31/10/2010 - 11:02

كمالة عدد!../ رشاد أبوشاور

كمالة عدد!../ رشاد أبوشاور
من يتابع أولمبياد بكين، ويتأمّل ما يجري هناك، في التنافس على ميداليات الذهب والفضّة والبرونز، بين منتخبات وأفراد ينتمون لأمم وشعوب كبيرة وصغيرة، في مباريات جماعيّة وفرديّة: كرة قدم، سباحة، كرة طائرة، كرة يّد، كرة سلّة، سباقات مسافات طويلة وقصيرة، ملاكمة، مصارعة بأنواعها، فإن قلبه سيمتلئ حسرةً على الحال الرياضي لأمته!
يعني بقيّة الأحوال أحسن؟!

أولمبياد بكين لهذه الدورة سياسي بامتياز!
فالرياضة والسياسة تتطابقان، تتداخلان، تتمازجان، تتصارعان بأكثر ضراوة مّما تشهده منازلات حلبات المصارعة، والملاكمة...
الصين أعلنت عن نفسها في حفل الافتتاح المبهر، وكأنها تقول: أنت أيها العالم تأتي إلى بكين وشقيقاتها المدن الصينيّة، لتلعب على أرض أمّة عملاقة، وبلد صناعي متطوّر طامح جامح، بلد ينافس على الموقع الأوّل اللائق به...

اللعب بروح رياضيّة، ليس تزجية وتسلية، ولكنه لعب يحتّل فيه الفائزون مواقع متقدمّة في هذا العالم الذي لا مكان فيه لغير الجسور، القوي،المستعّد، النشيط بدون منشطات مشتراة تساعد على الغّش.
الصين عاشت لعقود وهي ترتدي زيّا موحدا رماديّا متواضعا، من قائد الصين ومؤسس نهضتها وحداثتها العظيم ( ماوتسي تونغ)، وحتى عامل التنظيفات في الشارع.

الصين اليوم ترتدي الملابس الملوّنة الزاهية الأنيقة، والفتيات خرجن من تحفظهن وأخذن زينتهن بعيدا عن الإثارة، والاستعراض، وحركات الفجور المبتذلة، فالمرأة ليست وسيلة إغراء، ليست سلعة، ولكنها بطلة في مرابع الصراع على الذهب، وها هي تفوز به، وتعلي راية الصين الحمراء.

في القاعات، والملاعب، يصفّق الجمهور الصيني مع الموسيقى، جاعلاً من اللقاءات حفلات فرح وبهجة. قرأت أن الجمهور درّب ليوقّع تصفيقه بانسجام مع الموسيقى.
هذه أيضا رسالة إلى العالم، فالجمهور الصيني منظّم، وصاحب مزاج موسيقي، ويعرف كيف يتواصل مع أمم وشعوب العالم...

أمريكا حضرت بمنتخباتها مصممة على أن تكون هي الأولى، متوجةً بالذهب، وكأنما تريد أن تقول: أنا ما زلت المهيمنة، والقرن الحادي والعشرون لي، وبين الصين وانتزاع الموقع الأوّل مني شوط شاسع بعيد المنال!

روسيا تلعب، ولأن لعبها جّد، وما يدور حولها جّد جدّا، فإنها تلعب في بكين بروح ريّاضيّة، وبروح أكثر جديّة في جورجيا، حيث يدور اللعب بالصواريخ، والجيوش الزاحفة، والدبلوماسية التي تفرض حقائقها على الأرض!
شاكشيفيلي جعل من بلاده بيدقا على رقعة الشطرنج بين روسيا وعدوانيّة أمريكا بوش، واستهتارها بأمن روسيا!

تصوروا حتى ( إسرائيل) تلعب هناك، هي التي لا حضور لها في الأولمبياد العالمي في بكين، فهي كما افتضح أمرها زوّدت جورجيا بالخبراء العسكريين، وبالأسلحة المتطورّة، وهذا ينسجم مع تكوينها الذي لحمته وسداه روح عدوانيّة متآمرة، هي الحليف الدائم لعدوانية أمريكا وتخريبها في كّل مكان في العالم.

الكّل يلعب في هذا العالم، واللعب جدّي، عنيف، غير معلن تارةً، وسافر تارات، والكّل يبحث عن دور، ومستقبل، باستثناء (العرب)!
دول العرب تمثّل واقع الحال العربي بما يناسبه، لذا فهي كمالة عدد في أولمبياد بكين، وهي مجتمعة لن تعود بميداليات بأهميّة ما حققته ( جمايكا)!..نعم جمايكا التي انتزعت ذهبيتي المائة متر رجالاً ونساءً من أمريكا، وحرقت قلبها، داحرةً إياها عن عرش هذا السباق المحتكر لها!

