31/10/2010 - 11:02

من حصار غزة إلى تطويق أوباما../ د.عصام نعمان*

من حصار غزة إلى تطويق أوباما../ د.عصام نعمان*
لم يخفِ باراك أوباما قلقه من نتائج الانتخابات “الإسرائيلية”. لعله شعر بأن جمهور الناخبين الصهاينة من أهل اليمين كالوا له صفعة على خده الأيسر. لم يتأخر في الاتصال بالثعلب العتيق شيمون بيريز ليستوضحه سبب النتائج المقلقة والمخرج من تداعياتها المنتظرة.

لم يبخل الصهيوني العتيق على الرئيس الجديد بتوضيح “قانوني”. قال له إن قانون الانتخابات الذي يعتمد التمثيل النسبي أدى إلى هذه النتائج المقلقة. لا سبب سياسياً وراء ما حدث. القانون هو المسؤول!

عاد أوباما الى استيضاح بيريز حول عملية تأليف الحكومة الجديدة. الإذاعة “الإسرائيلية”، التي نقلت خبر الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، لم تكشف جواب بيريز عن سؤال أوباما. اكتفت بالقول إن الرئيس الأمريكي “أبدى دهشته من النظام السياسي المعقد في “إسرائيل”، نظام اللوائح النسبية وعن اقتناعه بأن بيريز سيعرف كيف يتخذ القرار الصحيح”.

القرار، سواء كان صحيحاً أم خاطئاً، ليس عند بيريز. مهمة رئيس “إسرائيل” ليست صنع القرار بل تظهيره. توازن القوى السياسية داخل الكنيست (البرلمان) هو الذي يصنع القرار بحيث يصبح زعيم القوى المؤتلفة، أي زعيم الأكثرية، رئيس حكومة الكيان الصهيوني.

عملية التوصل إلى إقامة ائتلاف بين القوى السياسية المتصارعة سهلة وصعبة في آن. هي سهلة من حيث إن القوى الأربع الكبرى من حيث عدد المقاعد - “كاديما”، “ليكود”، “إسرائيل بيتنا” و”العمل” - أضحت جميعها في خط اليمين مع تفاوت، بطبيعة الحال، في درجة التطرف. لكنها صعبة من حيث تقاسم السلطة، لاسيما لجهة رئاسة الحكومة، بين القوى المؤتلفة. معادلة تقاسم السلطة مهمة من حيث انعكاسها على مسألة السياسة التي ستعتمدها الحكومة الائتلافية إزاء ما يسمى العملية السياسية، وما يمكن أن تنطوي عليه من مواقف حيال إدارة أوباما وسياستها في المنطقة.

إذا كان بيريز قد عزا نتائج الانتخابات المقلقة إلى قانون التمثيل النسبي، فإن أوباما يعرف، دونما شك، أن المسألة أبعد من ذلك بالتأكيد. ثمة سبب سياسي لجنوح الرأي العام “الإسرائيلي” نحو اليمين المتطرف وأن لإدارة سلفه جورج بوش دوراً أساسياً في ما جرى طيلة سنوات ولايته الثماني.

في هذا المنظور، يدرك أوباما أيضاً أن الجمهور “الإسرائيلي” الناخب قد صوت ضده، أو بالأحرى ضد سياسته المرتقبة في المنطقة. فهو دعا إلى وقف إطلاق النار “الإسرائيلية” في أثناء الحرب على غزة مقابل وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية، كما دعا إلى معاودة المفاوضات لتحقيق حل الدولتين: دولة للفلسطينيين بجانب “إسرائيل”.

الواقع أن جميع الأحزاب الصهيونية باتت معارضة لحل الدولتين. بعضهم يعارضها علناً، كزعيم حزب ليكود بنيامين نتنياهو، وبعضهم الآخر ضمناً كزعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني. أما زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان فإنه لا يرفض حل الدولتين فحسب بل يدعو أيضاً إلى ترحيل فلسطينيي 1948 إلى خارج الكيان الصهيوني.

