24/05/2011 - 10:13

خطاب أوباما، خطأ في الحساب.. كارثة في النتائج!../ نزار السهلي

خطاب الرئيس أوباما، وجه صفعة قوية لمن يدعي أن السياسة الأمريكية ترمي إلى تحقيق "السلام" المزعوم بين إسرائيل والفلسطينيين

خطاب أوباما، خطأ في الحساب.. كارثة في النتائج!../ نزار السهلي
منذ ما يقرب من ستة عقود، كان الصراع العربي الإسرائيلي، وما زال، يمثل التحدي الرئيسي لمقومات الوجود القومي العربي. وقد اتخذ الصراع منذ بدايته أبعادا إقليمية ودولية عديدة فتشعبت مسالكه، وتباينت مواقف الأطراف داخله، وكذلك مواقف القوى الدولية المرتبطة به، وكان الدور الأمريكي في الصراع أساسيا، وسيبقى على ما هو عليه لفترة طويلة قادمة، الأمر الذي تشتد معه الحاجة إلى مزيد من القراءة والفهم للأبعاد الأساسية للرؤية الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.
 
في البداية يمكننا القول إن الرؤية الأمريكية بصفة عامة، وفي إطار الصراع العربي الإسرائيلي بصفة خاصة، هي رؤية معقدة ومتشابكة يحتاج فهمها إلى تحليل العديد من العوامل والاعتبارات، يرتبط بعضها بالتغيرات الخارجية التي تنعكس على إستراتيجية الولايات المتحدة، والبعض الآخر بالسياسات الداخلية فيها، وفي ضوء هذه العوامل والاعتبارات، فإن للولايات المتحدة مصالح أساسية في منطقة الشرق الأوسط، ناظمها الأساسي بقاء إسرائيل "كدولة "متفوقة بعنصريتها ويهوديتها" وهي مصلحة أمريكية وغربية، تحاول القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تسويقها في المنطقة بعد أكثر من ستة عقود على اغتصاب فلسطين.
 
لقد حدث تغير إستراتيجي أساسي في سياسة واشنطن الخارجية بعد أن وضعت حربا الخليج الأولى والثانية أوزارهما، بعد أن مهد انهيار الكتلة الاشتراكية الطريق لتجد أمريكا نفسها أمام مسؤولية إعادة تنظيم التوازن على الصعيد العالمي، بما يضمن الهيمنة على العالم وقيادته بقطب وحيد بعد هجمات الحادي عشر من أيلول، ليسود الخطاب الأمريكي في استعلائية امبريالية تجاه المنطقة العربية، لتحدد السياسة العربية بوصلتها وفق الخطاب الأمريكي، على اعتبار أنه الضامن لها ولوجودها، لكن ما تشهده المنطقة العربية من متغيرات، تعيد الاعتبار للشعب العربي، جعل من خطاب الرئيس الأمريكي أوباما، يبدو كمن يحرص على التحول الذي يسير عليه الشارع العربي، ويخاف على الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
 
التعويل على أمريكا انتهى
 
خطاب الرئيس أوباما، وجه صفعة قوية لمن يدعي أن السياسة الأمريكية ترمي إلى تحقيق "السلام" المزعوم بين إسرائيل والفلسطينيين. هذا الخطأ المطلق إذا اعترف به الجانب العربي يعتبر أكبر هزيمة للمراهنيين على الدور الأمريكي، وحتى يكون ذلك واضحا لدى العرب أنهم لم يحصلوا من الخطاب الأمريكي سوى التأكيد على الشروط الإسرائيلية التي تسوقها الإدارة الأمريكية، لتغدو تقليدا تسير عليه السياسة الأمريكية حتى اليوم، مفاده أن ازدهار المصالح الأمريكية في المنطقة لا يأتي من خلال عملية سلام مزعومة وإنما من خلال الخضوع الفلسطيني والعربي الكامل للقدرات العسكرية الصهيونية، والمحافظة على وجود الكيان الصهيوني وأمنه. وهو ما شدد عليه اوباما في خطابه أكثر من مرة.
 
يتسم حديث أوباما بقدر أكبر من الوضوح، حين أثار مسالة "الحرص" الأمريكي على شعوب المنطقة العربية وحريتها وإشاعة الديمقراطية في أنظمة الحكم العربية، لقد حاول أوباما التعكز على مبدأ حقوق الإنسان، مستخدما هذا المبدأ ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية في محاولة لابتزاز شعوب المنطقة.
 
