01/11/2011 - 14:32

وقف الجريمة مهمة ومسؤولية وطنية../ غسان الفوزي

وقعت الجريمة في حين كانت المجلس البلدي والهيئات الشعبية تتنادى لاستضافة مهرجان شامل لكل الأسرى المحررين

وقف الجريمة مهمة ومسؤولية وطنية../ غسان الفوزي
أما حان الوقت لإعلان جرائم القتل والعنف قضية وطنية ملحةفي أم الفحم، وفي كل المدن والبلدات الفلسطينية الواقعة تحت المواطنة الإسرائيلية؟! جريمة ثلاثية الضحايا عصفت بمدينة أم الفحم التي كانت مثل بلدان كثيرة تستعد لاستقبال محرر من أسراها شملته عملية التحرير التي فرضتها حركة حماس والمقاومة الوطنية المساندة على الحكومة الاسرائيلية.
 
وقعت الجريمة في حين كانت المجلس البلدي والهيئات الشعبية تتنادى لاستضافة مهرجان شامل لكل الأسرى المحررين. كانت الناس تتأهب للفرح والاحتفالات لكنها لم تصبح على ما كانت تنوي وتريد. فالجريمة أصابت اهل البلد في صميم قلوبهم ونفوسهم فانحسرت الاستقبالات ورحل المهرجان الاحتفالي إلى بلد آخر وربما إلى اللامكان.
 
بدلا من الفرحة، عم الأسى والحزن والإضراب والمظاهرات. فقد كان مرعبا للناس جميعا أن يجدوا أنفسهم فجأة في انفجار دموي قضى على أب واثنين من أبنائه. ثلاثة ضحايا قتلوا في بيتهم وأمام أفراد العائلة، ليس بيد نظام احتلال أو دكتاتورية بل، كما يرجح الجميع، إنهم قتلوا بأيد فحماوية، فلسطينية، عربية، مسلمة.. بأيدي مواطنين مثلهم. ثلاثة مقتولين من بيت واحد، من حي واحد، من عائلة واحدة، من حارة واحدة، من بلد واحد، من وطن واحد وشعب واحد يصارع لإثبات وجوده. ثلاثة، رجل ويافعان، يستحقون الحياة وممارسة كيانهم الإنساني بكل جوانبه في العمل والعلم والسعادة والفرح... سلبهم القتلة وجودهم وحقوقهم، وسلبوهم من أهلهم وذويهم مخلفين جراحا مستديمة وضائقة لم تكن بحسبان. فماذا نحن فاعلون؟ أليس هذا هو السؤال الذي يهمس به المواطنون وبه يجهرون؟
 
انطلاق الاحتجاجات على هذه الجريمة أجاب فورا على الجانب المباشر للسؤال، وأبقى لنا ضرورة النظرفي الجانب الجوهري دون تأجيل. فالأهل والجيران والمؤسسات وعمال البلد وطلابها رجالا ونساء، كلهم وقفوا ضد الجريمة، كما وأعلن البراءة من الجريمة ومن القتلة كل من يمكن أن يدور حوله تساؤل أو همس أو شكوك. فالوحدة على رفض الجريمة واستنكارها شاملة عامة، وفي ذلك دليل أكيد على بشاعتها وهولها. والشباب في حي الشرفة تقدموا دون خوف ونصبوا بيتا مفتوحا لمحاربة العنف والتثقيف ضده، وفي كل ذلك فخر للعاملين والمساهمين واستنهاض لطاقات الخير الكامنة في أهل أم الفحم وعند أبناء شعبهم كله. وبذلك يتواصل حي الشرفة مع وقفة شبابه سنة 1988، في زمن الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ففي ذلك الحين بادر الشباب إلى عمل شعبي مثابر ضد تجار المخدرات أسموه انتفاضة. وها هي خيمة التسامح في الشرفة تساهم في تنظيم التضامن الميداني في كل أنحاء البلد وفي تنبيه الحكومة والشرطة بأن تسرع في الكشف عن المجرمين. لكن ماذا مع الغد! ماذا نحن فاعلون لمنع جريمة قادمة وقتل آخر وشيك بل شبه أكيد!
 
