08/02/2014 - 11:47

المأزق المصري../ علي العبد الله

مرت الذكرى الثالثة لثورة 25 كانون الثاني/يناير ومصر في فوضى عارمة، وتعاني من مشكلات كبيرة وخطيرة، فالوضع السياسي غير مستقر ومفتوح على احتمالات كثيرة، الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا والمعيشية ترديا، في حين تزداد الأوضاع الاجتماعية اضطرابا والمجتمع تمزقا

المأزق المصري../ علي العبد الله

مرت الذكرى الثالثة لثورة 25 كانون الثاني/يناير ومصر في فوضى عارمة، وتعاني من مشكلات كبيرة وخطيرة، فالوضع السياسي غير مستقر ومفتوح على احتمالات كثيرة، الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا والمعيشية ترديا، في حين تزداد الأوضاع الاجتماعية اضطرابا والمجتمع تمزقا.

لم وأين الخلل؟

لم تكن ثورة 25 كانون الثاني/يناير، كما ثورات الربيع العربي الأخرى، كالثورات التي شهدها العالم في القرون الماضية (الفرنسية، الأمريكية، الروسية، الصينية... الخ) خططت لها وقادتها قوى منظمة بقيادة موحدة، كانت هبة شعبية على خلفية المظالم والغبن والاستئثار وكبت الحريات والفقر والبطالة وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، يمكن أن نعتبرها نمطا عربيا للثورة، وقد جاءت الريح المحلية والدولية مواتية فأطاحت النظام السابق، لكنها دخلت في متاهة خانقة بداية عبر اللعبة التي قام بها الرئيس المخلوع حسني مبارك بتسليم السلطة للمجلس العسكري، وهو جهة ذات مصالح تتعارض مع الثورة وأهدافها إلى درجة التناقض، ثم عبر الانتخابات التي أتت بالقوى المنظمة، والتي تمتلك خبرات في إدارة معركة انتخابية، ولديها ما تحتاجها من أموال ودعاية..الخ، فحققت جماعة الإخوان المسلمين فوزا كاسحا في الانتخابات البرلمانية، تلاها حزب النور السلفي، على حساب القوى التي فجرت الثورة (الشباب) ودفعت كلفتها البشرية من أرواح شبابها.

مع فوز الإخوان وتفاهمهم مع المجلس العسكري جرت عملية إقصاء وتهميش لشباب الثورة، وقد عمق نجاح الإخواني الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية رغبة الجماعة في ابتلاع الدولة، بعد أن نجحت في اختطاف الثورة، عبر عملية أخونة متصاعدة لها (صياغة دستور بمواصفات إخوانية، تشكيل وزارة إخوانية وتعيين محافظين ومديرين للمؤسسات الحيوية بمعايير الولاء الحزبي، إصدار إعلان دستوري يحصن قرارات الرئيس ويمنع الاعتراض عليها أو عرضها على المحكمة الدستورية العليا).

تجاهل الرئيس مرسي أنه نجح بنصف أصوات الذين شاركوا في الانتخابات، وهم أقل من نصف المواطنين الذين يحق لهم المشاركة في التصويت، أي أنه نجح بربع أصوات الناخبين، وأن مصر في مرحلة انتقالية، وأنها تعاني من مشكلات كبيرة، وأن المنطق السياسي يفرض التوجه إلى تكريس وفاق وطني، والتفاهم مع القوى الأخرى والعمل معا على حل المشكلات وتلبية تطلعات المواطنين، وهذا أحدث فجوة كبيرة بين شباب الثورة وقطاعات شعبية واسعة والسلطة الجديدة، وقد زاد الأمور تعقيدا بفتحه معركة ضد القضاء والإعلام قبل أن يقع في غلطة الشاطر، كما يقولون في مصر، عبر الاصطدام بالمؤسسة العسكرية بإقالة المشير طنطاوي وسامي عنان، والسعي لمد نفوذ الإخوان إليها والإمساك بها عبر تعيين ضباط موالين أو قريبين من الجماعة. وهذا وحّد المعارضة الشبابية والحزبية والمؤسسة العسكرية في مواجهة النظام الجديد.

غير أن ما حصل بعد عزل مرسي وإسقاط نظام الإخوان لم ينه مشكلات مصر بل زادها تعقيدا ودموية بداية بلجوء السلطة الانتقالية، ونواتها الصلبة المؤسسة العسكرية، إلى استخدام العنف ضد المعتصمين والمتظاهرين، وإصدار قوانين غير ديمقراطية مثل قانون التظاهر، وتوسيع دائرة البطش لتطال شباب الثورة، ودخول الجماعات السلفية الجهادية ساحة الصراع والبدء باستهداف رجال الشرطة والجيش في سيناء أولا، ثم في مدن وبلدات الوادي تاليا قبل أن تنوع عملياتها وتستخدم السيارات المفخخة والانتحاريين واغتيالات قادة في المخابرات والشرطة، ورد السلطة التصعيدي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية وتجريم المنتسبين إليها، وإدخال البلاد في صراع حدي: قاتل أو مقتول.

