الفلسطينية إلا وألحقت به الأذى والخراب والدمار ....
وليتعاظم ويتراكم لدينا ايضا المزيد والمزيد من ملفات الهزيمة الحزيرانية الكارثية..
كم هائل من النكبات الكبيرة والصغيرة المستمرة التي تمس صميم الحياة والحقوق الفلسطينية المشروعة في فلسطين، من بحرها الى نهرها، تتراكم أمامنا في هذه المرحلة الصعبة على مرأى وسمع وفرجة العالم العربي والدولي.........
اللاجئون وحق العودة وتقرير المصير لملايين الفلسطينيين هناك في الوطن الفلسطيني المحتل 1948 .........
التعويضات المركبة أيضاً لملايين اللاجئين الفلسطينيين عن معاناتهم وعذاباتهم وتضحياتهم المستمرة..........وعن ممتلكاتهم وحقوقهم المصادرة المهوَدة هناك في فلسطين 1948 .....
والنازحون وحق العودة وتقرير المصير أيضاً هناك في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام 1967....
والتعويضات المركبة لهم عن تشريدهم ومعاناتهم وتضحياتهم المستمرة ....... وعن أراضيهم وممتلكاتهم المصادرة والمهودة .....
وهناك أيضاً ملف المدينة المقدسة بكل عناوينه ومضامينه ........
المدينة الواقعة الرازحة تحت قبضة التهويد والضياع والقدس الكبرى وغلاف القدس ........
وهناك المستعمرات اليهودية المنتشرة انتشاراً سرطانياً في أنحاء الجسم الفلسطيني ..........
وجيش الاحتلال الذي يصول ويجول بوحداته النظامية والخاصة والاعدامية وبدباباته وقاذفاته ومروحياته ،عربدة وقتلا مكثفاً بالجملة والمفرق .... وتدميراً شاملاً لكل البنى التحتية المدنية المجتمعية والأمنية الفلسطينية ،ولكل مقومات ومكونات الوطن والاستقلال الفلسطيني ... كل ذلك ناهيك عن قضايا الحدود والمياه والسيادة والدولة الفلسطينية .....
وكلها مصادرة ومعلقة بمشيئة صهيونية أمريكية طاغية .........
وعلى مرأى وصمت العرب من محيطهم إلى خليجهم .........
ولكن ..............
إذا كانت ذكرى النكبة الثامنة والخمسون تفتح كافة ملفات الصراع هذه ...........
وإذا كان مشهد النكبة المستمرة من دير ياسين إلى رفح وخان يونس ونابلس وقصبة الخليل ومخيم جنين يحمل كافة هذه الملفات .....الكبيرة المتفجرة ،ويفرض جملة هائلة من الاستحقاقات المترتبة على الدولة الصهيونية ..........فكيف وهل يمكن أن تنجح كل وثائق وخرائط الطرق والتسوية في حلها ووضع حد لنزاع القرن كما يقولون .....؟!!

خاصة وأننا أصبحنا أمام وعد بلفوري جديد وخطير هو وعد بوش لشارون... فالرئيس بوش الذي يبيت في سرير شارون حسب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، يطالبنا في تعهداته وضماناته لشارون ليس فقط بالتخلي عن حق العودة لملايين اللاجئين إلى فلسطين 1948، وإنما بالتخلي أيضاً وعملياً عن حلم وحق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى على مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة ........

فالعودة إلى حدود عام 1967 مستحيلة من وجهة نظره ،في الوقت الذي يعترف فيه ب "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام الإرهاب الفلسطيني" ،وفي "ضم التكتلات الاستيطانية" و"القدس الكبرى "التي تلتهم حسب التقديرات وحسب خطة شارون في عهده من 55 - 60% من مساحة الضفة، وفي الوقت الذي يوافق فيه بوش على مواصلة إسرائيل بناء الجدران العنصرية التي تقطع أوصال جسم الضفة جغرافياًُ وسكانياً وتحول ما يقع من أراضي فلسطينية بين الجدار الكبير والنهر إلى معازل عنصرية ومعسكرات اعتقال جماعية قمعية للشعب الفلسطيني ، يصل ظلم وابتزاز بوش للفلسطينيين إلى ذروة مرعبة غير مسبوقة بمطالبته الفلسطينيين بمحاربة الإرهاب، متعهداً بأن دولة فلسطينية لن تقوم لها قائمة طالما أن الفلسطينيين لا يحاربون الإرهاب ولا يدمرون البنية التحتية للإرهاب، ولا ينخرطون مع الدول العربية الأخرى في محاربة الإرهاب، وطالما أنهم لا يقومون بإصلاحات الداخلية ولا يعملون بالديمقراطية ..؟

الملفات إذن كبيرة واستراتيجية ومصيرية من شأنها أن تركب مجتمعة معادلة أخرى مغايرة عن كل المعادلات التي في حساباتهم .......
فإذا كان المشهد الفلسطيني مثخن اليوم ونحن أمام الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة والذكرى التاسعة والثلاثين للهزيمة الحزيرانية بالجراح والنكبات الأخرى المتفرخة يوماً بعد يوم جراء اجتياحات التهديم والتدمير والتهجير والعقوبات الجماعية الإذلالية، فإن هذا المشهد زاخر في الوقت نفسه بملاحم الصمود الفلسطيني العظيم .......