التخوف والحذر من جريمة قتل وشيكة الحدوث ليس مجرد انسياق مع التشاؤم، ولكنه اعتراف بالواقع المأساوي. ففي أم الفحم، وغيرها أيضا، سبقت هذه الجريمة عشرات الجرائم القاتلة وأعمال العنف الدموية وسقط من الضحايا الأبرياء من الشباب والرجال والنساء والأطفال. وقد خلفت تلك الجرائم الأسى والمرارة والحسرة عند الأهالي، ولذلك هب عشرة آلاف مواطن للمشاركة في جنازة الضحايا؛ توفيق هيكل وابنيه أحمد ومحمود، وفي الإضراب والمظاهرات والاعتصام المستمر. وكان الكثير من الأهالي يرفعون صور أحبائهم الذين فقدوهم غدرا وسفاهة وعدوانا، مؤكدين أنه قد أصبح للجريمة عندنا سجل تاريخي مأساوي مرصع بصور الضحايا وأسمائهم.
 
لهذه الاسباب الواقعية المؤلمة ندعو للحذر والحيطة، وإلى التفكير والعمل لمنع وقوع جرائم جديدة فإن بمقدورنا أن نوقف القتل والقتلة لا أن نبكي الضحايا. فالقتلة منا تماما مثل الضحايا، إنهم من لحمنا ودمنا، وليسوا غرباء أغيارا يصعب التأثير عليهم أو فهم منابع أزماتهم وجرائمهم. هذه هي أم الحقائق ولا مجال لإنكارها أو التقليل من أهميتها. فالجريمة قد ملأت سجل اأيامنا بالضحايا، قتلى وجرحى وأرامل وأيتام وثكلى وأطفال مرعوبين، وسجناء ومنفيين ومطرودين. واستنزفت الطاقات في تشكيل المزيد من لجان الإصلاح والصلح والجاهات المحلية والقطرية. وأفعال القتلة زرعت البغض والقطيعة بين فئات متزايدة من المواطنين على اختلاف أجيالهم وأحيائهم وعائلاتهم وانتماءاتهم وميولهم الفردية. فإن عندنا ضحايا تمت معرفة قاتليهم ومحاكمتهم، وآخرين ينتظر قاتلوهم المحاكمة. وضحايا ما زالت أرواحهم ودماؤهم وحقوقهم وأهاليهم تصرخ وتطالب الدولة والشرطة والبلدية والمجتمع والصحافة بالكشف عن القتلة وتقديمهم للمحاكمة.
 
لقد وصل الوضع حدا مأساويا شاملا في قلب المجتمع وفي مركز أعصابه. ولو سألنا هل أحد من أعضاء البلدية والشخصيات والزعماء والحزبيين والمثقفين البارزين لم يمسسه حادث قتل أو جريمة عنف؟ لوجدنا أن نار الجريمة تمس الجميع. فهذا يحترق بها مباشرة، وذاك تكتوي أصابعه، وآخر تصيبه بشرر أو بضرر جسيم. ونحن لا نتحدث هنا عن الجريمة المنظمة المؤسسة لأهداف الربح والسطوة بل عن الجريمة المدنية التي تعبر عن أزمة في العلاقات بين المواطن والمواطن، وتكشف انحسار الشعور بالانتماء المشترك وبتعشيش الأفكار والجاهزية النفسية التي تبيح العنف الكلامي والجسدي وتبيح القتل.
 
