31/10/2010 - 11:02

لعبة فاشلة في جنوب لبنان../ فيصل جلول

لعبة فاشلة في جنوب لبنان../ فيصل جلول
تدور في الجنوب اللبناني لعبة مكشوفة الأهداف بين “اليونيفيل” والأهالي الذين يشكلون بيئة طبيعية للمقاومة اللبنانية.

فمن جهة يريد السكان أن تحميهم القوات الدولية من الانتهاكات “الإسرائيلية” اليومية والترهيب الجوي بواسطة الطيران الحربي، وإعادة الأراضي اللبنانية التي احتلت عام 2006 وعدم انتهاك الدرويات “الإسرائيلية” للخط الأزرق، والامتناع عن زرع المخبرين والمتعاملين، ويفترض الأهالي أن حياد “اليونيفيل” يستدعي تطهير صفوفها من العملاء والمتعاونين مع “إسرائيل”، فضلاً عن التنسيق مع الجيش اللبناني في كل مرة يراد التحقق من معلومة أو عند دهم منزل أو الدخول إلى قرية أو ما شابه ذلك.

من جهة ثانية، تريد “اليونيفيل” أن يتعاون الجنوبيون معها من أجل تفكيك البنى التحتية للمقاومة اللبنانية، مفترضة أن القرار الدولي 1701 يكلفها هذا الدور.

ولأهالي جنوب لبنان الحق في التحفظ على صدقية وحياد القوات الدولية، وذلك لأسباب عديدة من بينها أن “إسرائيل” اجتاحت الجنوب مراراً غير عابئة بالقوات الدولية التي ما كانت تعاقب الدولة العبرية، وكانت تتصرف وكأن الأمر طبيعي.

ولم توفر القوات الدولية الحماية للمدنيين اللبنانيين الذين استجاروا بها خلال مجزرة قانا الأولى عام 1996 التي وقعت في معسكر تابع للأمم المتحدة، إضافة إلى مجزرة مروحين خلال حرب العام 2006 حين طلب بعض أهالي القرية من القوات الدولية عبر وسائل الإعلام توفير الحماية لهم إلا أنها امتنعت، فكان أن أبادتهم الطائرات الصهيونية وبينهم أطفال ونساء وشيوخ، ولم تتول الأمم المتحدة التحقيق في المجزرتين وفي غيرهما، الأمر الذي حمل الأهالي ويحملهم اليوم على اعتبار القوات الدولية جهة مؤيدة لـ“إسرائيل”، وبالتالي غير محايدة وغير منصفة.

والواضح أن دواعي الشك في القوات الدولية ازدادت بعد العام 2006، كونها صارت مشكّلة بقسمها الأكبر من الدول الأطلسية الحريصة على مصلحة تل أبيب التي يعتبرها الأطالسة “الديمقراطية” الوحيدة في الشرق الأوسط، والتي يقول عنها رئيس الوزراء الإسباني الأسبق جوزيه ماريا أثنار إن “سقوط “إسرائيل” هو مقدمة لسقوط الغرب”، ما يعني أن وجوب الاصطفاف إلى جانبها هو جزء لا يتجزأ من حماية الغرب وضمان عدم سقوطه.

وبما أن أثنار ينطق من خارج الحكم بصوت عال بما يفكر به قادة الغرب الحاكمون بصوت منخفض، فإن دور “القبعات الزرق” ذات الأغلبية الأطلسية الغربية في جنوب لبنان، يقوم على حماية “الدولة الصهيونية” من جهة لبنان، ومساعدتها على استدراك الصعوبات التي واجهتها خلال حرب يوليو/ تموز 2006 تماماً كما تفعل الولايات المتحدة، إذ تنشر قطعاً بحرية بالقرب من الشواطئ “الإسرائيلية” لحماية “الكيان الصهيوني” من تفكك مفاجئ إذا ما تعرض لهزيمة عسكرية كبيرة أو متوسطة الحجم في المجابهة المقبلة.

والواضح أيضاً أن تحفظ أهالي جنوب لبنان على القوات الدولية ودورها لا يقل أهمية عن تحفظ هذه القوات على موقف الأهالي من المقاومة اللبنانية، فالدوليون لا يخامرهم شك في أن الجنوبيين يشكلون حماية اجتماعية للمقاومة، وبالتالي بيئة صالحة للاستخبار عن السلاح والمخازن والوسائل اللوجستية الأخرى، وتفكيك قواعد المقاومة في منطقة جنوب نهر الليطاني بحسب القرار 1701 الذي ينص أيضاً على منع الاعتداءات “الإسرائيلية” على لبنان.

وما دامت القوات الدولية تحمي “إسرائيل” ولا تحمي لبنان واللبنانيين، فإن هؤلاء لا يثقون بدورها الحيادي ويتحفظون على دهم منازلهم وممتلكاتهم، وتجريدهم من وسائلهم المحدودة في الدفاع عن أنفسهم.

وعلى هذا الأساس يتوجب النظر إلى الاشتباك الأخير بين القوات الدولية وأهالي جنوب لبنان بعيد دهم عدد من المنازل بطريقة مفاجئة من دون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني. وكذلك يمكن تفسير رفض الأهالي لانتهاك حرمة منازلهم وتدنيسها بواسطة الكلاب البوليسية، وطرد القوات الدولية من القرى التي حاولت اقتحامها والتلويح بالتعاطي معها كقوة محتلة.

أغلب الظن أن الذين قرروا زيادة عدد القوات الدولية في جنوب لبنان وحصرها عموماً في الدول الأطلسية، كانوا يعتقدون أنها ستتمكن خلال سنوات قليلة من اختراق صفوف الأهالي بالمنح والمساعدات والوظائف والتأشيرات، وبالتالي الحصول على معلومات شاملة عن شبكات المقاومة وكشف عالمها الداخلي تمهيداً لضربها في المجابهة المقبلة مع “إسرائيل”، بيد أن المؤشرات المتوافرة حول قلق الدولة الصهيونية من تنامي المقاومة، وقلق الدول الغربية من تحول هذه المقاومة إلى قلعة حصينة وغير قابلة للاختراق، هذا القلق يعبر عن فشل الدوليين في تحقيق ما جاؤوا من أجله، وربما يفسر ضيق صدرهم وتجرؤهم على اقتحام بعض القرى من دون إذن مسبق حتى إذا ما ردعهم الأهالي ايقنوا مجدداً ممّا كانوا يخشونه من قبل، فبادروا إلى طلب المصالحة والتعهد باحترام السكان والامتناع عن تدنيس منازلهم بالكلاب البوليسية.

إنها لعبة مكشوفة الأهداف تدور هذه الأيام بين الأهالي والقوات الدولية في جنوب لبنان، وبالتالي لا حياد فيها ولا محايدين، والرهان هو أن يقتنع الدوليون بأن الجنوبيين ما عادوا سذجاً، وبالتالي من الصعب أن يلدغوا من جحر القوات الدولية مرتين.
"الخليج"

التعليقات