15/12/2010 - 09:31

غياب إرادة أم عجز؟! / علي جرادات

-

غياب إرادة أم عجز؟! / علي جرادات
من الأهمية بمكان تجنب الدخول في المدخل الخاطئ، كون التقدم فيه لا يكون إلا تقهقراً، وأظن، وليس كل الظن إثماً، أن هذه حال الدخول في المفاوضات مع الإسرائيليين برعاية أمريكا، ناهيك عن مواصلتها، اعتقاداً بإمكانية حيادية السياسة الأمريكية تجاه الصراع، والرهان على إمكانية ضغطها على إسرائيل، رغم ثبوت إنتهاجها لسياسة "العصا والجزرة"، العصا لإجبار الطرف الفلسطيني، والجزرة لإغراء الطرف الإسرائيلي، الأمر الذي تجلى بوضوح، (ما بعده وضوح)، في قرار إدارة أوباما الكف عن مطالبة إسرائيل بالتجميد الجزئي والمؤقت للأنشطة الإستيطانية، ما يفرض سؤال: هل يمكن أن تكون أمريكا حيادية تجاه القضية الفلسطينية؟!
 
 هذا السؤال أكثر من ضروري في هذه اللحظة السياسية الحاسمة، لأن تفسير القرار الأمريكي الأخير بالعجز، وليس بغياب الإرادة، ينطوي على استمرار الاعتقاد بإمكانية الضغط الأمريكي على إسرائيل، ولو بعد حين، ما يغيّب حقيقة أن أمريكا ليست حيادية في الصراع، كما برهنت حصيلة رعايتها للمفاوضات منذ عشرين عاماً، تأكد خلالها أن هنالك تطابقا إستراتيجيا بين السياستين الأمريكية والإسرائيلية، رغم ما بينهما من تباينات تكتيكية، تدور حول اختيار التكتيك الأنسب لمصلحة إسرائيل من جهة، ومصالحها المشتركة مع أمريكا من جهة ثانية، وهي تباينات لا يُراهن عليها، وربما لا مبالغة في القول: إنها لا تتجاوز في سقفها سقف التباينات القائمة بين الأحزاب الإسرائيلية المختلفة، كما بين حزبي "الليكود" و"العمل" مثلاً.      
 
 أما تضخيم التباين التكتيكي بين السياستين الأمريكية والإسرائيلية، فلم يكن سوى حيلة لإستدراج الفلسطينيين، والعرب من خلفهم، إلى طريق الإعتقاد بإمكانية الضغط الأمريكي على إسرائيل، كطريق دائري بلا نهاية، لن يجني السير فيها غير العبث والمراوحة في المكان، وإعاقة البحث في البدائل، وفي أقله عرقلة هذا البحث وتشويشه. وإلا ما معنى رفض إدارة أوباما دعوة الفلسطينيين الى إشراك باقي أطراف "اللجنة الرباعية" في رعاية المفاوضات، بل ورفْضُ مجرد دعوة أطراف هذه اللجنة الى اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، لمناقشه مترتبات الصلف الإسرائيلي، وغياب الإرادة الأمريكية لمواجهته والضغط عليه؟؟! وما معنى إدانة إدارة أوباما لإعلان البرازيل والأرجنتين والارغواي الإعتراف بالدولة الفلسطينية؟؟!! وما معنى إعلان إدارة أوباما الصريح بالوقوف للفلسطينيين بالمرصاد في حال قرروا طرح ملف قضيتهم على مؤسسات هيئة الأمم المتحدة، ومطالبتها بالعمل على إلزام قادة إسرائيل بتفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع؟! وما معنى تهديد إدارة أوباما الصريح للفلسطينيين إن هم أقدموا على خطوات من طرف واحد تتجاوز سقف التعاقد السياسي مع الإسرائيليين تحت الرعاية الأمريكية؟! وما معنى..... من مؤشرات الإصرار الأمريكي على الاستقراد برعاية الملف الفلسطيني، ومواصلة حشره في طريق دائري بلا نهاية، لن تفضي إلى نتيجة، رغم تزيين بواباتها بورود بلاستيكية لا رائحة فعلية لها، إسمها "تأييد إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، الى جانب دولة إسرائيل"، فيما يثبت القرار الأمريكي الأخير حول الأنشطة الاستيطانية، دعْم إدارة أوباما رسمياً وعلنا، لما يجري من تهويد وإستيطان وتمزيق، أي دعم الإستيلاء على الأرض وزرعها بالمستوطنات التي باتت تبتلع مساحة 6% من الضفة الغربية، فضلاً عما قضمته الشوارع الالتفافية وجدار الفصل العنصري، ناهيكم عن ضم القدس الشرقية، وتسويرها بأسيجة استيطانية ناهز عدد سكانها 200 ألف، فيما أدى الجدار التوسعي غربي الضفة ومصادرة الأغوارشرقها، الى تجزئة الضفة  إلى أربعة معازل جائعة، تتشظى معها السوق الفلسطينية، ويصبح كل معزل مرتبط بتجارته وخدماته بالسوق الإسرائيلية أولا، هذا دون نسيان سلخ القدس عن الضفة، ومحاولة تأبيد فصل الأخيرة عن غزة.        
 