فالجريمة المدنية يمارسها المواطن فجأة، أو بالتصاعد والتفاعل بين الخصماء. وضحيتها قد يكون الأخ أو الأخت أو الجار أو الصديق وابن الصديق أو فرد من أحد المواطنين. ورغم وجود ترابط بين الجريمة المدنية والجريمة المنظمة وارتفاع العنف والضحايا في الحالتين، فإننا نعني ونريد ونزيد في التأكيد على ضرورة توضيح الأمور لا خلط الأوراق وتسجيل الاتهام ضد السلاح السلاح السلاح. هل نتهم الحجارة والسكاكين وقبضات اليد عندما تحدث الاشتباكات بالأيدي والسكاكين والسلاسل الحديدية والعصي، ويسيل الدم ويقع القتل بدون رصاص وقنابل! أليست ظاهرة نزوع مزيد من المواطنين إلى اقتناء السلاح إلا شاهدا على وقوع الخلل الاجتماعي والاستعداد للقتل والفتك والإرهاب عند المواطن؟ فالقول إن الجريمة المدنية هي الأعمق تخريبا والأكثر تدميرا لا يستند إلى نظرية اجتماعية وحسب، بل إلى إحصائيات القتل التي وقعت في أم الفحم، وعلى واقع الحال الذي يقول إن الاعتداءات المدنية هي الأغلب، وإنها حصلت لأسباب وخلافات يمكن حلها سلميا مثل المنافسات المالية، وتعقيدات في مجال الزواج والحب، وإساءات تتعلق بالكرامة والاحترام، أو لأسباب تافهة تم تضخيمها فقادت إلى مآس دموية.
 
كما كان لعملاء قوى الأمن دور في الجريمة. فقد ارتكب أحدهم ضمن حياته المدنية، وليس ضمن مهماته الأمنية الاحتلالية التي لا نعلم عن جرائمها، جريمة ثلاثية تعادل المجازر المنظمة من قتل وحرق وتقطيع أوصال وتشهير بالجثث. أي أن الجرائم المدنية، في وضعنا الراهن، يمكن أن تحدث لأي شخص وبدون تخطيط، ويمكن أن تتطور بسرعة من عنف كلامي إلى عنف جسدي ثم إلى عنف بالسلاح الفتاك. وازدياد عدد الضحايا نتيجة الجرائم المدنية هو من الرجال والنساء والأحداث. وهو واقع في أم الفحم وكذلك في أهم القرى والمدن الفلسطينية الواقعة تحت المواطنة الإسرائيلية.
 
 ونعتقد أنه حان الوقت للاعتراف بأن الوضع خطير ويزداد خطرا مع سقوط كل ضحية جديدة، وإلى أن المسألة خطيرة وتستحق وضعها في رأس الأولويات عند مسؤولي الهيئات الرسمية والشعبية. وتتطلب التعامل معها باعتبارها مسألة بنيوية لا مسألة طارئة، وقضية اجتماعية لا حالة فردية محدودة، وظاهرة عامة وطنية لا قضية محصورة في بلد أو عدد قليل من البلدان.
 
إنها مسألة تتطلب المداولات والأبحاث والخطط العلمية تماما مثل المسائل الوطنية الكبرى، الأرض والتعليم والصحة والحقوق السياسية. ومسألة تتطلب استمرارية العمل ليس عفويته وتقطعه. ولا بد من النظر في أعمال كل الهيئات: الحكومة، الشرطة، البلديات والمجالس، الأحزاب، المدارس والمنظمات الجماهيرية، والايديولوجيات، والتقاليد، ومؤسسات الإعلام. ولا بد من فحص درجة استعداد كل منها للمساهمة في مسعانا لمحاصرة العنف وتصفيته. وبالتكيد فإنه لا بد من النظر المعمق في دور البيت والأهل، ودور كل فرد بالغ عاقل ومسؤليته عن السلم الاجتماعي.
 
إن هذه الكتابة تتعرض للتفاصيل لأنها ليست استعراضا عابرا لأداء مهمة عابرة كما تجري العادة، وكما تتطلب بعض التوجيهات الإعلامية المستهترة بمصير المجتمع لأجل أرباحها، بل هي تعبير عن ألم يزداد إيلاما كل يوم لأن الجرائم تقع يوميا في أم الفحم والمجتمع عموما. إنها كتابة رافضة للقتل، ولحظة في نضال مستمر ضد العنف الأول والعنف التالي. ضد عنف الظالم وضد عنف المستعمر القديم والجديد، وضد عنف الدولة الذي تفتخر به وتتباهى وتقيم له الاستعراضات، وضد عنف الشرطة المكشوف والمموه. وهي كذلك كتابة ضد العنف الداخلي المدني بين المواطنين، ضد عنف الممارسات والكلمات العدوانية. وهي كتابة ضد الانتقام لأن الهدف هو العدل والسلم والأمان.
 
