31/10/2010 - 11:02

ما زال للثوابت نخبة وجمهور../ د.عصام نعمان*

ما زال للثوابت نخبة وجمهور../ د.عصام نعمان*
من عتمة الخلافات والمخالفات والنزاعات والمصالحات والمقاومات الفلسطينية المتقاعدة في السلطة والأخرى الواعدة في مواجهة العدو، انبثق ضوء لافت. ففي بيروت، العنوان المؤقت للحراك الشعبي الفلسطيني البازغ، أعلن عشرة من الضمائر الحية في حضرة أمثالهم من مختلف بلاد العرب تأسيس “الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الثوابت”.

العشرة الأحياء في ضمائرهم وثقافتهم وممارستهم هم، بحسب الترتيب الأبجدي، بلال الحسن، بيان نويهض الحوت، جورج مشحور، حلمي البلبيسي، رزان أكرم زعيتر، سليمان السهلي، عزمي بشارة، ماجد الزير، منير شفيق ومحمد أبو ميزر .

معظم هؤلاء يكدحون ويكافحون في دنيا الشتات الفلسطيني، لكنهم متجذرون في آلام شعبهم وآماله، مترعون بولاء له والتزام متين بثوابته الوطنية غير القابلة للتصرف.

باسم هؤلاء أوضح بلال الحسن، المناضل والكاتب المعروف، “أن الوضع الشعبي الفلسطيني يعيش حالة غليان، بسبب تعنت السياسة “الإسرائيلية” والأمريكية من خلفها، وأن هذه الحالة بدأت الآن تنتقل إلى حالة فعل ونهوض”، معتبراً أن تأسيس الهيئة الوطنية هو “من أجل بلورة حالة النهوض ووضعها في سياق حراك شعبي جماهيري مستقل”.

بيان تأسيس الهيئة الوطنية وقّعته، كما أكد الحسن، سبعون شخصية فلسطينية، وأن التحرك الذي بدأ بتأسيسها لن يبقى نخبوياً، بل سيتحول حراكاً شعبياً إذ سيصار، قبل نهاية شهر مايو/ أيار المقبل، إلى عقد مؤتمر موسع ينظم الوضع القيادي والتنظيمي للهيئة من أجل أن يأخذ عملها شكلاً ديمقراطياً وحراكها مشاركة جماهيرية.

مزايا عدة تتمتع بها الهيئة الوطنية، وقد تجلّت في بيان التأسيس كما في المؤتمر الصحافي الذي عقده، باسمها، بلال الحسن، وفي التصريحات والتعليقات التي صدرت عن أعضائها، ولا سيما عزمي بشارة وماجد الزير.

لعل الهدف الأساس للهيئة العودة إلى ثوابت العمل الوطني الفلسطيني والتحرك على مستوى سقفها. فهي قامت “لحماية حقوق شعب فلسطين الثابتة وغير القابلة للتصرف، ومن أجل العمل على إحقاق وتلبية وممارسة هذه الحقوق”.

غير أن الهيئة، في هويتها وكينونتها الفلسطينية، ليست خارج الانتماء العربي أو منفصلة عن حقوق العرب الثابتة، ذلك أن “قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم. فعبر إقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية تمّ استهداف العرب جميعاً”.

انطلاقاً من هذه الحقائق الحياتية الراسخة، ترى الهيئة “أن حق العرب بمقاومة الاحتلال “الإسرائيلي” لأرض فلسطين، وحق الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم غير مشتق من القانون الدولي، ولا من قرارات الأمم المتحدة، بل من التاريخ والجغرافيا وحقوق الإنسان الطبيعية”. وإذا كانت المواثيق الدولية أقرت الحق بمقاومة الاحتلال، كما ثبّتت القرارات الدولية حق العودة والتعويض، فإن مقاومة الاحتلال بجميع أشكالها هي واجب، وليست حقاً فقط” . في ضوء هذا الفهم والمفهوم الواضح للحقوق الثابتة وللمقاومة الواجبة “تؤكد الهيئة على طابع حركة التحرر الفلسطيني المقاوم ضد الاحتلال حتى زواله، وترفض أي تنسيق أمني أو سياسي مع دولة الاحتلال”.