بلى، لم يكن الفلسطينيون، ومن خلفهم الرسمي العربي، ليدخلوا في المدخل الخاطئ، أو يواصلوا السير في الطريق الدائري، مع كل ما أفضيا اليه من تقهقر ومراوحة، لو أنهم أيقنوا بأن التباينات بين السياستين الأمريكية والإسرائيلية ما هي إلا إختلافات تكتيكية في الإجتهاد، يحكمها تطابق إستراتيجي، انفضح مرة أخرى، إنما بسفور أكثر، في توقف إدارة أوباما عن مطالبة حكومة نتنياهو بتجديد التجميد المؤقت والجزئي للأنشطة الإستيطانية، مقابل عرض سخي من رصيد الحقوق الفلسطينية.
 
واليوم، وبعد حصيلة عشرين عاماً من افتضاح السياسة الأمريكية وتواطئها مع صلف أكثر القيادات الإسرائيلية تطرفاً، الافتضاح والتواطؤ اللذان تكللا بالموقف الأخير لإدارة أوباما، رغم كل ما أظهرته من اعتدال شكلي في بداية عهدها، نقول بعد كل هذا، حري السؤال: هل كان قرار إدارة أوباما الأخير، ناتج عجز أمام إسرائيل، أم ناتج غياب إرادة للضغط عليها؟؟!!
  
 أعتقد أن إدارة أوباما لم تطلب من إسرائيل تجميد الأنشطة الإستيطانية، بل تمنت عليها ذلك، لأن الطلب، (كما هو في علم الإقتصاد)، يقتضي الإستعداد لدفع الثمن. وأمريكا، (عبر إداراتها المختلفة)، لم تكن يوما على استعداد لدفع ثمن إغضاب إسرائيل، الذي يفضي إلى إغضاب "اللوبي" اليهودي الأمريكي، ولو جزئيا. وعليه، أرى أن القرار الأمريكي الأخير هو محصلة غياب إرادة، وليس عجزاً.
  
 بعد كل هذا، هل تبقى هنالك من وجاهة للإعتقاد بإمكانية حيادية أمريكا تجاه القضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي عموماً؟؟؟
  
هذا هو السؤال المفصلي الذي أثار، وما زال يثير، جدلاً رافق، ولا يزال، مسيرة عشرين عاماً من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية أمريكية، وكان يجب حسمه لصالح القول بعدم حيادية أمريكا، كما هي حقيقتها، أما وقد جرى ما جرى على مدار عشرين عاما، ومن قبيل أن يأتي متأخراً، خير من أن لا يأتي أبداً، فإن هنالك حاجة لحسمه بالسرعة الممكنة فلسطينياً، بهدف وضع العرب رسميا وشعبيا أمام مسؤولياتهم القومية تجاه "قضيتهم الأولى"، بما يسهم في دفع المجتمع الدولي للقيام بدوره تجاه الصلف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي له، ذلك إن شاء الفلسطينيون تجنب الإنهاك السياسي على طريق الانتحار السياسي، عبر مواصلة السير في طريق دائري بلا نهاية، اسمه إمكانية حيادية أمريكا تجاه القضية الفلسطينية.

التعليقات