28/04/2011 - 10:25

سوريون يهاجمون حزب الله../ عبد الستار قاسم

هناك من يقول إن حزب الله يقف الآن بقوة مع النظام، وتحاول وسائل إعلامه أن تصور الحركة الشعبية السورية على أنها حركة عملاء ومندسين. هذا مأخذ صحيح، ومن المطلوب أن يصحح حزب الله تغطيته للأحداث في سوريا لكي يميز بين حركة الشعب السوري، وحركة مأجورين يحصلون على أموال من الخارج

سوريون يهاجمون حزب الله../ عبد الستار قاسم
تصلني رسائل عبر الشبكة الإلكترونية من سوريين يهاجمون حزب الله ويعتبرونه حزبا شيطانيا أمريكيا إسرائيليا، وهم يتوعدون الحزب في حال نجاح الحركة الشعبية السورية. حتى أن أحد الكتاب يسمي حزب الله بحزب اللات، والسيد حسن نصر الله بنصر اللات، هذا فضلا عن قوائم مسماة بأعداء سوريا والتي يأتي على رأسها اسم السيد حسن.
 
لا شك أن الشعوب العربية تتوق إلى الحرية، وعلى الأنظمة العربية بمن فيها النظام السوري أن يقوم بإصلاحات واسعة وجذرية وبنيوية وتركيبية وشكلية على كافة المستويات. لكن من المطلوب أيضا من النظام أن يستمر في صموده بمواجهة التحديات الخارجية، وأن يعيد ترتيب أوضاعه العسكرية والأمنية لكي تكون سوريا قادرة على مواجهة إسرائيل وتحرير الأرض المحتلة.
 
هناك مطلب رئيسي واضح للمظاهرات في سوريا وهو الحرية، لكن من المتوقع أن يكون هناك مطلب آخر وهو التحرير. صحيح أن الحرية الداخلية عبارة عن مقدمة للتحرر من القهر الخارجي، لكن التغاضي عن شعار التحرير في المسيرات الشعبية يسيء كثيرا للحركة الشعبية السورية. وشعار التحرير من شأنه أن يُنصف الذين صمدوا عبر السنوات، وأن يشد على أيدي المقاومة سواء كانت اللبنانية أو الفلسطينية. ومن شأنه أن يؤكد على أن كل أرض الشام هي أرض رباط، وهي أرض واحدة وشعبها شعب واحد، وأن يلطف الأجواء في الداخل السوري بطريقة يسهل عملية التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي، الخ.
 
شعب سوريا الصغرى شعب عظيم، ولا يمكن إلا أن يبقى عظيما، وسيبقى مدافعا عن قضاياه الوطنية، وعن قضايا الأمة العربية. إنه شعب قدم التضحيات الجسام تاريخيا من أجل عزة الأمة وكرامتها، وهو لن يتنكر لتاريخه، ولن يسمح لأحد أن يتجاوز الحركة الشعبية السورية ليحرفها عن مسارها الوطني. وواضح أن هناك من الداخل السوري شخصيات مرتبطة بأمريكا، ومنها مرتبط بإسرائيل تحاول جعل الحركة الشعبية حركة ضد الوطن، وهناك فئات لبنانية وأردنية وفلسطينية تستغل الوضع من أجل تخريب سوريا والتأثير على قدرتها على الصمود في وجه الضغوط الإسرائيلية والأمريكية. أما التمويل والتشجيع والتحريض فيأتي بوضوح من أمريكا والسعودية ودول عربية وأوروبية أخرى.
 
نحن لا نريد تكرار المأساة الليبية التي سمحت للتدخل الأجنبي، وهو التدخل المعادي الذي يحاول جعل ليبيا مطية للدول الغربية. نحن مع التغيير، مع حرية المواطن العربي، لكن من واجب كل الوطنيين العرب من حركات وطنية وإسلامية أن يغلقوا كل الأبواب أمام التدخل الأجنبي، وأمام المفسدين العرب الذين يتحالفون مع إسرائيل وأمريكا.
 
 بالعودة إلى حزب الله، ليت هناك من بين الذين يشتمون الحزب من السوريين أن يبينوا لنا كيف ألحق الحزب أضرارا بسوريا والشعب السوري، وكيف تآمر على السوريين وخرّب ديارهم. هل أخذ حزب الله أموال الناس وأقواتهم؟ هل دعم إسرائيل من أجل أن تبقى في الجولان؟ هل قام الحزب بإدارة الشؤون الداخلية في سوريا لكي يتحمل مسؤولية؟ ليت هناك من يخبرنا عما قام به الحزب عبر السنوات للإساءة للشعب السوري.
 
اعتمد حزب الله على سوريا من أجل تسهيل أموره في التدريب والتسهيل، ولم يعتمد عليها في دعم مالي، ولم يكلفها عناء أو مجهودا. وقد قدمت سوريا، كل سوريا خدمات نُزُلية (لوجستية) كبيرة ووفيرة للحزب، وقدمت صواريخ من صناعتها هي ودون أن يكلفها ماديا، لكن الحزب بقي بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ولم يستنزف قرشا واحدا من الميزانية السورية. وتوجه حزب الله نحو العون السوري وارد في كل الأحوال وبغض النظر عن النظام الذي يحكم.
 