إن استمرار الإدارة الأمريكية بالتذرع بحقوق الإنسان "مستثنيا الفلسطيني" أو التذرع بمحاربة الإرهاب والسعي لحماية "العالم الحر" و"إنقاذ الديمقراطية" وكيل "الضربات الوقائية" يعني في الواقع صب الزيت على النار لتوتير الأوضاع ومفاقمة خطر اندلاع بؤر جديد للتوتر في المنطقة العربية. وتتضح الحجج الأمريكية أكثر من أي وقت مضى حول حقوق الإنسان والإرهاب الدولي بكونها تبريرات لأهداف أخرى يحفظها كل مواطن عربي، وتقول إن التعويل على أمريكا انتهى بعد استعادة الشارع العربي زمام الأمر.
 
أتى خطاب أوباما بدوافع غير نزيهة وضمن خطة واسعة للهجوم الغوغائي والدعائي، حول مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان وإطلاق عملية السلام، ففي حين تحدث أوباما عن رؤيته للدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح والحدود والأمن، تحدث أيضا بشكل مباشر ومهدد للفلسطينيين بإسقاط كل خياراتهم "الضارة" من الوحدة الوطنية إلى خيار التوجه للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وحذر من مغبة حصار إسرائيل من المجتمع الدولي، وتبنى خطاب نتنياهو القائل بوجوب العودة للمفاوضات تحت الشرط الإسرائيلي الذي يهدر تماما أبسط حقوق المواطن الفلسطيني، ويفرض عليه دراسة مشوهة تخدم أهداف الصهيونية التي تفوح منها رائحة العنصرية والشوفينية.
 
 كرر نتنياهو على مسامع مضيفه الأمريكي الرفض الإسرائيلي المطلق للعودة إلى حدود العام 67 وهو ما ينسف كل الادعاءات المزعومة عن "السلام"، بالتوازي مع نسف كل الأوهام المتشبثة بالمفاوضات تحت أي خطاب أمريكي "فبتنا نسمع خطابا فلسطينيا وعربيا "يطالب نتنياهو أن يلتزم بما جاء به أوباما في خطابه على أنه تطور مهم في الحديث الأمريكي".
 
أصاب أوباما كبد الحقيقة في موقف إدارته، من أمن إسرائيل ووجودها "كدولة يهودية" على حساب أصحاب الأرض الأصليين وهي "حقيقة" منافية لأبسط حقوق الإنسان التي تتشدق بها الإدارة الأمريكية، التي تغمض عينيها عن الممارسات العنصرية لإسرائيل بحق الشعب العربي الفلسطيني، وهو ما يعتبر تحديا سافرا للمجتمع الدولي وخرقا صارخا لقواعد القانون الدولي ومبادئ الحق والعدل.
 
الرهان مجددا على إيجابية الدور الأمريكي من البعض العربي والفلسطيني، سيحمل في قادم الأيام، كوارث متتالية على المنطقة التي تشهد تغييرات إستراتيجية تعتقد الإدارة الأمريكية أنه في حالة ركوب واحتواء تلك المتغيرات، ستجعلها تسوق خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية بما يضمن لها موقعا ثابتا في المنطقة، غير أن ما لم تدركه إسرائيل ومن ورائها أمريكا، أن غضبة الشعب العربي، من سياسات أمريكا المحابية للاستيطان والعدوان الإسرائيلي لن تغيرها خطابات جوفاء، وأن جوهر المسألة لا يمكن فصله عن سياق إستراتيجية الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني بصورة خاصة، وتجاه المنطقة العربية بصورة عامة، والمتجه دوما نحو تحقيق أقصى ما يمكن من السيطرة والنفوذ.
 
إن الصخب الإعلامي الذي رافق خطاب أوباما، لم يستطع أن يطمس جوهر الأمر بالتباكي على ديمقراطية شعوب المنطقة وحرياتها، والحديث الأمريكي المسهب عن "السلام" وعن الدعم الأمريكي لإسرائيل ويهوديتها، يهدف إلى خلق مناخات كارثية للشعب الفلسطيني، مما يستدعي التركيز على البدائل الوطنية وإلحاقها في ثوب من الاستقلال في السياسة العربية والفلسطينية بعيدا عن الإملاءات الأمريكية -الإسرائيلية، وعدم ترك المجال مفتوحا لتمرير المخطط المعادي بهدوء من خلال تحويل الموضوع إلى حلقة مركزية في التحريض والدعاية للموقف الأمريكي "الداعم "لديمقراطية وحرية إسرائيل مع إبقاء التفوق النوعي لآلة القتل الإسرائيلية.
 
يخطئ من يظن أن أمريكا تقدم للشعب العربي دعما يتصل بحريته، لأن الشعب العربي أيقن أن حريته وديمقراطيته المقيدة سببها سياسات أمريكا الداعمة لإسرائيل وللنظم الملحقة بسياساته الاستعمارية، التي جلبت كوارث في نتائج السياسات الأمريكية مهما تبدلت خطابات أمريكا التي تحمل لغة واضحة مترجمة من العبرية لكل اللغات إلا اللغة العربية التي رفع صداها في الشارع العربي وسيسمعها العالم أجمع.

التعليقات