28/09/2015 - 17:29

نحن أبناء أكتوبر 2000/ ممدوح اغبارية

نحن أبناء أكتوبر الذين شكلت الانتفاضة الثانية مفصلاً أساسياً في وعينا السياسي وصقل توجهاتنا الوطنية.

نحن أبناء أكتوبر 2000/ ممدوح اغبارية

كانت أياماً متوترة وفيها مدٌ ثوري، عندما قررت لجنة المتابعة إعلان الإضراب في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر دفاعا عن القدس والأقصى الشريف وحدادا على الشهداء الذين سقطوا في باحاته. وتوالت الأحداث عندما قمعت قوات الأمن الإسرائيلية مظاهرات الاحتجاج والتضامن بالرصاص الحي، قاتلة بذلك بين الأول والثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 13 شهيداً، بالإضافة إلى جرح واعتقال العشرات من المتظاهرين والمتظاهرات.

نحيي هذه الأيام ذكرى انتفاضة القدس والأقصى (الانتفاضة الثانية) وسط انتهاكات متعددة ومتجددة لحقوق المجتمع العربي على كل المستويات، أوامر هدم بيوت بالجملة، مخططات ترحيل في النقب، ملاحقة للنواب العرب وتضييق مستمر عليهم، قوانين عنصرية تشدد على الهوية اليهودية للدولة، وسقوط آخر معاقل 'العدالة الليبرالية' الإسرائيلية بتعيين آيليت شكيد وزيرة للقضاء. من هنا، يُحيي فلسطينيو الداخل هذا العام، ذكرى هبّة القدس والأقصى، وسط ظروف شبيهة بتلك التي أطلقت شرارة انتفاضة عام 2000.

في هذه الأيام العصيبة، لا بد من تصويب بعض الأفكار التي تتعلق بالانتفاضة الثانية خصوصاً في ما يتعلق بدور الشباب، كي لا تتحول الذكرى إلى مجرد مناسبة حزينة نجتر فيها ذكرى الشهداء الأبرار، دون أن نستخلص العبر التي قد تحول بيننا وبين تكرار عدوانية الاحتلال التي يراق فيها الدم بلا ثمن أو قصاص. عبر من شأنها أن تمنع انطفاء لهيب الانعتاق من الظلم.

لعلّ الأسباب التي أدت إلى هبّة القدس والأقصى، لا تزال قائمة، وربما باتت أشد وطأة، إذ أن الخطر على المسجد الاقصى تحديدا بات أكبر، في حين نشهد انتهاكات متكررة لحرمته. وبات من الواضح أن هناك نيّة مبيّتة لتطبيق تقاسم زماني ومكاني للأقصى، وهو أمر صار جلياً في محاولات منع المسلمين من الصلاة فيه، مقابل السماح لليهود والمستوطنين باقتحامه، عدا عن الحفريات المستمرة تحته. كما أن لاعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المرابطين والمرابطات في الأقصى واستهدافهم مدلولات خطيرة. خلاصة القول إن احتمالات التصعيد وتفجر الوضع السياسي هي مسألة وقت. 

لا يختلف اثنان في أن هبة عرب الداخل في الانتفاضة الثانية - أكتوبر 2000 كانت شعبية وعفوية بامتياز. كما لا يختلف اثنان أيضا على الدور المركزي الذي لعبه الشباب في اندلاع الهبة، حيث حطّموا الصورة النّمطية التي ارتسمت حوله، ومفادها أنه شباب مؤسرل مستسلم للواقع وغير معنيّ بتغييره. كان خروج الشباب إلى الشوارع ليس فقط احتجاجا على انتهاك شارون للحرم الشريف، بل كان تعبيرا أصيلا أيضا عما تراكم في نفوس الشباب من مشاعر الغضب والاستياء والنفور من الدولة والرغبة في التغيير. لكن للأسف الشديد تراجع الشباب وسرعان ما فقدوا زمام المبادرة بعد أيام قليلة من الهبة. تراجعوا وبرزت العقلية القديمة وتصدّرت المشهد الاعلامي والسياسي.

كتب الدكتور مهند مصطفى في كتابه 'الفلسطينيون في إسرائيل' ما يلي: 'تمكنت هبة القدس والأقصى من تفكيك الخطاب السياسي القديم المتمحور حول تحقيق المساواة من خلال إنهاء الاحتلال في الأراضي المحتلة عام 67'  كما كتب الدكتور عزمي بشارة في مقالته 'فصل جديد في تاريخ الجماهير العربية في الداخل' بأن 'هبة القدس والأقصى أسقطت الخطاب السياسي القديم كليا وأنشأت خطابا سياسيا جديدا صداميا مع يهودية الدولة وأن حل القضية الفلسطينية لا يشمل ولا يؤكد المساواة للمواطنين العرب في إسرائيل”.

لكن ما هو هذا الخطاب السياسي الجديد؟ ما هي ثوابته؟ وما هي إحداثياته؟ أسئلة بحاجة لإجابات. أسئلة بحاجة لأن يكون للشباب دور في صياغة مشروع وطني جديد يتعاطى معها. والأهم، علينا أن نتسآل أي دور للشباب الآن بعد 15 عاما؟ هل سيظل حائرا، واقفا على ضفة النهر يراقب الماء؟ أم سيندفع ويسبح عكس التيار إن لزم الأمر من جديد لاستعادة الحلم الذي استشهد من أجله الشهداء. 

لا أبالغ إذا قلت أن قضية القدس والأقصى هي قضية الشباب الأساس. وهي المنارة النضالية لجيلنا، الجيل الثالث والرابع بعد النكبة، نحن أبناء أكتوبر الذين شكلت الانتفاضة الثانية مفصلاً أساسياً في وعينا السياسي وصقل توجهاتنا الوطنية. إن فتح قضية ضعف الضغط الجماهيري لمحاكمة القتلة مسؤوليتنا جميعا . لذلك علينا الضغط على الأجسام السياسية بهدف إقرار الأول من أكتوبر يوم إضراب عام دون الحاجة لإقراره كل عام. كما أن المطالبة بمعاقبة المجرمين ينبغي أن تظل على رأس سلّم أولوياتنا السياسية والجماهيرية. 

إن تاريخ 1.10 هو يوم مفصلي لذكرى إخوتنا الشهداء الذين لبّوا نداء الفعاليات السياسية حينها وخرجوا للتظاهر من أجل الأقصلا. إكراما ووفاء لهم كان حريا بأن تعلن لجنة المتابعة عن إضراب شامل في هذا التاريخ، وذلك بموازاة حملات توعية وتثقيفية لجيل الشاب ليتعرفوا على هذه القضية التي تعتبر مرحلة هامة في تاريخ فلسطيني الداخل. 

أخيرا، إخوتي الشهداء: نلتم الشهادة وهم حصدوا العار. أنتم منارة الطريق وإرث أبنائنا النضالي.

التعليقات