هذه المواقف المتطرفة تنسحب سلباً للتأكيد على ما يسمى “المبادرة العربية للسلام”، ومؤدى ذلك كله نزوع الصهاينة إلى اتخاذ موقف علني أو ضمني مفاده أن لا وجود لشريك فلسطيني ولا عربي لتفاوضه “إسرائيل”. باختصار، الوداع لعملية السلام.

لمواجهة حملة الإدانة التي ستنطلق ضد “إسرائيل” بسبب إحباطها عملية السلام، ستلجأ حكومة الكيان الصهيوني القادمة، غالباً، إلى إطلاق سلسلة مزاعم وذرائع وشروط لتبرير عدم تحريك المفاوضات وبالتالي رفض حل الدولتين. ستقول للعالم إنها لن تفاوض الفلسطينيين قبل إنهاء سيطرة “حماس” على قطاع غزة، ونشر قوة دولية لضمان وقف إطلاق الصواريخ على مستعمراتها في الجوار، وقيام نظام دولي أو إقليمي لمنع “تهريب” السلاح إلى غزة، وما إلى ذلك من الذرائع والشروط الكفيلة بعرقلة عملية التفاوض مع الفلسطينيين والعرب.

بعبارة أخرى، “إسرائيل” ستمدد حصارها لغزة بمجموعة من الذرائع تشكّل بدورها تطويقاً لما يمكن أن تتقدم به إدارة أوباما من مبادرات ومساعٍ لإعادة تنشيط عملية التفاوض. كل ذلك بقصد استرضاء وتهدئة إدارة أوباما التي يهمها، في إطار تواصلها المرتقب مع إيران وسوريا، إشعار العرب والمسلمين بأنها جادة في إيجاد تسوية عادلة لقضية فلسطين.

من حصار غزة إلى تطويق إدارة أوباما ستنطلق حكومة اليمين الصهيوني في سياسة المزيد من التصلب الهادف إلى إعدام كل فرص التسوية السياسية. وإذا كان الأمر كذلك، فما عساها تفعل دول “الاعتدال” العربية؟

لعل قادة هذه الدول يتذكرون التحذير الذي أطلقه العاهل السعودي في قمة الكويت من أن المبادرة العربية لن تمكث طويلاً على الطاولة. حسناً، إن فوز اليمين في الانتخابات “الإسرائيلية” يجعل المبادرة ذاتها غير ذات موضوع، فماذا يفعل أهل “الاعتدال”؟

الجواب: آن الأوان ليفهم هؤلاء أن مجتمع الدول لا يحترم إلا من له القدرة على النفع والضرر، وأن أمريكا بحاجة إلى العرب، لاسيما إلى سوريا، للخروج من ورطتها في العراق، والى إيران للخروج من ورطتها في أفغانستان، والى تسوية مشكلتها مع برنامج إيران النووي، وأن لا سبيل بالتالي إلى كسر تصلب “إسرائيل” وغطرستها إلا بتحقيق أعلى درجات التضامن العربي في وجهها وهذا يتطلب في البدء، دونما إبطاء، الخطوات الثلاث الآتية:

- الاعتراف بسلطة “حماس” في قطاع غزة، ووقف الانحياز ضدها، والضغط على الرئيس محمود عباس لتسهيل عملية تأليف حكومة وفاق وطني يجري تأليفها على أساس نسبة تمثيل القوى السياسية في المجلس التشريعي الفلسطيني.

- الضغط على أمريكا وأوروبا من أجل تثبيت وقف إطلاق النار ورفع الحصار وفتح المعابر الى غزة وذلك تحت إشراف مراقبين من طرف حكومة الوفاق الوطني العتيدة.

- استنفار تركيا وكل الدول الإسلامية والصديقة لحمل المجتمع الدولي ومجلس الأمن على تأمين الظروف والآليات اللازمة لتمكين حكومة الوفاق الوطني من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

هل ثمة بديل عن خيار التضامن العربي ودعم المقاومة، التي تعرف كيف تنفع وتضرّ، غير خيار السبات وتمديد الإقامة في أوهام الرهان على رئيس أمريكي جديد كل أربع أو ثماني سنوات؟
"الخليج"

التعليقات