07/10/2015 - 17:46

فراغ وامتلاء.../ عدلي صادق

تنشأ هذه الافتراضات وتتضخم، في غياب استراتيجية العمل الوطني الواحدة، التي يمكن أن تتوافق عليها القوى الفاعلة، وتوضع بنودها ومحدداتها بشفافية، في إطار حوار وطني مسؤول. فالعدو هو الذي يفرض علينا المعركة. و"المقاطعة" نفسها، وعباس تحديدًا.

فراغ وامتلاء.../ عدلي صادق

تسارعت الأحداث في فلسطين، وبدا واضحًا أن المحتلين اتخذوا قرارهم، وهو تفعيل قوة البطش العسكرية لمواجهة الشبان الغاضبين. وحيال هذا الواقع، لا يملك طرفٌ، في المشهد الإقليمي المسكون بالاضطراب، ممارسة أي نوع من الضغوط في أي اتجاه، لكي يتراجع الطرف المعتدي أصلًا وفرعًا، ويراجع سياساته ومواقفه ويكفّ عن ممارساته العنفية، على قاعدة وحيدةٍ ولا مناص منها، هي استحالة أن يبقى الاحتلال العسكري للضفة الغربية.

بدت القيادة الفلسطينية عاجزة للأسف ومرتبكة، ومضغوطة بين التزامين متناقضين، لا ترى فكاكًا من أحدهما أو كليهما، أولهما التزامها الأمني المعتاد، مضافًا إليه حرصها على دحض الاتهام الإسرائيلي لها بالتحريض على العنف. والثاني التزامها بموقع مسؤوليتها عن الشعب الفلسطيني. فقد تمثل العجز والارتباك في مشهد قمع مسيرات شعبية احتجاجية، آخرها (قبل كتابة هذه السطور) ما حدث في قرية سردا شمال رام الله.

فوجئ الرئيس، محمود عباس، بعد إعلانه عدم الالتزام بالاتفاقات، طالما أن إسرائيل لا تلتزم بها؛ أن الاختبار سيكون سريعًا وعلى مقربة من "المقاطعة". فقد ظنّه، ربما، سيكون أبعد قليلًا، في القدس، حيثما لا ولاية أمنية للسلطة الفلسطينية. ولمّا وقعت الأحداث في الضفة، لم يكن من بين التدابير الأمنية للسلطة ما ينم عن غضب أو موقف جديد من الاحتلال، فلو التزمت قوة الشرطة والأجهزة الأمنية مقرّاتها، واشترطت لتهدئة الناس، بالحُسنى، أن تنكفئ القوة الاحتلالية الجامحة، وأن تكون ثمة تدابير مقابلة من جيش الاحتلال لكبح المستوطنين. لكن، ظلّ العدو على دأبه، يخلط الغرور بالعربدة والنار، ويكيل الاتهامات للرئيس عباس.

وفي ظروف غياب أي صوت دولي نافذ، يضع النقاط على الحروف، ويقول للمحتلين، إن مستوطنيكم المتطرفين هم سبب التوتر، وإنه لا عودة للهدوء مع استمرار وجودهم؛ أصبح وضع السلطة الفلسطينية معقدًا، بل أقل تعقيدًا من حلها، لكي تتبدّى فلسطين، على أرض الواقع وبشواهده "دولة تحت الاحتلال". فإن كان هذا هو حال "الدولة" فبأي صفة، وفي سياق أي مهام، تتصدّى الشرطة الفلسطينية للتظاهرات الاحتجاجية؟ إن كان الجواب، إنها تتصدى لكي لا تتداعى الأوضاع إلى الأسوأ، فمن ذا الذي يقرر أن التظاهرة الشعبية الاحتجاجية تمثل عملًا عُنفيًا خارجًا عن النظام؟ وأين هي القوى السياسية وقيادات الفصائل التي يُنفق عليها الشيء الكثير من مال الشعب الفلسطيني؟ ولماذا لا يتصدّر هؤلاء التظاهرات الشعبية، ويُظهرون استعدادهم لدفع الأكلاف في وقت الشدة، وهم الذين يحظون بالأكلاف في وقت الرخاء؟

لنصارح، في هذه السطور، ببعض النقاط بإيجاز. ثمّة فراغ يمثله غياب قيادات القوى السياسية، تقابله حال الامتلاء الشعبي في المشهد. وثمّة غياب لتوافق الحد الأدنى، بين القوتين الفصائليتين الأكبر (فتح وحماس) أنتج غيابًا لحضورها معًا في الشارع، في لحظاتٍ لا معنى ولا شرف فيها للخصومة. وثمّة انزياح بعض من قاعدة فتح عن رأس هرمها، على النحو الذي اضطر إليه هذا البعض لتلبيته واجب التصدّي، وارتاح إليه رأس الهرم، توخيًا للسلامة والتبرؤ من المسؤولية. لكن ذهنية المؤسسة الأمنية لا تزال تنظر بعين الريبة لمستجداتٍ كثيرة أملاها تصعيد العدو، فترى، مثلًا، البعض الفتحاوي الذي يتصدّى موحى له ومدفوعًا من هذا القيادي أو ذاك، ممن يعارضون توجهات الرئيس عباس، أو ترى، مثلًا، في مشاركة حماس في التصدّي محاولة منها لخلط الأوراق والذهاب بالضفة إلى انتفاضةٍ ثالثةٍ، تراها "المقاطعة" جلابة كارثة.

تنشأ هذه الافتراضات وتتضخم، في غياب استراتيجية العمل الوطني الواحدة، التي يمكن أن تتوافق عليها القوى الفاعلة، وتوضع بنودها ومحدداتها بشفافية، في إطار حوار وطني مسؤول. فالعدو هو الذي يفرض علينا المعركة. و"المقاطعة" نفسها، وعباس تحديدًا، لم يقصّرا في توصيف ما يفعله المحتلون. لذا، إن تسببت ردود الأفعال الشعبية في خسارةٍ أو في كارثة، فالمحتلون هم الذين يريدونها، وليس الذين يتصدّون لممارساتهم وجرائمهم.

التعليقات