 هذه كتابة تحاول خلق حوار حول الأحداث يشارك فيه أصحاب الشور وأصحاب القول، ويتفاعل معه الصحفي والإعلامي والمسؤول والمواطن. وهي كتابة تسعى إلى تقديم جديد، إلى إضافة فكرة صغيرة. إنها كتابة انتقادية لأن المعالجات التقليدية التي نرددها كثيرا عند كل نائبة لا تقدم حلولا، وإنما هي لغو لا يغيث ولا يأتي بغيث. فالهجوم على السلاح عند وقوع الجرائم هو أشبه بالدعوة للهجوم على السيارات لمواجهة العنف والقتل الناتج عن حوادث الطرق. والهجومات اللفظية الاستهلاكية على الشرطة لا تتوافق مع الممارسة اليومية للمهاجمين ولا تتوافق مع الاستغاثة المتكررة بالشرطة ذاتها لأجل إظهار الحقائق وملاحقة المجرمين. ثم كيف يعلن البعض إنهم لا يثقون بالشرطة ثم يطلبون منها أن تبحث عن السلاح؟ هل أصبح الحل في حثّ الشرطة على اقتحام البيوت للتفتيش عن السلاح؟ وماذا حين تكشف الشرطة عن السلاح وحتى حين تكشف عن المجرمين؟ هل يحول ذلك دون وقوع جرائم جديدة؟ إن كشف السلاح واعتقال المجرمين ومحاكمتهم لا تمنع حدوث جرائم جديدة. ولو كان الأمر صحيحا لكانت الولايات المتحدة ومدينة نيويورك خالية من الجريمة، ولكانت دولة تكساس الأولى عالميا بتنفيذ أحكام الإعدام خالية من الجريمة. ولكن الحال غير ذلك، فأمريكا الأولى في العالم بعدد المساجين الذين يبلغ عددهم نحو المليونين يتزايدون رغم الاعتقال وأحكام الإعدام لأن الظاهرة اجتماعية وليس إدارية.
 
 لا بد من وقفة عند دور دولة إسرائيل وحكومة إسرائيل وشرطة إسرائيل وتعرية كل فعل أو سياسة نجد فيها ممارسة لتعزيز الصراع داخل المجتمع الفلسطيني وعموم المجتمع. وعلينا مواجهة كل سياسة أو خطوة نجدها فعليا تهدف إلى السكوت عن العنف أو تشجيعه سواء وقعت بتخطيط أم من قبل ضباط فاسدين يتعاونون مع أصحاب الجرائم بهدف الربح.
 
 وكما تكشف الصحف والإعلام عن مثل هذه الجرائم في تل أبيب والقدس، فإن واجب الناس والإعلام الناطق بالعربية أن يتحرى ويكشف عنها دون الاكتفاء بالتعميمات فما يحصل من قمع وفساد تل أبيب واقع لا محالة في أم الفحم وكل البلدان. لا بد من دراسة كل ذلك وفضحه بل والشكوى إلى المحاكم المحلية والمؤسسات الدولية. وإنجاز ذلك أهم من تكرار شعارات تبدو هجومية على الشرطة لكنها مجرد تعبيرات يجزيها القانون ولا تعني شيئا ولا تغير واقعا.
 
إن السياسات العليا ومنها سياسة الشرطة وممارساتها بحاجة إلى دراسة وإلى تحديد موقف علمي بهدف إجبارها على المساهمة في انتفاء العنف بين المواطنين. إن حقدي عميق على الدولة والحكومة والشرطة والأسباب الوطنية معروفة ومدونة تاريخيا منذ العمل الفدائي الأول والسجن الأول سنة 1967 وتأسيس أبناء البلد سنة 1969 والمشاركة في الجبهة الحمراء والسجن الثاني سنة 1972 ومستمرة إلى يومنا هذا. ولي كذلك أسبابي الخاصة كأحد أفراد عائلة وقعت ضحية لجريمة بشعة فقدت فيها ابنها وحبيبيها اخي سليمان فوزي عبد الوهاب سنة 1976. لقد أغلقت الشرطة الملف كما يعلم المحامون ومنعتني الدولة من حضور الجنازة حيث كنت سجينا سياسيا أمنيا وذلك ضيم لا أنساه إلى يوم الدين. لكن مقاومة الجريمة والعمل الاجتماعي والوطني لا يقوم على الحقد حتى حين يكون الحقد مشروعا وعادلا. مقاومة العنف والجريمة وألاعيب حكومات الظلم في سبيل خدمة المجتمع تتطلب البحث عن الحقيقة وتستوجب الدراسة وتقديم برامج عملية متواصلة وليس جولات من الخطابات الهجومية لفظا والفارغة معنى يتلهى بها قائلها وتتلهى بها الشرطة لتبرير قصورها وعجزها.
 
