31/10/2010 - 11:02

ما بعد مئة يوم من ولاية أوباما/ جميل مطر

-

ما بعد مئة يوم من ولاية أوباما/ جميل مطر
ماذا تغير في المئة يوم الأولى من ولاية باراك أوباما وماذا لم يتغير؟ ظهرت إجابات بعضها متسرع وأكثرها إيجابي، أي في صالح الأمل المتجدد في الشخص الذي جاء إلى الحكم محمولاً على وعود التغيير. تغيرت أمور لا شك في هذا ولا يجوز إنكار وقوعها أو تجاهل آثارها، فقد انضم إلى عائلة أوباما كلب، وكان انضمامه وعداً انتخابياً من وعود عديدة قدّمها المرشح باراك أوباما. وتغيرت شكلاً وموضوعاً صورة السيدة ميشيل أوباما. ففي أذهان الناس حلت ميشيل عارضة الأزياء ومعشوقة صنّاع الملابس الفاخرة محل ميشيل الأستاذة الجامعية والمحامية الماهرة. وتغير باراك أوباما شكلاً على الأقل، حتى إن معلقاً قال إن المئة يوم أضافت إلى شعر أوباما بياضاً لم يكن موجوداً أو ظاهراً أثناء الحملة الانتخابية وخطت على وجهه خطوط ألف يوم وليس فقط مئة.

ومن واجب الإنصاف في الحكم على الرجل وإدارته أن نعترف لأميركا بوجه عام بأنها رحّبت ولا تزال مرحبة بنيات التغيير، وأن الرأي العام الأميركي مستعد بالفعل وربما للمرة الأولى منذ عقود لتقديم تنازلات لم يعتد على تقديمها على صعيدين: صعيد مستوى حياة الفرد وجودة هذا المستوى وصعيد مكانة الولايات المتحدة وموقعها بين الأمم. ونعترف أيضاً بأن عقبات ليست من صنع أوباما أو نتيجة أخطاء مارسها تقف عقبة في وجه قضايا بعينها في مسيرة التغيير. ففي الولايات المتحدة، وفي العالم بأسره، أزمة مالية اقتصادية تستنزف نسبة هائلة من طاقة الإدارة الجديدة وتتسبب في إضافة أعباء لا تطاق على الأجيال المقبلة. صحيح إن هذه الأزمة أضافت بُعداً جديداً إلى ضرورات التغيير الجوهري في النظام الاقتصادي والاجتماعي الأميركي ولكنه صحيح أيضاً أنها أحبطت إلى حد ما معنويات الشعب وأثرت في نوعية تطلعاته إلى المستقبل. جاءت الأزمة، أو تصاعدت، في وقت كان أوباما يزمع أن يستثمره في إعادة رسم خريطة علاقات القوة الدولية بما يسمح للدول الغنية الأخرى، وخصوصاً الصاعدة، المشاركة في تحمل مسؤوليات أكبر في القيادة والمسؤولية. من سوء حظ أوباما أنه، بسبب الأزمة المالية الاقتصادية، صار يتعين عليه أن يواصل تنفيذ خطة إعادة رسم خريطة القوة الدولية ولكن من موقع ضعف وبإيقاع أهدأ، وكذلك من موقع الدولة الأعظم المتهمة بالمسؤولية عن وقوع هذه الكارثة، وربما التواطؤ.

من ناحية أخرى، لم يكن مستبعداً أن تتدهور أحوال باكستان وحدودها مع أفغانستان، وفي الوقت نفسه لم يكن متصوراً أن يصل الأمر إلى حد اكتساح «طالبان» لمناطق شاسعة في باكستان وتهديدها العاصمة والنظام السياسي والاجتماعي الباكستاني بأسره والوصول إلى مواقع ترسانة القنابل النووية وصواريخها. كانت خطة أوباما تقضي بزيادة الجنود الأميركيين وجنود حلف الأطلسي في أفغانستان ومضاعفة الدعم الاقتصادي والتدخل الحاسم لدفع الرئيس كرزاي وجماعته للتخلي عن الحكم أو إدخال تغييرات شاملة تضمن الحد من انتشار الفساد وتفاقمه وبالذات بين إخوته وعائلته وتفتح الباب أمام فئة صاعدة من المتربين لممارسة السياسة والحكم. وكان في خطته احتمال أن يسمح لقواته المسلحة بتوسيع عملياتها من الأراضي الباكستانية ضد «طالبان» على الحدود وداخل أفغانستان. ولكن لم يكن بين احتمالاته احتمال أن تتبدل الصورة فيضطر إلى التفكير في اتخاذ قرار بشن حرب شاملة جديدة في باكستان. هناك خوف حقيقي من أن يؤدي التصعيد الأميركي في باكستان إلى فتح جبهة أوسع تجذب إليها بالرضا أو الاضطرار كلاً من الصين والهند وربما إيران.

من ناحية ثالثة، لم يدر في خلد كثيرين أن أوروبا القارة السعيدة بوصول أوباما إلى الحكم ستكون عبئاً عليه. هكذا بدت أوروبا على كل حال في مؤتمر لندن، أو على الأقل هكذا جرى اكتشاف أوباما لها. عادت القيادة الفرنسية تثير المتاعب لأميركا، رغم شهور من علاقات حميمة. وتفاقمت شروخ الرؤية الألمانية - الفرنسية المشتركة، وارتفعت أصوات الدول الأقل ثراء والأبعد قليلاً إلى الشرق منددة بإهمال الدول الأغنى وتراخيها في التعامل بحزم مع طموحات عودة التوسعية الروسية. ومن ناحية رابعة، كان أوباما في غنى عن أزمة خنازير تتجاور مع الأزمة المالية والاقتصادية فيشدان أزر بعضهما بعضاً. إذ أن أكثر ما يخشاه أنصار أوباما هو أن تتسبب البنية التحتية الأميركية التي لم يصلح حالها بعد في إعاقة تنفيذ خطط مواجهة الوباء، فتتكرر أزمة إدارة الرئيس بوش مع كارثة إعصار كاترينا ودمار نيوأورليانز.