البيان التأسيسي للهيئة يؤكد، كما تصريحات أركانها، على استقلاليتها . فهي ليست طرفاً ثالثاً محايداً، كما أنها لا تقطع مع الأطراف الموجودة أو تقاطعها، ولا سيما مع حركة “حماس” التي وإن كانت لديها ملاحظات على أدائها في قطاع غزة، إلا أنها تدعمها بقوة في عملها المقاوم.

إلى ذلك، لا تعادي الهيئة حركة “فتح” بل تنتقدها. فقد تحوّلت، لا سيما في الضفة الغربية، إلى سلطة تعمل تحت الاحتلال “الإسرائيلي” وبالتعاون معه. يقول بلال الحسن: “إن فتح حركة كبيرة وملأى بالشرفاء والمناضلين، وقد جرى اختزالها على صعيد القرار بأعضاء من فتح في الضفة الغربية. وهذا القرار مرتبط بنظرية التفاوض التي تقوم على القبول بكل ما تطلبه “إسرائيل” والرضوخ لتهديدات اللجنة الرباعية وضرب العمل الفدائي، بل ضرب فكرة المقاومة من الأساس”.

ما تريده الهيئة، إذاً، هو “الحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية وميثاقها كحركة تحرر وطني، وتعمل ضد تفكيكها وتهميشها أو تحويلها عن مسارها الهادف إلى تحرير فلسطين والشعب الفلسطيني من الاحتلال الاستيطاني والهيمنة الصهيونية ومن جميع أشكال العنصرية، وإحقاق حق العودة”.

أين منظمة التحرير ومؤسساتها من الأهداف والمفاهيم والآليات التي تدعو الهيئة الوطنية إلى اعتمادها؟

يشير أحد أركان الهيئة ماجد الزير، بأسى وأسف، إلى واقعة “تخلي المجلس الوطني الفلسطيني في آخر اجتماعاته، وفي حضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، عن بند الكفاح المسلح في ميثاقه”، كما يلاحظ أن مؤسسات منظمة التحرير باتت مشلولة، أما التي ما زالت عاملة فهي في خدمة السلطة الفلسطينية ليس إلا. من هنا تنطلق دعوة الهيئة إلى إعادة تأسيس منظمة التحرير وبنائها على قواعد ديمقراطية كحركة تحرر وطني هدفها تحرير فلسطين والشعب الفلسطيني ومقاومة الاحتلال الاستيطاني والهيمنة الصهيونية والعنصرية بجميع أشكالها، وتشدد على مطلب إحقاق حق العودة.

من صفوف الفلسطينيين المستقلين، وهم يشكلّون بحسب رأي بلال الحسن ثمانين في المائة من الشعب الفلسطيني، انبثقت “الهيئة الوطنية الفلسطينية للدفاع عن الحقوق الثابتة”، وإليهم سوف تتوجه، ولا سيما إلى قطاع الشباب في جمهورهم الذي يتوزع، إلى فلسطين التاريخية، على ما لا يقل عن 80 دولة في العالم، وبخاصة في الأردن ولبنان وسوريا ودول أوروبا، من أجل بلورة ثقافة جديدة تطرح على الشباب أسس القضية الفلسطينية وعلاقتها بالقضية العربية. ويقول الحسن: “إن قطاع الشباب، الذي لا يسمع في السنوات الأخيرة إلا عن اتفاق أوسلو وفشل المفاوضات وصراع “فتح” و”حماس”، هو شباب مسّيس وفي الوقت نفسه ليس منضوياً تحت لواء أي طرف”.

هكذا يتصدى الجيل القيادي الأكثر شباباً من جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي في الشعب الفلسطيني، بغالبيته الساحقة من المستقلين الملتزمين بثوابت قضيته غير القابلة للتصرف، لإحياء القضية واستعادة مركزيتها في الحياة العربية وتحفيز مقاومتها للاحتلال “الإسرائيلي” حتى زواله.
"الخليج"

التعليقات