لم تنجح السلطة الجديدة، مع العنف والاعتقالات والأحكام القضائية العالية، في احتواء التظاهرات والحد من حركة شارع الإخوان، وما زاد الطن بلة أنها لم تحقق، مع الدعم الخليجي الاستثنائي، إنجازات كبيرة في حل مشكلات المواطنين المعيشية والخدمية. جماعة الإخوان المسلمين من جهتها لم تطرح بدائل سياسية لإخراج البلاد من النفق المظلم فهي متمسكة بعودة مرسي، وطيّ صفحة الانقلاب وبرنامجه السياسي، مع أنها لا تمتلك فرصة تحقيق هذا الهدف، وتتجاهل أن الانزلاق إلى معركة صفرية يدمر البلد وينفر المواطنين، خاصة مع الخطاب الطائفي (كان تعليق الإخواني أحمد منصور، مقدم برامج في قناة الجزيرة، على تكليف عدلي منصور بالرئاسة المؤقتة بـ "أن الأخير ليس مسلما وأنه سبتي"، واتهامه الكاتب محمد حسنين هيكل بـ"الإلحاد") وغير المتوازن الذي تتعامل به مع الآخر، الأقباط بشكل خاص، مع أنها تتطلع إلى الغرب للوقوف معها باعتبارها تمثل الشرعية في معركتها ضد العسكر.

تعكس الأوضاع المضطربة والمواجهات الدامية، وتأرجح مواقف المواطنين مما يحصل، حالة ضياع وانسداد أفق، فالأوضاع السياسية تتجه نحو مزيد من التأزم والاختناق في ضوء الانقسام العمودي والانزلاق نحو مواجهة شاملة، فالمواقف المعلنة على جانبي الصراع لا تشير إلى بوادر مهادنة أو قبول بحل وسط، وما يزيد الأوضاع سوءا غياب طرف ثالث يقوم بدور لرأب الصدع والتقريب بين مواقف الطرفين، ما يرجح الذهاب نحو مزيد من التصعيد، خاصة في ضوء محاكمات الرئيس المعزول وقيادة الإخوان المسلمين بموجب قرار اعتبار الجماعة حركة إرهابية، واحتمال إصدار أحكام كبيرة قد تصل إلى أحكام بالإعدام، ما ينذر باستمرار الصراع وتمدده ووقوع خسائر مادية وبشرية كبيرة وانزلاق البلاد نحو الفوضى. فخارطة الطريق التي طرحها نظام ما بعد الانقلاب العسكري لن تكون مجدية ما لم يسود الاستقرار، وما لم يبرز ميل للذهاب إلى حل وسط يقرب مواقف طرفي الصراع ويفتح الباب لحل سياسي مقبول يضع البلاد على طريق الاستقرار.

لقد انقسم المجتمع المصري عموديا بين مؤيد للانقلاب ومؤيد للـشرعية، ودخلت أطراف إقليمية على خط الصراع (تركيا وقطر في جانب الإخوان المسلمين، والسعودية والإمارات والكويت في جانب المؤسسة العسكرية) عبر الدعم السياسي والمالي والإعلامي لطرفيه، ودولية تتحفظ على شرعية الانقلاب وتنتقد استخدامه العنف المفرط، وهذا دفع طرفي الصراع إلى التشدد وعقّد الوضع وجعل فرص التفاهم الداخلي أكثر صعوبة وكلفة، وأدى التصلب إلى انعدام فرص وجود تيار ثالث وفرض على جميع القوى إما الالتحاق بالإخوان أو الالتحاق بالمؤسسة العسكرية (انحاز حزب النور السلفي إليها بدفع سعودي حيث المملكة راعيته وممولته) وتكريس المشير السيسي لقيادة البلاد لضمان المحافظة على مصالح الأخيرة وضباطها، إذ من المعروف أن للمؤسسة العسكرية مصالح مادية ومشاريع استثمارية ضخمة وحصتها من الميزانية كبيرة، ناهيك عن حصتها من المساعدات الخارجية، وللضباط، خلال الخدمة أو بعد التقاعد، امتيازات كبيرة تجعلهم حريصين على الدفاع عنها.

يهدد هذا الانقسام الحاد والتصلب في المواقف بفرط الاندماج الوطني، وتحويل المجتمع المصري إلى جزر متباعدة ومتنافرة ومتصارعة، وهذا سيعمق الفراغ وحالة انعدام الوزن التي يعانيها العالم العربي، وسيكشف النظام الإقليمي العربي سياسيا وعسكريا أكثر مما هو مكشوف.

يستدعي الخروج من النفق المظلم من جميع القوى المصرية الاقتداء بالتجربة التونسية والقبول بحل وسط وبتقديم تنازلات متبادلة تهدئ التوتر وتخفف الاحتقان، ومن الدول العربية والصديقة المساعدة على إيجاد هذا الحل كمدخل للانتقال إلى حل نهائي مقبول لأن بقاء المناخ السائد نتائجه وخيمة وليست في صالح أحد.

"المدن"
 

التعليقات