31/10/2010 - 11:02

لقاء عباس – أولمرت في الوقت الضائع../ راسم عبيدات

لقاء عباس – أولمرت في الوقت الضائع../ راسم عبيدات
... من المقرر أن يعقد اليوم الأربعاء 6/8/2008، لقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، وهذا اللقاء يأتي استمراراً لسلسلة اللقاءات المارثونية والعبثية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي لم تحرز أي تقدم في القضايا الجوهرية القدس واللاجئين والاستيطان والحدود ..الخ، بل وحتى في الجوانب الحياتية والإنسانية، والتي في كل لقاء يكرر الطرف الإسرائيلي لازمته واسطوانته المشروخة حول استعداداته لتقديم تنازلات مؤلمة من أجل السلام، في الوقت الذي تهدم وتدمر جرافاته وبلدوزراته منازل المقدسيين، وتمارس التطهير العرقي بحقهم، وتمنعهم من إقامة أية أنشطة جماهيرية، حتى بالأبعاد الجماهيرية والخدماتية.

ونحن نرى أن هذا اللقاء يأتي في الوقت الضائع، وليس أكثر من لقاء إعلامي وعلاقات عامة، حيث أن أولمرت وصل نهاية طريقه السياسي، وغير قادر على اتخاذ أية قرارات ليست بالبعد الاستراتيجي والمصيري، بل وحتى في قضايا حياتية ومعيشية، وبالتالي فحتى الطلب الفلسطيني، بإطلاق سراح قيادات فلسطينية وأسرى من مرحلة قبل أوسلو، لن يلقى آذانا صاغية. ولو فرضنا مستحيلاً موافقة أولمرت عليه، فنحن خبرنا العقلية الإسرائيلية جيداً، وما تقدمه من "تنازلات سخية ومؤلمة"، وآخرها التنازلات وبادرة حسن النية تجاه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فيما عرف بالشق النهائي من صفقة التبادل مع حزب الله، والمتضمنة الإفراج عن أسرى فلسطينيين، والنتيجة كما عرفها الجميع الإفراج عن خمسة أسرى فلسطينيين من أصحاب الأحكام الخفيفة، والذين قاربت وشارفت أحكامهم على الانتهاء.

ومن هنا نحن ندرك أن استجابة الطرف الإسرائيلي للمطلب الفلسطيني بإطلاق سراح كل من القادة المناضلين عزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي، واحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية، ومروان البرغوثي عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وسكرتير حركيتها العليا، وسعيد العتبة "ابو الحكم"، أقدم أسير فلسطيني، والذي دخل عامه الاعتقالي الثاني والثلاثين، هي ضرب من الخيال، حتى لو لم يكن الداعم لهذا الطلب رئيس الوزراء الفرنسي ساركوزي، بل وحتى بوش نفسه، فالاستجابة لمثل هذا المطلب، بحاجة لتغير استراتيجي في الذهنية والعقلية الإسرائيلية، القائمة على العنجهية والغطرسة وإقصاء الآخر ونفيه وإذلاله.

وحتى اللحظة الراهنة، لا نلمس حتى عند أي من ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي، من أقصى يمينه إلى أقصى يساره مثل هذا التغير، بل إن من شأن إطلاق سراح واحد من هؤلاء الأربعة فرادى وليس مجتمعين، التسبب في إسقاط الحكومة الإسرائيلية، والتي تغرس في عمق وجدان شعبها أن الشعب الفلسطيني هو عبارة عن مجموعات من "القتلة والإرهابيين". وكذلك لا يوجد أي حزب سياسي إسرائيلي مستعد للمقامرة بوجوده ومستقبله وحضوره لكي يتبنى مثل هذا الطرح وينتحر سياسياً، وهم الذين يحصدون شعبيتهم وجماهيريتهم، ويزيدون عدد مقاعدهم في الكنيست على حساب الدم الفلسطيني والعربي.

ومن هنا فنحن نرى أن أولمرت المثقل بالفضائح، تلك الفضائح التي وضعته على أبواب السجن، يحاول جاهداً في الوقت الضائع، أن يحقق أي انجاز مع الطرف الفلسطيني اتفاق إطار أو مبادئ عامة وغيرها، من شأن ذلك أن يحسن من صورته وسمعته على الصعيد الشخصي أولا، وحزبه "كاديما" ثانياً المهدد بالتفسخ والتفكك بسبب الصراعات والنزاعات الداخلية بين أجنحته المختلفة والوافدة إليه من مشارب سياسية متعددة.

