17/02/2011 - 10:59

مصر: الجمهورية الثالثة../ رشاد أبوشاور

في الجمهورية الثالثة سينتهي زمن99% من الأوراق في يد أمريكا، فالأوراق بنسبة 100% ستكون في يد شعب مصر العظيم

مصر: الجمهورية الثالثة../ رشاد أبوشاور
بشائر انتصار ثورة شعب مصر بدأت تلوح أمام عيوننا، والشعب الصاحي اليقظ لم يركن إلى الدعة والراحة، بل أعلن استنفاره حتى يكتمل الانتصار، وتنتقل مصر إلى زمن الجمهورية الثالثة.
 
ولأن هناك من يُسرّب مصطلح الجمهورية الثانية عن خبث، وتصفية لحسابات قديمة، وخلطا مقصودا، فلا بدّ أن نضع النقاط على الحروف، مستفيدين من وعي شعب مصر، وحيويته العقلية والنفسية، ومراقبته اليقظة لكل ما يجري حول ثورته إعجابا وانحيازا من الشعوب العربية الشقيقة والصديقة، وتآمرا من أعداء مصر: أمريكا، الكيان الصهيوني، نظم الحكم الرجعية العربيّة حليفة نظام مبارك الدكتاتور المخلوع.
 
الجمهورية الأولى كانت تلك التي أسسها الضبّاط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، حين انتقلوا بالحدث الانقلابي إلى ثورة وطنية تحررية من الاستعمار البريطاني الذي كان يجثم على أرض مصر وصدر شعبها، وثورة اجتماعية انتزعت الأرض من الإقطاع وأعادتها لأصحابها الحقيقيين المحرومين، وبنت ألوف المصانع فأوجدت طبقة عاملة حقيقية ترتبط بالمصانع والآلات، أنتجت صناعات وطنية أسهمت في ازدهار الاقتصاد الوطني الذي بلغ نموه في السنوات الأولى أكثر من 6%، وهو ما تفوّق آنذاك على النمو الاقتصادي لدول صناعية عريقة!
 
الجمهورية الأولى بقيادة جمال عبد الناصر بوّأت مصر موقع القيادة للأمة العربية، ولأفريقيا، وموقعا بارزا على المستوى العالمي في حركة عدم الانحياز، ناهيك عن دورها كمنارة لثورات العالم الثالث، وجاهزيتها في كل وقت للوقوف مع تلك الثورات عربية وأفريقيّة: ثورة الجزائر، ثورة 18 تموز في العراق، ثورة شعب لبنان ضد التدخل الأمريكي عام 58، ثورة الكونغو...
كانت الجمهورية الأولى تبني داخليا، وتنشط في فضائها المحلي العربي، والأفريقي و..عالميا، ولذا باتت مصر منارة، وقائدة، وموئلاً.
 
تعرضت مصر لحرب 56 انتقاما من دورها في دعم ثورة الجزائر، ولتأميمها قناة السويس، ولنهجها التحرري الثوري، ودفعت الثمن عن طيب خاطر، وخرجت مرفوعة الرأس، وازدادت صلابة وقوة، وأسقطت إمبراطوريتين إثر العدوان الثلاثي: بريطانيا وفرنسا.
 
لم تُترك مصر الناصرية، الجمهورية الأولى وشأنها، فأعداؤها، وأعداء الأمة العربية، دبّروا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة التي أخذت موقع بريطانيا في منطقتنا، وتابعها الكيان الصهيوني، حرب حزيران 67، وألحقوا بمصر والعرب هزيمة فادحة.
 
ولكن مصر نهضت وأعادت بناء جيشها، وطهرت صفوفها من الساقطين، والجهلة، والانتهازيين، والخارجين عن نهج ثورة تموز 52، وبنت جيشا خاض حرب الاستنزاف الضارية، وبنى حائط الصواريخ، وأعد الجيش والبلد لحرب آتية تعيد رسم الخارطة من جديد، وتضع الكيان الصهيوني في حجمه الحقيقي كتابع وعميل على طريق الضمور والزوال.
 
عاجل الموت قائد الثورة الرئيس جمال عبد الناصر - وحول رحيله المفاجئ ثمّة إشارات إلى جريمة مدبرة - وجاء بعده نائبه السادات، الذي عمد إلى تصفية كل ما بناه ناصر، وانتقل بمصر من تحدي هيمنة أمريكا إلى التبشير بأن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا!
 
بعد حرب أكتوبر التي باع السادات نتائجها الميدانية لأمريكا ممثلة ( بصديقه) هنري كيسنجر اليهودي الصهيوني زير خارجية أمريكا، زار السادات الكيان الصهيوني، وخطب في الكنيست، وانتقل بمصر إلى دور التابع لأمريكا، والصديق للكيان الصهيوني، والمتآمر على القضايا العربيّة وفي القلب منها قضية فلسطين.
 
من الاقتصاد الاشتراكي، من العدالة الاجتماعية، من التأميم، واستقلالية القرار، والسيادة، انتقل السادات بمصر إلى زمن (الانفتاح)، والاقتصاد الحر.. وبدأت مرحلة تدمير مصر اقتصاديا، وسياسيا، وشاع الفساد، وسياسة النهب، وتكميم الأفواه، والقمع .. حتى بلغ الأمر بالسادات أن يعتقل كل ممثلي مصر، من قادة فكر، ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وأصحاب رأي، ودوّى شعاره العجيب المضحك المبكي: حافرمهم!
 