إن استمرار الجريمة وتصاعدها هو مرض فتاك يتوجب علينا التعاون لعلاجه وإشفاء مجتمعنا منه. وليسأل كل مواطن وكل مسؤول نفسه عن دوره وعن مكانه عندما تبلورت أسباب الجريمة أو عندما وقعت الجريمة ذاتها: أين كنت عندما قام ذلك الشخص القريب بارتكاب عنف كلامي أو جسدي أو حين ارتكابه جريمة قتل أو بيع سلاح أو إطلاق نار! ماذا كان موقفك عند محاكمة المجرم هل طالبت بتشديد العقوبة أم بتخفيفها ولماذا؟ هل شاركت في الصلح والتسامح وبناء الثقة؟ وإذا كان سؤال الذات واجب على كل مواطن ومسؤول فإنه واجب على كل صحيفة أو وسيلة إعلامية، وعلى المؤسسات الإعلامية الكبيرة لأنها تملك التكنولوجيا ومقومات التأثير الجماعي الواسع، وتملك القدرة على تشجيع النوازع الأنانية العدوانية أو الميول الجماعية الأخوية التعاونية. فالإعلام وطرق عمله وتعامله مع الجمهور جزء مهم من الواقع الاجتماعي يجب أن يفتح للنقاش أيضا على ضوء ازدياد الجريمة.
 
إن خيمة الشرفة المفتوحة لكل المواطنين هي عمل رائد، وربما يكون مشجعا لإنشاء خيام مماثلة في أحياء أخرى حيث يلتقي المواطنون ويتناقشون، وربما ينجحون في تأسيس مجلس شعبي لمنع العنف والجريمة. مجلس يعمل بروح الثورات العربية السلمية تحث المسؤولين في الدولة والحكومة والشرطة والسلطات المحلية والأحزاب والمؤسسات الإعلامية، خاصة الغنية، على وضع الميزانيات والكفاءات والسياسيات المانعة للعنف والقتل والجريمة. ومثال ذلك أن ننظر مثلا في وضع أم الفحم وفي وضع كل بلد، وطرح الأسئلة التي تقود الإجابة عليها إلى منع جرائم قادمة. فلو سألنا مثلا ما هي الحالات، إضافة للجريمة الحالية، التي تهدد بانفجار جرائم مدنية جديدة؟ تكون الإجابة بأن حالات الجرائم السابقة التي لم يتم إصلاحها نهائيا هي مواقع مرشحة لوقوع تعقيدات جديدة وحتى للانفجار من جديد. أفلا يكون من المناسب مثلا أن تبادر خيمة الشرفة وخيمة عين جرار، التي أقيمت بعد تدوين هذا المقال، إلى المساهمة في إتمام المصالحات وتعزية أهالي الضحايا وتجديد الثقة بين الأهالي حتى نستعيد السلم والإخاء؟ إن توقف المصالحات لا يفيد أحدا ويبقي على التوتر وعلى مخاطر عنف وجرائم جديدة، ولا نظن أحدا من أهل البلوى يسعى لمثل ذلك.
 
أعتقد أن النجاح في هذه المهمة وفي هذا الوقت بالذات هو هدف يمكن تحقيقه بدون أي تأثير سلبي على العمل الجاد للكشف عن مرتكبي الجريمة الحالية، ومعالجة كافة جوانبها. عزائي إلى أهالي الضحايا جميعا، السابقين واللاحقين، في أم الفحم وفي كل بلد وبلاد. هذه يدي معكم وصوتي معكم وحين نعمل للحياة فلا بد أن يستجيب القدر.

التعليقات