والرئيس الفلسطيني عباس، الذي رهن كل مستقبله السياسي بالمفاوضات حيث أعلن أن التفاوض هو الخيار الاستراتيجي للشعب الفلسطيني، هذا التفاوض والذي تثبت الأيام عبثيته ودورانه في حلقة مفرغة، بل أصبح عبئاً على الشعب الفلسطيني، ويلحق المزيد والضرر بوضعه الداخلي ومنجزاته ومكتسباته وحقوقه، والطرف الإسرائيلي يستغل هذه التفاوض من أجل فرض الوقائع على الأرض.

وكذلك فترة ولايته الدستورية تقترب من نهايتها دون أية انجازات حقيقية، وهو يعزي نفسه أنه لعل وعسى، أن يحصل على دبس من "قفا" النمس، هذا النمس الهرم والعاجز حتى عن الدفاع عن نفسه، وحتى الذين قدموا الوعود والالتزامات من حكام البيت الأبيض، بتحقيق السلام ورؤية بوش بالدولتين، فهم يعرفون أنهم في فترة نهاية الخدمة، وباتوا على قناعة تامة بأن هناك صعوبة في تحقيق اتفاق فلسطيني إسرائيلي في فترة نهاية الخدمة لهم، اتفاق حتى لو كان في شكل إطار أو إعلان مبادئ، يشكل لهم مكسبا على الصعيد الشخصي، ويعزز من فرص نجاح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. وكذلك أن ينجح مثل هذا الاتفاق في وقف حالة التآكل وفقدان الثقة بالمفاوضات ومعسكر الاعتدال الفلسطيني والعربي، والذي بات يرى أن معسكر المقاومة والممانعة والمعارضة العربية يحقق المزيد من الانتصارات ويزداد حضوراً وجماهيرية، في أكثر من ساحة، حيث أن إسرائيل بدلاً من أن تمد طوق وحبل النجاة لهذا المعسكر فهي تعمل على تعميق أزمته وفقدان الثقة بخياراته. ومنذ "أنابولس" وحتى اللحظة الراهنة ما نراه على الأرض والواقع مزيداً من الإجراءات والممارسات الإسرائيلية، والتي تدمر وتغلق أية فرصة ونافذة للسلام، حيث الاستيطان زاد بعشرة أضعاف، وكذلك الحواجز العسكرية وتقطيع الأوصال والتواصل ارتفعت بشكل جنوني، ناهيك عن سياسة الطرد والتطهير العرقي في مدينة القدس، والاقتحامات والاغتيالات والإغلاق في المناطق التي تتواجد فيها قوات الأمن الفلسطينية، مما أضعف الثقة والمصداقية بهذه القوات ودورها.

وليس هذا فحسب، بل الطرف الفلسطيني يواصل هذه المفاوضات، في ظل حالة فلسطينية واسعة من الانقسام والشرذمة، ليس بالمعنى السياسي فقط بل والجغرافي، والتي تلقي تداعياتها بظلالها على الواقع الفلسطيني، بشكل كبير حيث تغيب الرؤى والبرامج والاستراتيجيات الموحدة.

إننا نرى أن الاستمرار في هذه اللقاءات العلنية والسرية منها، دون أجندات والتزامات واضحة ومحددة، وغياب المرجعيات، من شأنه أن يجعل من هذه المفاوضات العبثية، عدا كونه مضيعة للوقت وتعميقا للأزمة في الساحة الفلسطينية، فهي تشكل غطاء فلسطينيا رسميا لإسرائيل للاستمرار في ممارساتها وإجراءاتها القمعية والاذلالية، وهذا اللقاء عدا عن كونه يأتي في الوقت الضائع، ولن يتمخض عنه شيء ايجابي للشعب الفلسطيني، فهو يأتي بعد إقدام إسرائيل على هدم بناية فلسطينية تأوي عشرات الأسر الفلسطينية في القدس، والتهديد بهدم مئات أخرى، رغم تدخل أبو مازن شخصياً في هذه القضية.

وبالتالي من يعلق الأوهام ويطلب الدبس من "قفا" النمس، لتحرير أسرى من أمثال سعدات والدويك والبرغوثي والعتبة، فهو منفصل عن الواقع كلياً، ولتراجع كل الأطراف الفلسطينية مواقفها، وتتفق على قواسم مشتركة، قائمة على أساس ما جرى التوافق عليه في وثيقة الوفاق الوطني- وثيقة الأسرى واتفاق القاهرة آذار/ 2005 ، وإلا فإن مآل القضية الفلسطينية سيكون كمآل القضية الكردية، وبسبب مباشر لصراع واقتتال أمراء الحرب والمصالح.

التعليقات