03/11/2011 - 11:44

حقيقة التلويح بحل السلطة../ د. فايز رشيد

التهديد بحل السلطة: هو محاولة للضغط من أجل استئناف الولايات المتحدة لمساعداتها المالية للسلطة.هذا التهديد ليس أكثر من زوبعة في فنجان

حقيقة التلويح بحل السلطة../ د. فايز رشيد
في ظل انتصار اليونسكو للشعب الفلسطيني بقبول دولة فلسطين عضوا كامل العضوية فيها، وما من شك بأنه انتصار كبير يمكن البناء عليه، من زاوية أخرى... يجري الحديث حالياً عن رغبة الرئيس عباس بحل السلطة الفلسطينية باعتبارها "سلطة بلا سلطة"، هذا ما ذكره محمود عباس في الاجتماع الثوري لحركة فتح الذي جرى مؤخراً عقده في رام الله، وأضاف عباس قائلاً: "لا نقبل بسلطة دون سلطة"، وتساءل: أين نحن ذاهبون؟ مستطردا: وسبق لي أن قلت هذا الكلام للرئيس أوباما، هناك ثلاثة قضايا للبحث: الأولى: الذهاب إلى الجمعية العامة، والقضية الثانية: هي بيانات الرباعية، والقضية الثالثة: هي أن السلطة ليست سلطة". أيضاً أكد عباس أن هذه القضايا سيبحثها مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في لقائهما المنتظر في القاهرة. من جانب ثان ووفقاً لما ذكره صائب عريقات وأكدته صحيفتا معاريف وهآرتس الإسرائيليتين: أن السلطة الفلسطينية أبلغت دولاً في العالم بما فيها إسرائيل والولايات المتحدة، نيتها حل نفسها في كانون الأول (يناير) القادم، في إطار ما تسميه "نقل الصلاحيات إلى الاحتلال" ضمن خطة متدرجة في نقل هذه الصلاحيات، بحيث تبدأ بالصلاحيات المدنية كالصحة والتعليم، وتأجيل الصلاحيات الأمنية إلى وقت لاحق.
 
بدايةً، نتمنى لو كانت هذه المسألة صحيحة، فكاتب هذه السطور دعا إلى حل السلطة منذ سنوات طويلة، فحقيقة الأمر أن هذه السلطة ليست سلطة، بل تريدها إسرائيل كوكيلة عنها في ممارسة الإشراف الحياتي على الفلسطينيين في المناطق المحتلة، دون امتلاكها لأية مظاهر سيادية، تريدها كممثل عنها في حفظ الأمن ومنع القيام بأية عمليات ضدها، تريدها سلطة خاضعة للإملاءات الإسرائيلية، وحقيقة الأمر: أن السلطة على مدى إنشائها مثّلت هذه المهمات الثلاث، بمعنى أنها في نهاية المطاف ليست غير حكم ذاتي هزيل في المناطق المحتلة.
 
الأمر الطبيعي والحالة هذه أن تقوم السلطة بحل نفسها إذا كانت تحترم ذاتها وتحترم شعبها، ولكن للأسف ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها عباس عن حل السلطة هذا أولاً، وثانياً لا نفهم الخطابات عن حل السلطة في الوقت الذي ذكرت فيه صحيفة هآرتس (الجمعة 28 أكتوبر الحالي) خبرا قالت فيه: "لقد قامت إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية بنقل وسائل لتفريق المظاهرات الى رام الله، وذلك لأول مرة منذ إقامة السلطة الفلسطينية... وأضافت: نقل الوسائل جاء تلبية لطلب من الجانب الفلسطيني للاستعداد لمواجهة تظاهرات حاشدة، وتشمل الوسائل: قنابل الغاز المسيل للدموع، وطلقات مطاطية، وقنابل صوتية، وأقنعة واقية من الغاز"، كذلك لا نفهم النية لحل السلطة في الوقت الذي ما زال فيه التنسيق الأمني قائماً بينها وبين إسرائيل!. الأحرى بالرئيس عباس: إلغاء اتفاقيات أوسلو المدمرة ومن ثم، حل السلطة.
 