هل كان المطلوب من الحزب ألا يقاوم إسرائيل، وأن يترك لبنان مستمرا في اتفاقية 17/أيار؟ وهل كان المطلوب إبقاء جنوب لبنان تحت الاحتلال الإسرائيلي؟ أم كان المطلوب منه توطين الفلسطينيين في لبنان لكي ترضى إسرائيل؟ أم كان المطلوب منه أن يُهزم أمام إسرائيل؟ فهل هزيمته أمام إسرائيل كان من الممكن أن ترضي عرب الردة والخيانة؟ ربما هناك من هو غاضب على حزب الله بسبب علاقته مع إيران وتسلحه من إيران. لكن الحزب لا مانع لديه من الحصول على أسلحة من دول عربية إن هي امتلكت الجرأة على تزويده ببندقية من صناعة عام 1914. الدولة العربية الوحيدة التي قدمت سلاحا هي سوريا، وما زالت مستمرة في ذلك. وهل كان من الممكن أن يدخل نصر الله عالم المؤمنين لو ترك إسرائيل تسرح وتمرح في لبنان كما تشتهي؟ وهل كان من الممكن أن يكون الحزب مسلما لو أنه سلم الجنوب اللبناني لإسرائيل؟
 
هناك من يقول إن حزب الله يقف الآن بقوة مع النظام، وتحاول وسائل إعلامه أن تصور الحركة الشعبية السورية على أنها حركة عملاء ومندسين. هذا مأخذ صحيح، ومن المطلوب أن يصحح حزب الله تغطيته للأحداث في سوريا لكي يميز بين حركة الشعب السوري، وحركة مأجورين يحصلون على أموال من الخارج. هناك من دخل إلى الصفوف السورية، وهناك من يحاول الإساءة، وهناك من هو معني بالتدخل الغربي الأمريكي والأوروبي في سوريا، وهناك جواسيس لإسرائيل يعبثون، الخ. لكن مطلوب من إعلام حزب الله، والإعلام السوري أيضا الا يعمموا أفعال قلة من الناس على جمهور الناس.
 
قد نجد من يبرر ويقول إن حزب الله لا يملك إلا أن يقف ضد التغيير في سوريا لأنه يخشى قيام نظام جديد يمنع المعونات من المرور عبر الأراضي السورية، ويعمل على تعريض الحزب للخطر. ويضيف بأنه ليس من الأخلاق أن يقف الحزب ضد النظام الذي دعمه عبر السنوات. حزب الله ليس مطالبا بالوقوف ضد أحد، لكن من المطلوب أن يقدم جدلية الناس المطالبين بالتغيير وجدلية النظام، ومطلوب منه أن يقف في مواجهة كل تدخل خارجي يسيء للشعب السوري. حزب الله وكل العروبيين والقوميين والإسلاميين ضد العبث بالأمن السوري وبأمن المقاومة، وضد التدخل الخارجي. وكل هؤلاء بمن فيهم الرئيس السوري مع التغيير ومع حرية الشعب السوري. لقد أقر الرئيس السوري بالخلل الموجود، وأقر بضرورة الإصلاح.
 
وأجمل بالتالي:
 
1-       الخطوة الكبيرة مطلوبة من الرئيس السوري بحيث يقوم بخطوات جريئة في مواجهة أجهزة الأمن التي يبدو أنها تستهتر بالدماء السورية. من المهم قطع الطريق على التدخل الخارجي، وكلما طال أمد الإصلاح تسارع التدخل الخارجي وتكثف. الوضع العربي عموما لا يحتمل خللا أمنيا على الجبهتين السورية واللبنانية، والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الرئيس. الحزم في هذا الوضع السوري القائم أهم بكثير من الحكمة. الحكمة تتقدم على الحزم في أوقات الاستقرار، لكن الحزم يتقدم على الحكمة في أوقات الشدة.
 
2-       مطلوب منع استعمال البنادق في مواجهة المتظاهرين، وهذه مسؤولية رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى لأنه من الواضح أن هناك من يقوم بأعمال تناقض تصريحات الرئيس مباشرة بعد إعطاء التصريح.
 
3-       من المتوقع أن يركز الشعب السوري على التحرير مع تركيزه على الحرية، وألا يترك الأمر لبعض الأشخاص المتحالفين مع الغرب ليتصدروا المطالبة بالتغيير. لقد سبق أن استحسن أحدهم تدخل أمريكا وحلف الأطلسي في سوريا كما حصل في ليبيا، وهذا يسيء جدا لحركة الشعب السوري. وطنية الشعب السوري فوق التشكيك، وتاريخه شاهد على ذلك، ويتوقع الناس تركيزا على تعزيز المقاومة وتحرير الأرض العربية.
 
4-       مطلوب من حزب الله التوازن في التغطية الإعلامية، ومن غير المطلوب أن يهادن التدخل الخارجي بالوضع السوري. من الأمانة والأخلاق أن يفضح حزب الله كل محاولات التدخل بالأمور الداخلية السورية، ولا عتب عليه في ذلك.
 
5-       من المتوقع أن تفرز جماهير الشعب السوري لجانا شعبية لها في مختلف المدن والقرى لتكون هي مرجعية الحركة، ولتعترض طريق من يودون التحدث باسم الشعب السوري وفق إرادات خارجية. وربما تكون درعا هي المرشحة لفرز لجنة مركزية مؤقتة.

التعليقات