12/10/2015 - 16:23

قطار الرعب/ مها سليمان

دخلتُ القطار و"إيدي على قلبي"، خوفا من أيّ اعتداء، أو هجوم، نصحني ولداي ألّا أسافر إلى العمل اليوم بسبب الأوضاع الأمنيّة المتردّية، لكنّني أصررت على الذهاب، فكيف نعيش إذا بقي كلّ منّا في بيته؟!.

قطار الرعب/ مها سليمان

الزمان: التاسعة صباحا.

المكان: القطار المسافر من حيفا إلى تلّ أبيب.

دخلتُ القطار و'إيدي على قلبي'، خوفا من أيّ اعتداء، أو هجوم، نصحني ولداي ألّا أسافر إلى العمل اليوم بسبب الأوضاع الأمنيّة المتردّية، لكنّني أصررت على الذهاب، فكيف نعيش إذا بقي كلّ منّا في بيته؟!.

لكن، في الحقيقة، شعرت بخوف عند جلوسي على مقعد وسط مجموعة من النساء والرجال وبعض الجنود، شعرت أنّ نظراتهم مصوّبة إليّ، إلى شكلي، تصرّفاتي، حقيبتي… يا إلهي! لا مكان للشجاعة في هذه المواقف. الخطر يتربّص بي، ربّما أكون مخطئة، لكنّني لا أستطيع منع نفسي من الخوف. حوّلتُ هاتفي إلى وضع الصامت؛ فموسيقى رنين هاتفي عربيّة، ستكشفني، صحيح أنّ شكلي ولون شعري الأشقر يُبعدان عنّي 'شُبهة' العروبة، لكن عليّ ألّا أنطق كلمة واحدة تكشف انتمائي. ماذا أفعل؟ كيف سأقضي الوقت في القطار طيلة الساعة القادمة، دون أن أفتح فمي وأتكلّم؟!.

سأُخرج أوراقا من حقيبتي كي أكمل مراجعة مادّة لم أُنهِ مراجعتها، لكن، مهلا، لن أستطيع ذلك، المادّة بالعربيّة، وسيعرفون من خلالها أنّني لستُ منهم، يا إلهي! ماذا أفعل؟ أخاف إن نمتُ، أن يحدث في القطار هجوم أو عمل خطير، فلا أستطيع الهروب. هل أُمضي الوقت في النظر إلى مَن حولي وإلى المناظر في الخارج ريثما أصل مكان عملي؟! لا، أعرف نفسي، سوف أغفو، فالنظر إلى الناس ومراقبتهم يُشعرانني بالملل، ماذا أفعل؟ أمامي ثلاثة أرباع الساعة، عليّ أن أفعل فيها شيئا يجعلني لا أشعر بالوقت، نعم، سأتناول فطوري، وهذا سيخفّف عنّي الملل. فتحت حقيبتي لأُخرج زوّادتي، لكنّني سرعان ما تراجعتُ، فزوّادتي فطائر بالسبانخ، لا يصنعها 'أولاد عمّنا'، هذه أكلة عربيّة، بلاها، بلا ما أتسمّم ع الصبح!.

في المقعد المقابل، تجلس امرأة من أولاد عمّنا تتحدّث بالهاتف مع طرف آخر، بصوت مرتفع، وبمنتهى الحرّيّة. أحسدها، يا إلهي، ما أتعسنا!.

أشعر أنّني قضيتُ شهرا في هذا القطار، أخيرا وصلت إلى تلّ أبيب. لكنّ الخوف لم ينتهِ، أمامي مسافة عشر دقائق لأصل مكان عملي، الأمر لا يخلو من الخطورة، المشي من محطّة القطار إلى مكان العمل، يزيدني خوفا؛ ماذا لو أراد أحد أبناء شعبي الانتقام بطريقته ضدّ أولاد عمّنا في هذا المكان؟ لا شكّ في أنّه سيظنّني منهم بسبب شكلي ولون شعري، يا إلهي! ما هذه المصيبة؟ أريد العودة إلى أسرتي سالمة، هذا ليس وقت الموت.

لم تكن المسافة من محطّة القطار إلى مكان العمل طويلة بهذا الشكل، ما الذي جعلها تطول هذه المرّة؟ ها قد اقتربتُ، لم يعد أمامي سوى بضع خطوات… أخييييييرا، دخلتُ العمارة، أنا في أمان الآن، كلّهم يعرفونني، الحمد لله، لكن ماذا مع العودة في المساء؟

يبدو أنّني سأكون على موعد مع فيلم رعب جديد.

التعليقات