31/10/2010 - 11:02

لم يعد هناك حوار../ مصطفى إبراهيم*

لم يعد هناك حوار../ مصطفى إبراهيم*
لم يعد يذكر الفلسطينيون الاحتلال وكأنهم تحرروا من نيره، وأقاموا دولتهم وهم يختلفون الآن على الدولة وشكلها، وطبيعة النظام السياسي الذي يجب أن تكون عليه، فالنضال ضد الاحتلال أصبح ضربا من الماضي، والصراع الداخلي أصيح رئيسياً، والصراع مع الاحتلال هو الثانوي.

ولم يعد يخفى على أحد أن هناك عدة أطراف عربية وإقليمية تلعب في الساحة الفلسطينية كما تريد. فعجز العرب عن اتخاذ موقف في تحميل أي من طرفي الصراع المسؤولية في فشل الحوار، واختلف العرب على ذلك وتجلى اختلافهم من خلال موقف وزير الخارجية السوري وليد المعلم في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي أنهى أعماله في القاهرة في السادس والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، عندما طالب بضرورة وجود سقف زمني للحوار، وقال: "لا يمكن أن يترك الحوار مستمرا من دون نتيجة، خاصة أن هناك استحقاقا ينذر بفراغ دستوري في السلطة في حال عدم نجاح الحوار"، و"تمنى المعلم لو أن "حماس" قد أتيحت لها الفرصة لحضور المؤتمر وعرض وجهة نظرها".

فالاتهام الموجه إلى حركة "حماس"، من قبل حركة "فتح" بأنها هي من أفشل الحوار من خلال وجودها كرأس الحربة لإيران وسورية في المنطقة العربية، وهي تنفذ سياسة إيران في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط عليها، في وسيلة منها للمضي بمشروعها النووي، والاتهام الموجه إلى حركة حماس للارتهان للموقف الإيراني الذي يربط انعقاد الحوار الفلسطيني بشرط وجوده على الطاولة كأي طرف من الأطراف العربية الأخرى.

فالعرب الذين فشلوا في تحميل أي من طرفي الصراع المسؤولية عن فشل الحوار في القاهرة قبل نحو أسبوعين، لم يكتفوا بذلك بل عملوا على تعميق الانقسام من خلال عدم اتخاذهم موقف حازم يجبر الطرفين على الجلوس على طاولة الحوار كما فعلوا خلال الأزمة اللبنانية، وهم بذلك يؤكدون على أن هناك مشروعين عربيين يعمل كل مشروع من خلال مصالحه الخاصة ومصالح المشروع التابع له.

فالرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي قاطع اجتماع وزراء الخارجية العرب، والذي كان يتوقع النتائج التي خرج بها المجتمعون، واحتجاجا منه على موقف بعض الدول العربية التي تساند حركة "حماس"، وتحسبا لعدم وقوع مواجهة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الذي تراجع عن إدانة حركة "حماس" وتحميلها المسؤولية عن إفشال حوار القاهرة، حسب وجهة نظر الرئيس عباس.

وقام أيضاً بعدة خطوات استباقية قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب ربما تكون منسقة مع بعض الأطراف العربية، في مواجهة "حماس" ورداً منه عليها قبل موعد استحقاق نهاية ولايته الرئاسية، والتي تصر حركة "حماس" على أنها تنتهي في التاسع من شهر كانون الثاني (يناير) 2009، فقد قام الرئيس عباس وفريقه بتنصيبه رئيساً لدولة فلسطين بعد أربع سنوات من استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفي خطوة اعتبرت ليست بالمفاجئة.

ولم يكتف الرئيس عباس بذلك بل أعلن عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في بداية العام القادم، إذا لم يبدأ الحوار الوطني الشامل. وأعلن أيضاً عن أن الانتخابات ستكون في الضفة الغربية، ومن ثم تراجع وقال إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ستجرى في الضفة الغربية وقطاع غزة في آن واحد، فيما أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه إن الرئيس يرغب في تنظيم الاستحقاقين في نيسان(إبريل) من العام المقبل.

فالخطوات التي قام بها الرئيس عباس خلال اليومين الماضيين تدل على تخبط في المواقف وتشوش في التفكير وتعزز من تعميق الانقسام وتكريسه في الساحة الفلسطينية، وبدلا من التفكير بشكل أكثر نضجاً يأخذ في الحسبان المصلحة الوطنية الفلسطينية من خلال موقعه كرئيس للفلسطينيين وليس كرئيس لحركة فتح، وهو يؤكد أنه يحمل مشروعاً يريد تنفيذه من خلال رؤيته وقناعاته الشخصية هو وفريقه، وعدم اعترافه أن حركة "حماس" فازت بأغلبية ساحقة في المجلس التشريعي، وهي شريك في السلطة ولها وجود قوي وسيطرت على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وهي لن تتراجع عما تعتبره حقا منحه لها الشعب في الانتخابات.

من اجل كل ذلك ومن أجل تمسك حماس بمواقفها من الحوار ومن الرئيس عباس والشروط التي تضعها، واستجابة منها للضغط عليها وتوافق مصالحها مع تلك الأطراف العربية والإقليمية التي لم تخف مواقفها من تأييد موقف حماس وتمنيها بحضور الحركة المؤتمر لعرض وجهة نظرها بالتساوي مع حركة فتح التي أرسلت د. صائب عريقات ممثلا عن السلطة الفلسطينية في رام الله، لم يعد هناك طرف يتحمل المسؤولية عن إفشال حوار القاهرة الذي لم يعد له ملامح أو أمل بانعقاده من جديد في المستقبل القريب في ظل تعميق الانقسام باتخاذ الخطوات الاستباقية من طرفي الصراع، فالكل يعمق الانقسام ويكرسه على طريقته ومن خلال مصالحه وارتباطاته العربية والإقليمية والدولية.

التعليقات