وإذا كان المشهد الفلسطيني طافح اليوم بكم لا حصر له من وثائق وخرائط التصفية ابتداءً من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى كامب ديفيد-2- إلى خريطة الطريق إلى خطة "فك الارتباط" إلى" وعد بوش "البلفوري ثم اخيرا الى خطة اولمرت "الانفصال والتجميع" ....فإن كل هذه الوثائق والخرائط أخفقت عملياً في إخراج وقيادة الصراع إلى مصالحة تاريخية أو تسوية مرضية، كما تحطمت ليس فقط على صخرة بلدوزر الإرهاب والاغتيالات الصهيونية، وإنما أيضاً تحت دعم وغطاء وفيتو الإدارة الأمريكية.

وما بين النكبة المستمرة والهزيمة الحزيرانية ووعد بوش البلفوري وتطبيقات "الانفصال والتجميع" التهويدية الاجتياحية الشاملة إنما نستشعر حجم وكارثية الدور والأداء السلبي العربي والدولي :
فلماذا يتخاذل المجتمع الدولي أولاً عن دوره ومسؤولياته في إجبار دولة الاحتلال على دفع الاستحقاقات المترتبة عليها ........؟!
ولماذا لا تقيم المنظمة الأممية الحق والحد على الدولة الصهيونية الخارجة على كافة القوانين الدولية ..........؟!
_ فماذا يقول العرب يا ترى بعد كل ذلك...؟
ـ ولماذا يستمر هذا المشهد العربي المهزوم...؟
ـ ولماذا يستمر التمسك العربي بخيار السلام وبوثائق وخرائط السلام - الاستسلام ـ الأمريكية ـ الصهيونية...؟!
ـ ولماذا لا يصنع العرب خريطة طريق خاصة بهم في مواجهة تلك الخرائط...؟!
ـ ولماذا استمرار الهزيمة العربية واستمرار الاصرار العربي على التمسك بخطاب الهزيمة في الوقت الذي تبلغ فيه ارادات ومعنويات الشعب الفلسطيني هناك عنان السماء في التصدي لآلة الحرب والتدمير الاحتلالية...؟!
وفي الوقت تتصاعد وتتعاظم فيه المقاومة العراقية ويتسع نطاقها جغرافيا وسكانيا، وتتراكم انجازاتها على مدار الساعة...؟!
وفي الوقت الذي يتفاقم فيه المأزق الامريكي الشامل في العراق...؟!

كان عميد البيت العربي عمرو موسى قد اعلن في وقت سابق بمنتهى الوضوح قائلا: "ان الجامعة العربية مهددة لصالح كيان بديل يضم اسرائيل" التي اصبحت من وجهة نظره "دولة فوق القوانين الدولية" و"انه لم يعد من فائدة بالتالي من القيام بأية محاولات سلام معها".

ونتساءل ببالغ الدهشة:
حينما يكون بيت العرب مهددا اذن بالغزو الصهيوني وبـ"الشرق الاوسط الكبير" وبـ"الاصلاحات على النموذج العراقي"، فإن الأمة العربية كلها بدولها وانظمتها وشعوبها تصبح أمام خيار واحد فقط هو"خيار الدفاع عن النفس".

فما الذي فعلته القمم والدول والانظمة العربية اذن للدفاع عن الامة العربية المهددة...؟!
كان عمرو موسى قد اعلن ايضا "ان الارادة العربية هي الضمانة الحقيقية لمواجهة التحديات" وأن المقاومة ضد الاحتلال العدواني باتت معادلة لا تراجع عنها"...
فأين الارادة السياسية العربية القومية التحررية اذن..؟!
وأين المقاومة التي لا تراجع عنها في المشهد العربي ...؟!

لم ترتق القمم والدول والانظمة العربية ابدا إلى مستوى الحدث والاخطار... ولم تطلق رسالة عربية قوية لا لدولة الاحتلال الصهيوني، ولا للإدارة الامريكية... بل انها حتى لم تنطق بجملة عربية واحدة مفيدة واضحة حاسمة لصالح خيار التصدي والمقاومة كخيار استراتيجي وكخيار لا تراجع عنه...
وتبقى الامة والقضايا والحقوق العربية بحاجة عاجلة وملحة إلى قرارات عربية بأنياب...
والى ارادات عربية تحررية حقيقية...
والى قيادات تاريخية حقيقية...؟!
والاهم... الى مرجعية قومية عربية نهضوية حقيقية قوية...

... والى اجندات عربية سياسية / ديبلوماسية / اعلامية اقتصادية.. وعسكرية حين اللزوم..؟!!
والى ان يحين ذلك اليوم الكبير الذي نشهد فيه مثل تلك المرجعية والاجندات العربية.. ستبقى الاسئلة الكبيرة المتفجرة حول النكبة والهزيمة وضياع فلسطين.. وحول حلم الانتصار العربي قائمة متفاعلة عاصفة على تلك الاجندات...؟!!

التعليقات