31/10/2010 - 11:02

كوكبنا الهشّ../رشاد أبو شاور

كوكبنا الهشّ../رشاد أبو شاور
يوصف كوكب الأرض بأنه كوكب هشّ.
روّاد الفضاء وصفوه وهم يرونه من سفنهم الفضائيّة بأنه كوكب أزرق باهر الجمال.

كوكبنا هذا الوحيد الذي فيه حياة بين كواكب المجموعة الشمسيّة، معرض للفناء لسفالة بعض سكّانه الذين يخلّون بتوازنه، واستمراره.

منذ ألوف السنين عاش البشر في خوف من المجهول: الزلازل، والبراكين، والخسوف والكسوف، والنار قبل استئناسها وتسخيرها لتبديد العتمة من كهوفهم، وكّف أذى الحيوانات المفترسة عنهم، ولطهيم وانتقالهم من توحّش وبدائية (النيئ) إلي تحضّر (المطبوخ).

مع انتشار العلم والمعرفة تجمّعت لدى الإنسان معلومات عن الظواهر الطبيعيّة، فامتلك تفسيراً لها وإن لم يملك القدرة على السيطرة على حدوثها، أو حتى التنبؤ بزمن وقوعها.

كوكبنا الهشّ ابتلي في السنوات الأخيرة القليلة بصنوف من الكوارث العاتية المكتسحة المدمّرة، وبأمراض تنذر بحصد ملايين الأرواح تأتي من مخلوقات طالما جعلها البشر غذاءً، وأحياناً متعة تسرّ الناظرين بريشها الملوّن وشدوها الأخّاذ.
البطّ البري، الأوز، الدجاج، متهمة هذه الأيّام بأنها تحمل في مناقيرها وأنوفها فيروساً سريع الانتشار ينتقل منها إلى بني البشر(H5N1).

كأنما لا يكفينا فيروس الإيدز الذي يهلك ملايين البشر في أفريقيا بخاصّة والعالم بعامّة غير مفرّق بين أسود أو أبيض، فلا منجاة إلاّ لمن نأى بنفسه عن شهوات الجسد، أو لجأ للواقي.

الأرض التي جعلها الله سكناً لبني البشر لم تعد بيتاً آمناً، فبحارها تثور بجنون، وتندفع أمواجها المتلاطمة على اليابسة طاوية في ثناياها بشراً وبيوتاً ومدناً.

ما أن استعاد البشر بعض روعهم إثر كارثة (تسونامي) جنوب شرقي آسيا، حتى اندفعت (كاترينا) بأمواجها الميدوزيّة الهائجة ضاربة بإعصار غضبها ولايات ومدناً أمريكيّة، ملحقة نكبة بفقراء (نيوأورلينز) السود الأفارقة الأصل الذين جلب آباؤهم الأولون ليكونوا عبيداً!

وما هي إلآّ أسابيع قليلة حتى تهتز الأرض هزّاً، وتدك الجبال دكّاً، لتهوي السقوف على رؤوس فقراء (باكستان) فيقتل الألوف ويجرح الألوف، ويتشرّد الملايين (أين الملايين لأخوتكم المسلمين يا من تبرعتم لأمريكا بالملايين؟).

كغيري من قليلي المعرفة بالجيولوجيا وعلم طبقات الأرض، ولحرصي الشديد على مصير البشرية، تابعت لقاءات الدكتور زغلول النجّار العالم المصري المشهود له، وكان أن عرفت شيئاً عن (صفائح) الأرض التي تتحرّك فتصطدم، فترّج الأرض كما لو أنها سفينة تبحر وئيداً على سطح مياه ناعمة رائقة، وعلى حين غرّة تضربها من تحتها موجة لامنظورة فتجعلها خفيفة كالريشة، وتنعف ما في داخلها وعلى سطحها جاعلةً كلّ شيء هباء.

الدكتور زغلول اشتّط بحسب رأي بعض الأكاديميين في تفسيراته لما يحدث للأرض والبشر، إذ انتقل من العلم والمعرفة إلى تفسير ما يحدث بأنه شيء من غضب الله، وأنه يمكن أن يكون نذيراً بقرب يوم القيامة! (لطفك يا رّب).

شخصيّاً لن ادخل في هذا الحوار، ولن ادحض ما لهج به الأستاذ زغلول، ناهيك عن أني لن أؤيده (فالساعة من أمر ربّك).

ابنة أختي (آيات) سألتني مستفسرةً عن اسم الدكتور زغلول:
ـ شو يعني زغلول يا خالو؟
ـ زغلول يا حبيتي هو الطائر بعد أن يفقس من البيضة ويكتسي بالريش، ويمتلئ جسده باللحم، ويسمن ويصير متهيّئاً للطيران باحثاً عن رزقه بدون عون أمّه أو مربيه.

