20/01/2011 - 10:10

الحرق.. الحرق../ ظافر الخطيب

-

الحرق.. الحرق../ ظافر الخطيب
ظاهرة الحرق في وطننا العربي هي ظاهرة جديدة و تستحق الإهتمام، لنبني على الشيء مقتضاه، ومن السذاجة بمحل اعتباره هذا الاتفاق بين الإنسان المكتوي على نار الحريق من البوعزيزي في تونس الى محمد عاشور في مصر الى محسن بوطرفيف في الجزائر هو مجرد اتفاق عرضي ولا يشير الى اتفاق المنطلق نحو ممارسة عملية الحرق كفعل احتجاجي في المضمون، وإن أتخذ شكل الانتحار المرفوض من البيئة الاجتماعية المؤسسة على أرضيات دينية في كل المجتمعات التي ينتمي إليها هؤلاء المحترقين عمدا وعن سابق تصميم وتصور.
 
ومن الغباء بمحل الاكتفاء باعتبار ذلك عملا لاعقلانيا ينطلق فقط من أن هذا الاختيار (إحراق الذات) كان عملاً عصبياً و ينطلق من فكرة اليأس، نقطة وينتهي الموضوع، إذ أن اختيار تحقيق الأذى والألم الفظيع في الجسد حتى الموت والانتحار هو اختيار صعب وقاس، ويتطلب اتخاذ قرار حاسم ونهائي، وليس من السهل على أي انسان أن يتخذ قراراً بمثله قسوة وصعوبة وفظاعة. أن تعيش الألم الشديد وأن تتجه باتجاه الموت مختاراً بين مزدوجين.
 
هذه المرة ليست القاعدة هي المخطط والموجه والمنفذ، ولا كل المجموعات الدينية، لهذا لم نجد أي شخص يوجه اصبع الإتهام بتهمة الإرهاب نحو المحترقين، وهي أيضاً ليست من نتاج اليسار الذابل المنتهي عند أعتاب الرتابة والمجون القصور الرئاسية، فلا يستطيع أحدٌ أن يدعي أبوته، فيحتضن فعل الاحتراق وعمليات شي اللحم الآدمي، مع أن الفقر والقهر والجوع، هي وحدها التي حتمت نزوع الفرد في الجزائر ومصر وتونس هذا الاتجاه المؤلم، وربما تكر سبحة الاحتراق لتطل خارطة العالم العربي، وربما تكون أكثر تعبيراً حين تمارس فعلها واختيارها في معاقلنا المقدسة.
 
إنها عقيدة الفرد الجديدة، لا تنتمي إلى المنطلقات الدينية ولا إلى الأيديولوجيات القديمة، إنها الاستجابة الأولية التي تؤذن بأن مستوى الانحدار قد وصل إلى القاع السحيقة، حين يشعر المرء بأنه لا شيء، فالإنسان بلا قيمة هو معادل الصفر واللاشيء، وعليه فإن فعل الفرد المحترق هو إمعان فرديٌ في المقاومة، وهو تعبير آخر عن أن الإنسان العربي قد وصل بقرفه من ممارسات النظام القمعية، ومن جمل التغيير الثورية حد الكفر بعد أن صمّ آذانه عقودا من الزمن، وعليه فإن عقيدة الفرد التي تحولت إلى بديل في ظل الغياب الدائم لأولياء الفقر والجوع والقهر، تحولت إلى بديل ثوري تغييري يتبنى مقولة: إما التغيير وإما الاحتراق.
 
التغيير المطلوب هو ممارسة، وليس جملا خادعة براقة جاذبة يمارسها الكلّ وبلا مضمون حقيقي، وأول غيث الاحتراق يكون بقراءة حقيقية وصادقة وجيدة، لواقع الحال القائم، والتي تشير الى أن مجمل ممارسات السياسات الأمريكية القائمة على قاعدة المنفعة الأمريكية، وخداع الغرب الإنساني الديمقراطي مع كل نماذج وحشيته، مضافا إليها الظلم التاريخي، والقهر التاريخي الذي ترمز إليه فلسطين، تاريخاً وذاكرةً وشعباً وهوية، وممارسات النظام العربي اللصوصية، واستبداد السوق والشركات العملاقة العابرة للحدود، إنما تنتهي عند فرض الانحدار والمزيد من الانحدار على الإنسان العربي، المهمش والمستغل والعاري من كل شيء حتى من قيمه الأصيلة.
 
هذا الانحدار له نهاية، قاع ٌ سحيقة شبيهةً بهولات جنهم المتخيلة، قاعٌ سحيقة وصدىً عظيم، وارتدادات زلزالية كمثل تسونامي، تشي بأن هذا القهر التراكمي له انعكاساته، فإن كان واقع اليأس والإحباط والاستسلام غاية محققة، وظاهرة شاملة، فإن الانتفاض حتى وإن كان منطلقاً من عقيدة انتحارية، تتحول شاملة كما في تونس، وهي أيضاً فرصة متوفرة يمكن البناء عليها، حتى ولو من خلال مقولة (إما التغيير او الإحتراق).

التعليقات