29/12/2010 - 10:45

جردة حساب مُحزنة../ رشاد أبوشاور

-

جردة حساب مُحزنة../ رشاد أبوشاور
بعد ساعات محدودة يمضي عام 2010 تاركا الحسرات والأسى في النفوس على أحوالنا.
والساعات القليلة المتبقية ربما تحمل لنا أنباءً عن عدد جديد من الشهداء الذين ستتصيدهم صواريخ الاحتلال، وتضيفهم إلى من فقدناهم منذ بدأ هذا العام الذي لم نتفاءل به، بحيث إننا وكما لا نتفق على رقم الأسرى في سجون الاحتلال لأنهم يزدادون يوميّا، فإننا لا نتوقف عند عدد الشهداء لأن العدد غير نهائي.
 
نبدأ بجردة الحساب فندوّن: ما زال الانقسام بين سلطتي رام الله وغزّة على حاله، بل ويزداد صراعهما احتداما، فأجهزة أمن رام الله منهمكة في ملاحقة أعضاء حماس، وبشراسة ليست أقّل من مطاردتها لأعضاء الجهاد الإسلامي!
 
وجهاز أمن حماس يطارد الفتحاويين، ومطلقي الصواريخ على مستوطنات العدو، لأن حماس تجنح للتهدئة.. بشرط: أن يجنح لها الاحتلال، وكأن الأمر يتعلّق باشتباكات حدودية بين دولتين!
 
لسنا متفائلين بتحقيق المصالحة بين الطرفين في العام 2011، فهما لن يتصالحا، لأن الشقّة بينهما تتسع، وكل طرف يدير ظهره للطرف الآخر، ويضمر له شرّا، فأحدهما يراهن على انهيار سلطة حماس في غزّة، والآخر يراهن على انهيار السلطة في رام الله، مؤملاً أن لا يبقى في الساحة سواه، فيصبح مطلوبا عندئذ!
 
هذا الرهان المتبادل يتّم في غياب الشعب الفلسطيني، وعجز فصائله، من توصف بأنها فصائل منظمة التحرير الفلسطينيّة، أو فصائل الممانعة والمقاومة مع وقف التنفيذ!
 
القضية الفلسطينية ستدخل العام 2011 ومن يفترض أنهم يمثلونها منقسمون، وشعبنا متوّه بسبب المنقسمين المتصارعين الذين يكيدون ببعضهم، وعمليّا بالقضية.
 
العام 2011 يضمر لغزّة أيام شؤم، ودم، وموت، وهذه ليست نبوءتي، فأنا لست عرّافا، ولكنني أرى النُذر، وأتابع تساقط الشهداء، واسمع وعيد قادة الكيان الصهيوني.
 
المحتلون الصهاينة مرتاحون للانقسام، للتآكل الفلسطيني، لتشوّه صورة الشعب الفلسطيني بجريرة الفصيلين المتصارعين المتحاربين، وهم يلعبون على الصراع، ويستثمرون جيدا حالة الضعف، والخوف المتبادل بين السلطتين البائستين، ويواصلون الاستيطان بشراهة واستهتار، وهو ما لم يكن ممكنا قبل أوسلو والسلطة!
 
 تعالوا نتأمل واقع الحال، وما جرى في العام 2010: سلطة رام الله خابت آمالها في إدارة أوباما كلينتون، لا لعجزها، ولكن لأنها أسوة بكل من سبقها منحازة للكيان الصهيوني، والمشروع الصهيوني، مع اختلافات طفيفة بين إدارة وأخرى ألعن منها!
 
سلطة غزّة محاصرة، والشعب هناك محاصر معها، وهو الذي يعاني رغم أنفه، فهو محتجز تحت قبضة سلطة الحكومة المقالة التي لا تقاوم، بل تعمل على التهدئة، وتقمع مطلقي الصواريخ، وتطارد كل من ينتقد، وتشغل نفسها بما ترتديه النساء، والمانيكانات في واجهات المحّال، وبالأمكنة التي يتنفّس فيها مواطنو غزّة على البحر، فشمّة الهواء حرام ورجس من عمل الشيطان!
 
