31/10/2010 - 11:02

ليست موجة عابرة../ د.جمال زحالقة

ليست موجة عابرة../ د.جمال زحالقة
لا يمكن اعتبار الهجمة العنصرية الأخيرة التي تعرض لها أهلنا في عكا حالة عكية خاصة محصورة محليا، لأنها في حقيقة الأمر تعبر عن حالة عنصرية ينتجها المجتمع الإسرائيلي باستمرار منذ عشرات السنين. وشهدت الأعوام الأخيرة زيادة ملحوظة في الناتج العنصري، تفوقت في وتيرة تناميها عن كل ما ينتجه هذا المجتمع. ولعل أخطر ما في الأمر أننا لسنا بصدد موجة عابرة، أو حالة احتقان عنصري جرى تفريغها وخفتت، بل نقلة نوعية لها ما بعدها، ولو اعتمدت على أسس عنصرية قائمة ودائمة لها جذورها العميقة في التركيبة الإسرائيلية.

دأبت المؤسسة الإسرائيلية وأبواقها الدعائية، على مدى عقود طويلة، على صناعة الأقنعة وتسويغ التبريرات للتغطية على العنصرية التي تنخر في صميم البنية السياسية والمجتمع في إسرائيل.

في السنوات الأخيرة رفعت العنصرية رأسها عارية من الأقنعة، غير عابئة بإيجاد التبريرات، وصارت مقولات مثل الترانسفير واشتراط حقوق المواطن العربي بمواقفه السياسية، واعتبار العرب خطرا استراتيجيا، وخطاب القنبلة الديمغرافية، وغيرها، أمورا مقبولة ووجهة نظر مشروعة في الرأي العام.

على هذه الخلفية لقي العنصريون الذين اعتدوا على العرب في عكا مجتمعا كاملا يدعم ممارساتهم ويساند اعتداءاتهم على العرب، وأصواتا كثيرة تشجعهم وتطلب المزيد.

ما حدث في عكا لم يكن طوشة عمومية، كما وصفها البعض، بل استغلال مدير لقضية معينة من أجل تأليب الجمهور اليهودي ضد الجمهور العربي. بادرت إلى ذلك مجموعات عنصرية معينة، حظيت بدعم من الرأي العام ومن البلدية ومن السلطة. الشرطة في عكا سمحت لهم بحرق البيوت والاعتداء على الناس للتنفيس عن أحقادهم واحتقانهم العنصري، ولم تتدخل إلا حين أدركت أن الأمور أفلتت من أيديها. أما البلدية ورئيسها فحدث ولا حرج، فالتصريحات العنصرية النارية والتهديدات المفضوحة التي تنطلق منهما تشكل ريحا خلفية قوية داعمة لعنصريي الشارع. وكل هذا ينضوي في الإطار العام الذي توفره العنصرية الإسرائيلية المستشرسة.

المعتدون على العرب في عكا هم عنصريون صغار، ولكن لا صغار بلا كبار. وهؤلاء هم الأخطر فبفضلهم يتحرك الوحش العنصري على كافة المستويات. الكبار يسنون القوانين العنصرية، يحرضون ويوجهون ويبتسمون أمام الكاميرات بربطات عنق أنيقة. هم يفعلون ذلك لأنهم ببساطة عنصريون في الصميم، ولأنهم انتهازيون يبغون الحصول على شعبية رخيصة من خلال التحريض على العرب، الذي أصبح أكثر ما يكسبهم الربح السياسي، في مجتمع ترتفع فيه سنة بعد سنة معدلات العنصرية وفق كل الاستطلاعات التي تجريها المعاهد الإسرائيلية المختلفة.

نحن بصدد حالة عنصرية عامة تعصف بالمجتمع الإسرائيلي بكل فئاته، بدءا بالنخبة الثقافية والسياسية، مرورا بالصحفيين وصناع الرأي العام، وصولا إلى الجامعات حتى سكان أحياء الفقر. العنصرية الشعبية اليوم تتناغم مع العنصرية الرسمية، ومعركتنا في مواجهتها ليست سهلة، لكنها فرضت علينا ونحن قادرون على صدها بالحفاظ على تماسك مجتمعنا وتعاضده وتضامنه الداخلي.

لا مجال أمامنا إلا التصدي للوحش العنصري والوقوف في وجهه، وحين نفعل ذلك سنجد من يقف معنا محليا وعالميا، ولعل مهمتنا الأولى، إلى جانب التصدي المباشر، هو كسر مؤامرة الصمت على الثنائية الإسرائيلية، ديمقراطية في الدعاية الخارجية، وعنصرية في الممارسة الداخلية.

التعليقات