وقصاصا منه على كل ما اقترفه قُتل رميا برصاص أبطال الجيش المصري، جيش العبور، في استعراض 6 أكتوبر81، ليخلفه نائبه حسني مبارك.
 
بدأت الجمهورية الثانية بالسادات الذي انقلب على كل منجزات الجمهورية الأولى، وتواصل خراب هذه الجمهورية بمبارك ونظام حكمه الذي أنهك مصر داخليا، وزادها فقرا وبطالةً، وصفّى القطاع العام، فباع المصانع بحوالي 32 مليار دولار، وهي بتقدير خبراء الاقتصاد المصريين تساوي أكثر من 327 مليار دولار!
 
الجمهورية الثانية الساداتية المباركية قزمت دور مصر عربيا وأفريقيا وعالميا، فتحولت إلى جمهورية خوف وفساد أكثر من جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينيّة، تحت نظام حكم استبدادي أغلق أبواب الأمل في وجه الأجيال الطالعة، وخاصة أجيال الشباب المتعلّم.
 
لم يكتف وريث السادات مبارك بأنه حوّل الجمهورية إلى حكم دائم لشخصه، بل أخذ يعد ابنه جمال ليكون الوريث، بعد أن كرسه في ما يسمى بالحزب الوطني وليا للعهد!
 
أهان مبارك مصر، واستهتر بشعبها العريق، وحولها إلى ( عزبة) كما يقول أهلنا في مصر، فاحتقنت أجواء البلد، فالحياة خانقة، وآفاق التغيير مسدودة، فالأحزاب ضعيفة، محاصرة، مخترقة، وبعضها مستتبع، وبعضها إن عارض يفجّر من داخله، ومن يرفض الانصياع يسجن وتدمر حياته الشخصية.
 
ما العمل؟
هذا السؤال طرحه ألوف الشباب المصري، الشباب المتعلّم، المثقف، العارف بما يجري.. على أنفسهم.
 
عدم وجود حزب، أو أحزاب وقوى تقود عملية التغيير، دفع ألوف الشباب للوقوف أمام الواقع الرهيب، والبحث عن مخرج ينفذون منه إلى المستقبل: إلى الحرية، والعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وإنهاء الفساد، وإنهاء حكم الطوارئ المسلط على رقاب المصريين.
 
استعان شباب مصر بالتكنولوجيا، وتواصلوا بها، وعبرها، فنظموا أنفسهم بعد أن حددوا أهدافهم على ضوء واقع مصر الرهيب، واقع الفساد المستشري والظلم والاستبداد.
منذ البداية قدموا شهيدا مفتتحين مسيرتهم بدمهم، وكان دم خالد سعيد هو النداء لشباب مصر الذين نزلوا إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير.
شباب لا مستقبل له في وطنه الذي آل إلى ( خرابة)، وشعب مكسور مستضعف منهك في السعي وراء رغيف العيش، ومؤسسات مزورة تغطي النهب والفساد...
 
وهنا لا يغيب عن نظرنا تفجّر ثورة شعب تونس التي شجّعت شباب مصر وألهمتهم، وهذا طبيعي فالشعبان ينتميان لأمة واحدة، والأمراض في كل بلاد العرب واحدة.
 
أشعل الشباب الثورة في ميدان التحرير، فانضمت إليهم قطاعات واسعة من الشعب المصري، وبدأت الاشتباكات مع قوات الأمن، والأجهزة، والبلطجية، وافتضح أمر نظام مبارك – العدلي، ورجال الأعمال اللصوص، حين سحبت قوات الأمن من الشوارع، ودفع بالبلطجية لتعم الفوضى، فصمد الشباب والشعب، وامتدت نار الثورة إلى كل مدن مصر، وأبدع الشباب الثائر والشعب في حماية حاراته، وشوارعه، وكنوزه التاريخية، وممتلكاته، وتألقت الأخلاق الجمعية الثاوية في عمق النفس المصرية.
 
اقترف النظام أحّط الممارسات وأحقرها تجاه الثوّار، وشاهد العالم على فضائية الجزيرة وغيرها، في ميدان التحرير، واقعة الحمير والخيول والجمال، وجرائم القناصة والبلطجية.. وانتصر الشباب وشعبهم الملتف حولهم، وبدأ ( النظام) يتداعى.
 
أمام إرادة شعب مصر عين مبارك نائبا له أكثر سوءا منه، ولكن شعب مصر رفض الرئيس ونائبه، وازداد تكالب مبارك على التشبث بالسلطة فكانت الجمعة الحاسمة التي دفعت الجيش للطلب من مبارك أن يتنحى.. فتنحّى بلسان نائبه.
 
 جمهورية السادات مبارك الثانية انتهت، ومصر بدأت تنتقل إلى الجمهورية الثالثة التي ستعيد لمصر كل ما سرق منها: الدور، الثروات، الاستقلالية.
في الجمهورية الثالثة سينتهي زمن99% من الأوراق في يد أمريكا، فالأوراق بنسبة 100% ستكون في يد شعب مصر العظيم.

التعليقات