سلطة رام الله لم تبدّل خيارها رغم كل ما جرّته مسيرتها الأوسلوية على قضيتنا، وتحديدا أرضنا التي هي جوهر الصراع، ورغم خذلانها من إدارة أوباما، ورفع يدها عن موضوع الاستيطان، وادعاء العجز عن التأثير على حكومة نتينياهو، ودعوة الطرفين للتفاوض المتوازي، وحدهما وبدون مرجعية، مع تحذير سلطة رام الله بأن لا تتوجه للجمعية العمومية للأمم المتحدة، لأن الفيتو الأمريكي الذي يشهر دائما إنقاذا للكيان الصهيوني سيكون جاهزا لرفعه في وجه أي قرار لا يعجب نتينياهو وحكومته...
 
 بدلاً من توحيد الجهود لمواجهة حرب جديدة ستشّن على غزّة، وخروجا من مأزق الرهان على الإدارة الأمريكية، والرباعية، والجامعة العربيّة البائسة، ولجنة المتابعة... فإن حملة الاعتقالات التي تشنها أجهزة سلطة رام الله تتصاعد وتزداد ضراوة، في حين تلتف سلطة حماس على خيار المقاومة بإعلان قبولها لنتائج أي استفتاء شعبي فلسطيني على اتفاق سلام مع الكيان الصهيوني- كما جاء في خطاب إسماعيل هنيّه يوم 1 كانون أوّل 2010- وتواصل رهانها على انهيار سلطة رام الله لتكون البديل الوحيد، وهذا ما أفصح عنه أحد قادة حماس، ونشره موقع المستقبل قبل أيّام من أفول العام 2010 !
 
كتبت سابقا، وأعيد: السلطتان ليستا مع المقاومة، فإذا كانت سلطة رام الله لا خيار لها سوى التفاوض، وتضخيم أمر اعترافات بعض الدول الأمريكية اللاتينيّة وغيرها بدولة فلسطينيّة في حدود ال67، فإن سلطة غزة تعلن قبولها بدولة في حدود ال67، وتعمل علنا وسرّا على القبول بها أوربيّا وأمريكيّا، فهي مع ( هدنة) طويلة، وهي مع وقف متبادل لإطلاق النار، وهي تلجم أي طرف يحاول إطلاق الصورايخ المتواضعة التي يريد مطلقوها أن يعلنوا عن خيارهم للمقاومة، وهو الخيار الذي يختلفون به مع سلطتي غزّة ورام الله!
 
جردة الحساب مع نهاية العام 2010 هي خسارات تامة لقضيتنا، وشعبنا، وسبب الخسائر هو ذاتي، يتحمّل المسؤولية عنه طرفان يطرحان سياسيا نفس الطرح، ويختلفان على التفاصيل، بخلفية باتت مفضوحة: صراع على السلطة، وليس بين نهجين: مقاوم يخوض معركة تحرير فلسطين حتى النهاية، ومساوم خياره التفاوض رغم كل ما جرّه من خسائر!
 
لو أن هذين الطرفين يريدان لقضيتنا أن تخرج من المأزق، لبادرت سلطة رام الله لإعلان فشل مسيرة أوسلو، وتحمّل رموزها مسؤولية ضياع الأرض، والقدس، وتغوّل الاستيطان، وفشل الرهان على أمريكا، والرباعية، وإدارة الظهر للشعب وخيار المقاومة، وانعدام أي إمكانية لدولة فلسطينيّة ( قابلة للحياة).. والعودة للشعب، والاتفاق على برنامج وطني حقيق، لو.. ولكن هذا لن يكون ففاقد الشيء لا يعطيه!
 
ولو أرادت حماس أن تخرج قضيتنا من المأزق، لأعلنت خطأها في الدخول في انتخابات التشريعي، والصراع على السلطة، ولبدأت في تشكيل قيادة وطنية في قطاع غزة، وأنهت الحكومة المؤقتة، ولعادت لبرنامج المقاومة والتحرير لفلسطين كاملةً.. ولكنها حتى اللحظة تراهن على قبولها أمريكيا وأوربيا، وأن يفّك عنها الحصار لحسن أخلاقها في ضبط الأمور، وبخاصة منع إطلاق الصورايخ من القطاع، والرضى بدولة في حدود ال67!
 
ندخل العام 2011 ومأزقنا الفلسطيني يتفاقم، فالبديل عن هذين الفريقين، البديل المُنقذ، البديل الذي يضع أمام شعبنا نهجا يستند إلى تراثنا في المقاومة، وإلى وحدة وطنية حقيقية، وبرنامج وطني لا يساوم..غائب حتى اللحظة!
 
جردة حسابنا محزنة، فمن سيخرج شعبنا وقضيتنا مما يخبئه 2011 من مصائب جديدة؟!

التعليقات