04/10/2015 - 13:21

انتفاضة ثالثة؟ من يختار التسميات/ رامي منصور

بعد عشرة أعوام على قمع الانتفاضة الثانية، إسرائيليا وفلسطينيا، لم يعد للفلسطيني ما يخسره سوى قيوده. فليسمها ناحوم برنياع أو غيره من الكتاب الإسرائيليين انتفاضة ثالثة أو إرهابا، لكنها من المؤكد هي كسر للوضع القائم الذي كان مريحا جدا جدا لل

انتفاضة ثالثة؟ من يختار التسميات/ رامي منصور

يجمع أبرز المحللين في إسرائيل وأعضاء في الكنيست من المعارضة والائتلاف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فقد السيطرة على الأوضاع في القدس والضفة الغربية المحتلتين، ويسارع عدد كبير منهم إلى تسمية التصعيد الفلسطيني (الفردي!) في شوارع الضفة والقدس بالانتفاضة الثالثة.

ولا يهدف هؤلاء بمسارعتهم لإطلاق هذه التسمية إلى دفع الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن تصعيدها بالأقصى وبكل ما يتعلق بتصعيد البناء الاستيطاني، وإنما يسعون لتحريض الحكومة لإتاحة المجال للجيش وقوى الأمن استخدام المزيد من البطش والقتل في القدس والضفة، إضافة إلى المزايدة على نتنياهو سياسيا بأنه يفقد السيطرة سياسيا وأمنيا. كما تهدف هذه المسارعة بالتسمية إلى وسم النضال الفلسطيني بالإرهاب خصوصا وأنهم يربطون بين الأحداث الأخيرة والانتفاضة الثانية التي شملت مواجهات مسلحة وعمليات انتحارية، وكأنهم ينفذون تعليمات لرسم ملامح المواجهة المقبلة وفق رؤيتهم ويريدونها مواجهة مسلحة واسعة حتى يتم سحق النضال الفلسطيني وإظهاره كأنه مواجهة بين طرفين متساويين.

فلسطينيا، يجب ألا نقع في فخ إغراء التسميات على رغم من أهمية التسمية في تكوين الوعي، لأن مواجهة ما يجري على أرض الواقع من جرائم إسرائيلية وتحديدا في القدس والأقصى أهم  بكثير من التسميات.

يذهب المحللون في إسرائيل إلى أن السبب في التصعيد الأخير في القدس والضفة هو انسداد الأفق السياسي وتحديدا توقف المفاوضات، وهو ما يؤكد أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية أيضا تستخدم هذه المفاوضات لإدارة الصراع وكـ”منوم” للشعب الفلسطيني وغض بصره عما يجري على أرض الواقع. لكن يبدو أن مفعول المنوم انتهى ليس بسبب توقف المفاوضات وسقوط وهم التسوية، وإنما أيضا بسبب الممارسات الإسرائيلية وخصوصا المستوطنين في القدس والضفة والتي أصبح المواطن الفلسطيني يحسها يوما. فالوضع القائم الذي حاولت إسرائيل والسلطة الحفاظ عليه من خلال التفاوض لم يوفر في نهاية المطاف لا الأمن ولا الرخاء والرفاهية للمواطن الفلسطيني، ويبدو أن الإسرائيلي لن يحظى بها في الفترة المقبلة وتحديدا في المستوطنات والقدس، لكنه الأخير تمكن في فترة المفاوضات من الاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية فيما خسر الفلسطيني المزيد من أرضه.

تسرب الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عبر المراسلين العسكريين بأن أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بدأت تفقد السيطرة في مخيمات اللاجئين في الضفة، وأن الرئيس الفلسطيني لا زال يتمسك بالتنسيق الأمني مع الاحتلال لكن حركته (فتح) بدأت بتصعيد لغتها الخطابية فيما سمحت الأجهزة الأمنية بتنظيم مظاهرة بمشاركة شعبية واسعة وهو ما لم يكن في السابق.

