27/12/2013 - 13:13

الثورة العربية مستمرة../ الفضل شلق

إجماع القوى الكبرى والإقليمية على محاربة الثورة العربية ليس مستغرباً. يعرفون خطر الثورة العربية على النظام العالمي (الجديد؟) بعد أن جرى إسقاط النظام العربي

الثورة العربية مستمرة../ الفضل شلق

تستمر الثورة العربية وهي في بداية عامها الرابع، ولا يبدو أنه قد خبا أوارها. الواقع هو أن بعض الأنظمة سقط حكّامها، والبعض استمروا بتقديم تنازلات سياسية لشعبهم، والبعض استعانوا بمعارضة من التكفيريين كي يبرّروا بقاءهم، ودول الجزيرة العربية قدمت عشرات المليارات من الدولارات لرشوة شعوبها، وبعض الثورات قُمعت بجيوش من بلدان مجاورة.

الثورة المضادة، وهي مضادة للثورة وليست ثورة تمثل قوى التقدم بل قوى الرجعية المحافظة، تعرف ماذا تريد: الجيش للقمـع والشـرطة لفبركــة الدلائل، والقضــاء لفبركــة الأحكــام. لا نستطيع تفسير أحكام بحبس قادة 6 أبريل، في مصر، أحمد ماهر وأحمد دوما ومحمد عادل بغير ذلك. تأتي القوى المضادة بعد أن أطيح النظام القديم بمن كانوا يهيّئون أنفسهم وراءه، وتجعلهم خبراء في صياغة الدستور، ووضع قوانين جديدة، أو فليكن استخدام قوانين قديمة، وذلك من أجل اعتقال الثوار الحقيقيين، وهذا غيض من فيض. كله ثورة، لإرهاب الكثرة من الناس؛ وأجهزة الأمن دائماً جاهزة لهذه المهمة تعوّدت عليها خلال سنين كثيرة فهي قد أمضت وقتاً طويلاً وتمرّست في خدمة سادتها القدماء.

الثورة العربية واحدة، وهي حدثت في كل الأقطار العربية في وقت واحد من دون أن يكون لها شبيه في بلاد غير عربية مجاورة؛ وهي مختلفة باختلاف الأقطار التي نشبت فيها. يؤدي الاختلاف إلى تشوّش الوعي لدى الباحثين والمحللين وليس لدى الناس، الذين هم الثورة الحقيقية (بما أن الثورة هي من أجلهم ومن خلالهم وبهم). يتشوّش الوعي لدى النخب، لدى معظمها على الأقل، لأنها منذ زمن بعيد لم تتعوّد على القدرات وعلى نشاطات التحرر، بل تعوّدت على الاستكانة للاستبداد. شعوبنا هي التي رفضت الاستبداد وملأت ميادين التحرير احتجاجاً وتمرداً منذ البداية.

سقط النظام العربي، لكن قوى الثورة المضادة تحاول ترميمه. ما زالت الأنظمة، بما فيها قوى الثورة المضادة، تستخدم الإسلام السياسي في هذا القطر، أو التكفيريين في ذلك القطر، من أجل أن تكون معارضة تحل مكان الثورة. يستخدمون الحجة القديمة: إما نحن وإما الاستبداد، أو صعود الإسلام السياسي والتكفيريين.

شعوبنا العربية ترفض كل هذه الأشكال النابعة من رحم النظام القديم وليس من صفوف الجماهير الثائرة. أطراف الإسلام السياسي ـ والتكفيريون من بينهم ـ يريدون حل مشكلة السماء قبل إشكالات الأرض. شعوبنا تريد التركيز على ما يحدث على الأرض. ليست تسمية العلمنة مخيفة، وإذا كانت كذلك فليكن اللجوء إلى تعابير أخرى غير مثقلة بمفاهيم حساسة. وكل تعبير آخر مثل "الدولة المدنية" أو "الحكم المدني" فيه التباس. بالالتباسات تكتب الدساتير من أجل مصادرة إرادة الجماهير. المهم أن التناقض بين شعوبنا والحكّام قد انفجر، والانفجار الأول والثاني والثالث يقود إلى انفجارات أخرى. ما زالت الجيوش وقوى الأمن الداخلي في خدمة النظام. وما زالت الثورة لم تحقق أهدافها.

الثورة فعل تأسيس، قبل وبعد كل شيء. يُحكم على الثورة بفعل التأسيس. وهذا الأمر قد حصل، وآثاره مستمرة. وعودة الجماهير إلى الميدان محتملة، ودون تشوّش الوعي مرة أخرى. في كل مرة تنتفض الثورة يتبلور وعي الناس ويرتقي.

الخراب والدمار والقتل والتشريد كثير. وهذا من فعل الأنظمة. لا يريد الناس، أي لا تريد الثورة، حرباً أهلية. الحرب الأهلية هي داخل النظام، بين أطراف النظام، متى بلغ العداء بينها درجة استنزاف بعضها البعض.

القوى الكبرى، الدولية والإقليمية، متحالفة مع الاستبداد، بجميع أشكاله، وذلك بحجة محاربة الإرهاب التكفيري. يريدون لشعوبنا أن ترضى بالإسلام السياسي، كما في مصر، أو يثيرون ويستخدمون التكفيريين كما في سوريا وغيرها. تخوض شعوبنا ثورة للتحرر، ويخوضون هم حروباً أهلية لمساندة الاستبداد. وأموال النفط متوفرة من أجل تمويل الثورة المضادة بأشكالها التكفيرية أو غيرها. الواضح أن دول النفط العربي لا تمانع في حجب الثروات عن شعوبها الفقيرة لمنع تطور ثورة الفقراء في أقطار أخرى.

إجماع القوى الكبرى والإقليمية على محاربة الثورة العربية ليس مستغرباً. يعرفون خطر الثورة العربية على النظام العالمي (الجديد؟) بعد أن جرى إسقاط النظام العربي.
"السفير"

التعليقات