أزيد لمعشر القرّاء: كانت أمهاتنا الفلاّحات اللواتي أنجبننا (يكافئن) بعولتهن يوم الجمعة خّاصةً بزغلولتين ثلاث حمام، يسقينهم شوربتها المطيّبة بالتوابل، ويحمرنها لهم في (الطابون) أو الفرن، مع بعض الرقاق من طحين القمح.. وصحتين!.

أحد الذين انتقدوا الدكتور زغلول، أخذ عليه تهويمه الغيبي، وتلاعبه بعقول الناس السذّج بعيداً عن العلم والمعرفة، وسأله: أيرضي الله الرحيم بقتل ألوف، وجرح ألوف، وتشريد ملايين الفقراء في باكستان، ومن قبل في (نيو أورلينز)، ناهيك عن تسونامي في جنوب شرقي آسيا (جلّهم مسلمون)؟! الأثرياء البيض في (نيو أورلينز) لاذوا بالنجاة بطائراتهم، وخسائرهم مهما كبرت تظّل طفيفة وقابلة للتعويض، فكيف يكون العقاب للفقراء مسلمين وسوداً؟!

لم يستفق العالم من نكبة نيو أورلينز حتى جاءتنا الطيور، مرفرفة بأجنحتها في سماء كوكبنا الهشّ، من مناقيرها يسيل لعاب فيه سّم وهلاك.

ليس في الفضاء حدود، ولا رجال شرطة بكمبيوترات يترصدون المشبوهين (الإرهابيين)، فالفضاء مفتوح للطيور من كل صنف، والطيور هذه لها رحلات من البلاد الدافئة إلى البلاد الحّارة، من الشمال إلي الجنوب، والمناقير تسيل مخاطها على البحيرات، على مسطحات المياه، على الحقول، فوق أعلام الدول الكبرى والصغرى، على رؤوس الصيادين البطرين، وعلى رؤوس من لا يأكلون البطّ والأوزّ والسمّان المحمّر والمشوي، على بلاد الفلافل والطعميّة، والهامبرغر والكونتاكي، ومشرّدي (دارفور).

الكوكب الهشّ يهتزّ، الكوكب مصاب بالذعر، ويحاول بعض سكّانه بانتهازية إغلاق الأبواب والنوافذ على أنفسهم بدلاً من البحث عن حلول وقائية، وتقديم نقد ذاتي لما تقترفه أيديهم من تخريب.

لا يمكن لتكنولوجيا حرب النجوم، ورقابة محمد البرادعي المنوّبل أخيراً، وتوعدات وتهديدات رامسفيلد أن تهزّ ريشة في جناح بطّة وتوقف اندفاعها وسبحانها في الفضاء المباح؟!

أعجبني ما قاله الدكتور زغلول من أن بعض المؤثرات في هذه الزلازل ربّما تكون التجارب تحت الأرض، والأنفاق ـ لا يقصد أنفاق رفح التي تمّ منها تهريب عروس فلسطينية لعريسها بعد خطوبة استمرت ثلاث سنوات، أهناك أبدع من هكذا قصّة حّب! ـ التي تنبش جوف الأرض وتخلخله وتغيّر من طبيعة توازنه.

هناك من يفسدون في الأرض، ويفاقمون هشاشتها، ويؤدون بنا جميعاً إلي التهلكة: ثاقبو الأوزون، المتسببون بالاحتباس الحراري بمصانعهم وكيماوياتهم، وتجاربهم الذريّة والنووية والهيدروجينيّة، فوق الأرض وتحتها وفي فضائها.

أمّا نحن ضحايا الكوارث ـ أقصد آكلي الفلافل والفول والكشري والخبز الحاف ـ فعلينا أن نتحد ونوقف هؤلاء المارقين اللامبالين عند حدّهم.

كوكبنا المعطوب يحتاج لصيانة وإصلاح قبل أن ينفجر بنا مسبّباً تلوثاً كونيّاً.

يوم أصيبت الأبقار بالجنون حذّرنا مّما هو آت، فانظروا إلى أين يمضون بنا!.

ختاماً: السلطة الفلسطينية استنفرت كافة أجهزتها لمواجهة أنفلونزا الطيور ـ لم تعلن إنهاء الاستنفار مع حماس ـ وهذا الإجراء قد يفسح لوحدة وطنية بفضل أنفلونزا الطيور، لا أنفلونزا شارون المختصة بالفلسطينيين وأرضهم وشجرهم!.
أبتهل إلي الله أن تنجح السلطة في إغلاق سماء القطاع في وجه طيور الإنفلونزا و..فتح معبر رفح!

التعليقات