وبنظر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن ما يميز التصعيد الحالي في القدس عن الهبات في العام الماضي (بعد استشهاد محمد أبو خضير) وفي العام الذي سبقه (عمليات الجرافات الفردية) أن موقف السلطة الفلسطينية ليس واضحا ومختلفا عن الأعوام السابقة. وبحسب هذه الأجهزة فإن التطورات الأمنية في الأسابيع المقبلة مرهونة بموقف عباس، هل سيصدر تعليماته لأجهزته الأمنية لقمع وإحباط أي تصعيد نضالي فلسطيني في الضفة كما فعل في السنوات السابقة، أم أنه سيفقد السيطرة على الأوضاع الأمنية المتدهورة.

في هذا الادعاء كثير من الخبث، فهو يحمل عباس مهما فعل مسؤولية التصعيد في القدس والضفة، ويبدو أنه إعلان بداية مرحلة التخلص منه بعدما استنفذ دوره كـ”مقاول ثانوي” لأمن الاحتلال، بحسب تعبيره المحلل العسكري في “هآرتس”، عاموس هرئيل.

وعودة إلى بدء. يجيب ألا تغريبنا المسميات وألا نضيع الحقيقة، ويجب أن نعيد المسميات إلى أصلها. القدس والضفة تحت احتلال إسرائيلي مباشر أدواته عديدة منها السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. وما يجري في القدس والضفة هو نتيجة التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق والذي وصل ذروته في الأسابيع الأخيرة من اجتياجات متكررة للأقصى وتقسيمه زمانيا ومكانيا. وما يقوم به الفتية الفلسطينيون في القدس ليس نتيجة تحريض السلطة أو الفضائيات العربية كما حدث في الانتفاضة الثانية (حملت إسرائيل حينها الشهيد ياسر عرفات مسؤولية ما سمته الإرهاب والتحريض على الإرهاب، وحملت قناة “الجزيرة” مسؤولية إشعال الأوضاع). العمليات الفردية في القدس هي نتيجة التصعيد الإسرائيلي أولا، وعجز السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل الفلسطنية ثانيا عن وقف الاستباحة الإسرائيلية للقدس والأقصى، وإنشغال العالم العربي بحروبه الأهلية والثورة المضادة، وفي المرتبة الأخيرة فشل المفاوضات التي لم توفر لا الأمن ولا الرفاه.

***

لم تنفجر قنبلة عباس في الأمم المتحدة، لكن قنبلة أخرى انفجرت في القدس، ولست في وارد التنظير لسبل نضال الفلسطينيين، لكن يبدو أننا أمام مرحلة جديدة سيخوض فيها الفلسطيني مواجهة ليس فقط أمام الجيش الإسرائيلي وإنما جيش المستوطنين المنتشر في القدس والضفة.

وفيما سعت حكومة نتنياهو ووزير الأمن الداخلي فيها، اليميني غلعاد أردان، مواجهة ما يجري في القدس بسن تشريعات عقابية وانتقامية من المنتفضين، مثل فرض غرامات على والدي راشقي الحجارة وتحديد عقوبة دنيا. لكن سرعان ما جاء الرد في القدس. لن نكون أسرى… بل شهداء.

وبعد عشرة أعوام على قمع الانتفاضة الثانية، إسرائيليا وفلسطينيا، لم يعد للفلسطيني ما يخسره سوى قيوده. فقد استشهد منذ الانتفاضة الثانية نحو ألفين طفل، ومنذ شهر تموز/ يوليو الأخير سقط ١٥ شهيدا. فليسمها ناحوم برنياع أو غيره من الكتاب الإسرائيليين انتفاضة ثالثة أو إرهابا، لكنها من المؤكد هي كسر للوضع القائم الذي كان مريحا جدا جدا للاحتلال وزاد من توحشه. 

تغيير الوضع القائم هو المهم، والتسميات تأتي لاحقا، ومهما تكن التسمية فإن ما يجري اسمه الوضع الطبيعي الذي تأخر حصوله.

التعليقات