لا أظن أن هذه التعقيدات خافية على قوى أميركية وخارجية كانت، ولا تزال، معارضة لروح وخطط التغيير التي جاءت بأوباما إلى السلطة. لم نسمع خلال الأسابيع الأولى من المئة يوم إلا أصواتاً خافتة تنتقد بعض سياسات أوباما، أو تقلل من قيمة إعلائه الديبلوماسية على الحرب والحصار كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية ودعم المصالح القومية. وفجأة وبالتحديد خلال الأيام الأخيرة علت الأصوات وخرجت القوى المناهضة للتغيير إلى العلن، وأظن أنها خرجت وعلا صوتها متشجعة بتعقيدات الأزمات المالية والصحية العالمية من ناحية، وبالخوف على وجودها في حال استمرت إدارة أوباما في فتح ملفات بعينها، خصوصاً ملف التحقيقات والتعذيب وملف الحرب ضد الإرهاب وربما امتدت يدا أوباما إلى أخطر الملفات على الإطلاق وأقصد ملف التجسس على المواطنين بالتنصت أو بغيره.

لا يجوز إغفال حجم القوة التي تتمتع بها جماعات المحافظين الجدد ومن يدور في فلكها من قوى ومنظمات ضغط ومصالح استفادت جميعها من أحداث كارثة 11 سبتمبر وما تلاها من حروب في أفغانستان والعراق وحملات الحرب العالمية ضد الإرهاب وخصوصاً الحملة ضد الإسلام. لقد اهتزت أركان في وكالة الاستخبارات الأميركية عندما أذاعت إدارة أوباما وثائق عن التعذيب، وكان سبق أن اهتزت أركان أخرى في البنتاغون عندما هددت الإدارة بكشف الفساد في علاقات بين موظفين كبار وضباط في البنتاغون من ناحية وبين شركات السلاح وشركات الأمن الخاصة وشركات المقاولات من ناحية أخرى. هذه ومصالح أخرى مثل بعض الكنائس وجماعات الضغط اليهودي وبعض الجهات المستفيدة من شبكة «ديبلوماسية الاستبداد» أي شبكة المصالح التي نمت في حماية دول تحكم فيها أنظمة حكم غير ديموقراطية. هناك أيضا الشركات التي راجت منتجاتها المستخدمة في حراسة المطارات والشوارع والمدارس ومنتجي الأسلحة الصغيرة. مستفيدة أيضاً من أوضاع وعهود ما قبل أوباما. أنظمة حكم كثيرة في دول صغيرة اكتسبت مناعة ضد المعارضة السياسية الداخلية تحت زعم أولوية الحرب ضد الإرهاب .

أصبح واضحاً في الأيام الأخيرة أن هذه القوى المناهضة للتغيير الأوبامي كسبت زخماً وانتقلت من الكمون إلى العلن أو من الصوت الخافت إلى الصخب والضجيج ومن الدفاع إلى الهجوم. وإن كان صحيحاً ودقيقاً ما نقلته الكاتبة البارعة مورين دون عن محضر شهادة ديك تشيني أمام لجنة الاستخبارات في الكونغرس فسيكون الدليل الحاسم والواضح على عودة المحافظين الجدد بقوة إلى ساحة المواجهة ضد التغيير. أشد وضوحاً على كل حال كانت المصادفة التي جعلت هذه القوى تظهر متحالفة عضوياً مع قوى الضغط الصهيوني والآلة الديبلوماسية الإسرائيلية، كلها خرجت في وقت واحد تنتهز مرحلة كان لا بد أن يتردد فيها أوباما أو يتباطأ أو يراجع ما أنجز ويستعد للقفزة التالية. أعتقد أن أوباما حريص أكثر من أي وقت مضى على أن لا يفقد من رصيده الشعبي، وأن لا يظهر أمام العالم بمظهر الضعف أو بالرجوع عن وعود التغيير. وفي الوقت نفسه، يعرف جيداً أن معركته المقبلة، إن قرر أن يخوض معركة، لن تكون عادية وستقع فيها خسائر كثيرة. وهذا في ظني هو ما تعرفه القيادة الجديدة في إسرائيل وكثيرون فيها من العالمين ببواطن السياسة في أميركا. هؤلاء وقياديون في الحركة الصهيونية الأميركية يعرفون أن الإدارة الأميركية محاطة بأزمات أكثرها لم يكن متوقعاً ولم تستعد له، وأن المنطقة العربية هادئة ولا تهدد مصالح أميركا أو إسرائيل بأي خطر يستدعي إثارة حماسة أوباما لتسوية قضية فلسطين. ولا أمل لإسرائيل في استكمال سيطرتها على مصائر العرب إلا بتقديم نفسها حليفاً للعرب ضد ما يطلق عليه «إيران العدو المشترك لأميركا وإسرائيل والعرب».

استطاعت إسرائيل أن تهيمن على عملية صنع السياسة الخارجية الأميركية على امتداد عهدي الرئيس بوش بفضل «دورها ودور عملائها والمتعاطفين مع الصهيونية» في التخطيط لعمليات الحرب العالمية ضد الإرهاب والحرب ضد الاسلام. واستفادت فائدة عظمى. وتستطيع الاحتفاظ بهذه الهيمنة إذا تمكنت من استدراج أميركا إلى تجديد حربها ضد الإسلام ولتكن إيران ساحة هذه المرحلة من الحرب.

كاتب مصري


"الحياة"

التعليقات