المذيع العربي محروق قلبه على سمعة أمته، ولذا يعلن بأسى: العرب خرجوا من التنافس على ميداليات الملاكمة!
يعني هّل غنّمتها وفود (دول) العرب في الفروسيّة مثلاً ؟ سويسرا، ألمانيا، أستراليا، أمريكا.. تتنافس على ذهب الفروسيّة، وفريق عربي - لا أريد ذكر اسمه - في ذيل القائمة!.
كل الملايين التي تنفق على شراء الخيول، والمباهاة في سباقات لندن بجوكيّات غير عرب، ومع ذلك فهم في (الطّش)، يعني المؤخرة عندما يلعبون!

سبّاح أمريكي يفوز حتى الآن بثماني ميداليات ذهبيّة، ويطمح للمزيد!..كم ميدالية ذهبيّة حصّلتم يا منتخبات (دول) الجامعة العربيّة ؟! فتى تونسي فاز بذهبيّة سباحة، وبنت جزائريّة فازت ببرونزية الجودو...

صدقوني لو جارتنا (أم عبد الله) أرسلت حفيدها الذي يتدرب في نادي (طبربور) للجودو لفاز بالذهبيّة، وأقله بفضيّة.. مع إن الجدة ستزعل منه وتعايره: ولك يا جدّة ليش خليّت حّد يسبقك، شو ناقصك يا مقصوف العمر حتى تفوز بالذهبيّة؟!

والله إن مقصوفات العمر هي هذه الدول التي تتناحر للفوز على بعضها، وتحشد كل عبارات الحقد والضغينة، والنعرات، والإقليميّة المقززة.. وتأتي في الذيل عند التنافس في بطولات عالميّة!.
المشاهد تختلط في العالم: تنافس يبدو رياضيّا بريئا في بكين، ودبابات، وصواريخ وطائرات، وسفن، وتهديدات باستخدام القنابل الذريّة ردّا على نصب صورايخ أمريكيّة في بولونيا!

هذه ليست حربا باردة من جديد، هذه حرب ساخنة على الحاضر والمستقبل...
من قرأ الحرب والسلام لتولستوي، توقّف عند قوله بأن الروسيا تحارب أي عدّو يقتحم حدودها بضراوة إلى أن تطرده خارج الحدود ثم تكّف عن مطاردته، لأنها أمة غير معتديّة...
حدود الروسيا حاليا لم تعد كما كان يراها تولستوي، فجورجيا، وبولونيا، وأوكرانيا، و..إيران، و.. باتت حدودها. فعندما تزرع أمريكا بوش صواريخها حول روسيا، هي البعيدة ألوف الكيلومترات، فلا بدّ لأمة حيّة، يقودها مؤمنون بها، من دحر الاحتلال خارج الحدود، حدود أمنها القومي.

ها هي روسيا تعود لتأخذ دورها في القمّة، وقد كان الظّن أنها انحدرت وأنّ قيامتها ستطول...
حتى أثيوبيا تفوز بالذهب في سباقات المسافات الطويلة، و(الجماعة) لا يفوزون لا في المسافات الطويلة، ولا في القصيرة كجمايكا!
بالمناسبة لم أر لاعبا، أو لاعبة، في منافسات ( الشيش) أو السيف.. فجماعتنا مشغولون بالشيش كباب!
فلا هم للسيف، ولا هم للضيف، فمن لم يعلّموا أبناءهم ركوب الخيل، والسباحة، والرمي بالرمح، كما أوصاهم النبي الكريم، هم أسباب هزائمنا رياضيّا، وسياسيّا، واقتصاديّا، وعسكريّا...
حتى البلدان الأفريقيّة فازت بشيء من الذهب، وهؤلاء يستحقون الذهاااااب مع الريح، وحتى تهّب الرياح العاتية ستلاحقنا بسببهم الخسارات...

إنهم كما تقول أمهاتنا: لا للسدّة، ولا للردّة، بفصيح القول: لا في العير ولا في النفير...
هل تعرفون لماذا ليس (للعرب) موقع في المقدمة؟!

سؤال ساذج، ولكنني أطرحه على سذاجته، لنجيب عليها جوابا ربّما يقنع بعض الناس في هذا العالم بأن هؤلاء (العربان) ليسوا نحن، فهؤلاء (دوبلير) سيئ لبطل حقيقي غائب منذ زمن بعيد...

هؤلاء ( شاكشيفيلات)، وما تهديدهم الأخير لإيران نجاد، والتحذير مّما جرى للرئيس صدّام حسين، سوى الدليل على إنهم بيادق تلعب لأمريكا، وهم بهذا يلتقون مع (إسرائيل) التي تلعب في جورجيا ضد روسيا وإيران...
ونحن نسمع البيان الثنائي الجديد القديم، تذكرنا تآمرهم على العراق، ولم ننس تآمرهم الدائم على فلسطين، وكان تعليق سيدة حصيفة هو الحكم المبرم الذي ينتظر خدم أمريكا وأتباعها: هؤلاء يستحقون نهاية شجرة الدّر...
شجرة الدّر المملوكيّة أحبت مصر، وبلاد العرب والمسلمين، وكانت نهايتها الموت بالقباقيب على أم رأسها، رغم أن المصريين أيامها لم يموتوا على طوابير الخبز!

التعليقات