من جهة ثانية: إن هناك تناقضاً في الطرح الذي تتبناه السلطة الفلسطينية، فمنذ أسبوع لا أكثر طرحت السلطة اقتراحات على حماس تتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2012، وهو ما يعني تحديداً: تجديد صلاحيات السلطة ورئيسها المنتخب والمجلس التشريعي أيضاً والمجالس البلدية. معروف أيضاً أن عدد موظفي السلطة يصل إلى 250 ألفاً إضافة إلى 50 ألفاً من عناصر الأمن في كل الأذرع، من الطبيعي والحالة هذه أن يجري التساؤل عن مصير هؤلاء؟ ثم وعلى مدى السنوات منذ إنشاء السلطة: تكونت شرائح طبقية اغتنت كثيراً بوجودها، وهناك شريحة من السماسرة، وكل هؤلاء معنيون بوجود السلطة واستمرار بقائها، وهؤلاء ليسوا خارج إطار السلطة، بل هم من مؤسسيها وممن يحتلون المراكز الأولى والصفوف القيادية فيها، ومن الطبيعي أن يعمل هؤلاء على استمرار بقاء السلطة وليس حلها، هذه الشرائح شكلت مؤسسات اقتصادية وطبقة من رجال الأعمال بالضرورة، صوحبت بمواقع اجتماعية وسياسية وعسكرية أمنية متنفذة بفعل امبراطورياتها الكمبرادورية.
 
لا نفهم جدية الحديث عن حل السلطة، في ظل تهميش منظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها، فالقائمون على السلطة ارتأوا فيها بديلاً عن م.ت.ف، لذلك انصبت كل جهودهم على تقوية مؤسساتها على حساب منظمة التحرير. كذلك لا نفهم جدية الحديث عن حل السلطة في الوقت الذي تعاني فيه الساحة الفلسطينية من الانقسام وعدم وجود أدنى الأشكال من الوحدة الوطنية الفلسطينية، فمن يريد حل السلطة يبدأ بتطبيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ويقوم بإصلاح منظمة التحرير بكافة مؤسساتها، ويقطع كل خيوطه مع المفاوضات مع إسرائيل التي أثبتت عقمها ولا جدواها على مدى عقدين من الزمن، ويعيد الاعتبار للمقاومة بكافة أشكالها ووسائلها وبخاصة المسلحة منها، ولا يقوم باعتقال المقاومين في السجون الفلسطينية ولا يصادر السلاح من أبناء شعبه تحت طائلة المسؤولية، ويقوم بمقاطعة إسرائيل سياسياً واقتصادياً وأمنياً ويعيد القضية إلى اعتبارها العربي معتمداً على الجماهير العربية، بدلاً من انتظار اجتماعات اللجنة الرباعية (باعتبارها إحدى القضايا المطروحة للنقاش حاليا)، وقراراتها التي لن تخرج عن محددات السقف الأمريكي لها. من يريد جدياً حل السلطة يعيد القضية الفلسطينية إلى الشرعية الدولية وكل قرارات الأمم المتحدة الصادرة بهذا الشأن، ولا يطرح دولة على حدود 67 فقط، كما يتمسك بحق عودة اللاجئين أيضاً.
 
من يريد حل السلطة بشكل جدي يلتزم باستراتيجية مرسومة بدقة، ومستندة إلى عوامل عنوانها العودة إلى الشعب وما يقرره من حيث التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة دون المساومة على أي حق منها، ويمارس تكتيكاً سياسياً يخدم هذه الاستراتيجية التي يتوجب أن تستند أيضاً إلى المقاومة والمسلحة منها تحديداً.
 
طرح قيادات السلطة بحلها، ليس جدياً، ولا يخرج عن دائرة التلويح بتحسين شروط العودة إلى المفاوضات ليس إلاّ، وبخاصة أن حل السلطة يلقى معارضة شديدة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية، وهي معنية كلها بوجود"سلطة بلا سلطة".
 
يبقى القول: إن من يريد جدياً حل السلطة: عليه بطرح البديل اللازم في حالة الحل وهو: القيادة الجديدة للشعب الفلسطيني من خلال الحوار والتنسيق مع كافة الفصائل الفلسطينية بلا استثناء وبموافقتها أيضا.
 
التهديد بحل السلطة: هو محاولة للضغط من أجل استئناف الولايات المتحدة لمساعداتها المالية للسلطة.هذا التهديد ليس أكثر من زوبعة في فنجان.

التعليقات