23/11/2015 - 15:19

حظر الحركة الإسلامية... كسر لقواعد اللعبة/ سليمان أبو إرشيد

يعتبر قرار الحكومة الإسرائيلية إخراج الحركة الإسلامية، بقيادة فضيلة الشيخ رائد صلاح، عن القانون ضربة في صميم العمل السياسي لفلسطينيي الداخل الذي تشكل هذه الحركة أحد أركانه الأساسية.

حظر الحركة الإسلامية... كسر لقواعد اللعبة/ سليمان أبو إرشيد

يعتبر قرار الحكومة الإسرائيلية إخراج الحركة الإسلامية، بقيادة فضيلة الشيخ رائد صلاح، عن القانون ضربة في صميم العمل السياسي لفلسطينيي الداخل الذي تشكل هذه الحركة أحد أركانه الأساسية. فبالإضافة إلى الضربة المعنوية البالغة فإن القرار سيزعزع الأساس المادي لهذا البنيان السياسي والاجتماعي الذي نشأ وتبلور على ركام النكبة، التي دمرت الكيان السياسي والاقتصادي والثقافي الفلسطيني، وشردت الشعب عن أرض وطنه، تاركة بقايا باقية كالأيتام على موائد اللئام.

لقد شقت جماهيرنا التي عاشت تداعيات زمن النكبة وقهر سنوات الحكم العسكري، وما زالت تصارع البقاء وسط أجواء التحريض الدموي ودعوات الترانسفير- شقت طريقها وطورت بشق الأنفس أدوات عملها السياسي والاجتماعي وبنت مؤسساتها الوطنية في سياق صراع مرير ومتواصل مع المؤسسة الإسرائيلية وأذرعها الأمنية التي حاولت، وما زالت، وضع العصي في دواليب هذه المسيرة ومنع تطور مسارها باتجاه الالتحام بشعبنا وقضيته والتواصل مع فضائنا العربي الإسلامي.

على مدى أكثر من 30 عاما بعد النكبة ظل الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي قام بعد الاحتلال مباشرةً، نتيجة لدمج الشيوعيين العرب الذين بقوا داخل الخط الأخضر بالحزب الشيوعي الفلسطيني (PKP) الذي كان مؤلفاً من مهاجرين يهود، بعد أن اعترف هذا الحزب بدولة إسرائيل فور قيامها، ووقَّع ممثله (مائير فلنر) وثيقة استقلال إسرائيل، ظل هو الحزب غير الصهيوني الوحيد العامل في وسط جماهيرنا، إذا استثنينا بضع سنوات ( 1958 -1964) حيث إقامة الجبهة الشعبية عام 1958 ثم تأسيس حركة الأرض التي بدأت السلطات الإسرائيلية بملاحقتها مبكرا، حيث أغلقت جريدتها التي تحمل اسم الأرض عام 1960 وأخرجتها عن القانون عام 1964 ورفضت قائمتها الانتخابية واستئنافها للعليا في انتخابات الكنيست عام 1965 ثم اعتقلت ونفت قادتها، صالح برانسي وحبيب قهوجي ومنصور كردوش وصبري جريس.

لقد أعاق قمع حركة الأرض وإخراجها عن القانون تشكل حركة وطنية فلسطينية لمدة عقدين إضافيين، هما المسافة الزمنية التي فصلت بين تشكيل حركة الأرض وانطلاق حركة أبناء البلد التي ظهرت بوادرها في منتصف السبعينيات وانطلقت عمليا في نهايتها. وخلال تلك الفترة  دأبت المؤسسة الإسرائيلية على خنق أي حراك سياسي، وبالتالي منع نشوء حياة سياسية تنتظم في إطار تعددية حزبية وتخلق ركائز مجتمعية تخرج جماهيرنا من حالة الانكسار والإلحاق التي أريد لها البقاء في دائرتها. ما أردنا قوله إن تدخل السلطة التعسفي، وإن كان غير قادر على الوقوف في وجه تطور جماهيرنا السياسي والاجتماعي، فإن باستطاعته إعاقة هذا التطور وفرملته.

انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، ثم انتفاضة يوم الأرض عام 1976 فجّرا طاقات شعبنا وجماهيرنا في الداخل التي تفاعلت مع ثورة شعبها ورفدت الحركة الوطنية الفلسطينية بروافد سياسية، حيث انطلقت حركة أبناء البلد التي شقت الطريق للحركة التقدمية وغيرها من الأحزاب، مبشرة بمرحلة جديدة من النهوض السياسي، ومن ثم ظهور الحركة الإسلامية، وهي مرحلة توّجت لاحقا بتشكيل التجمع الوطني الديمقراطي في أواسط التسعينيات. خلال هذه المرحلة تشكلت الهيئات الشعبية والتمثيلية، مثل لجنة الدفاع عن الأراضي ولجان الطلاب العرب، ولاحقا لجنة الرؤساء ولجنة المتابعة التي شكلت إطارًا جامعا للتعددية السياسية الناشئة، ناهيك عن تشكل عشرات الجمعيات الأهلية.

خمسون  سنة فصلت بين إخراج حركة الأرض عن القانون وإخراج الحركة الإسلامية - الشق الشمالي عن القانون، اعتقدنا خلالها بأن إسرائيل باتت أكثر ليبرالية بحيث يتسع صدر 'ديمقراطيتها' لحركة سياسية تنشط في العلن وتعمل وفق أنظمتها وقوانينها، كما اعتقدنا بأن عُودنا نحن قد اشتد وأن المؤسسة الإسرائيلية ستفكر ألف مرة قبل الإقدام على إعادة الكرّة.

يجب أن نعترف الآن بأن نظرتنا قد خابت بإسرائيل التي لم تتغير طبيعتها العدوانية والعنصرية خلال 50 سنة، فقرار حكومة نتنياهو بحظر نشاط الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون هو نسخة طبق الأصل عن قرار حكومة أشكول في حينه بحظر نشاط حركة الأرض، وهو قرار سياسي بامتياز وبمثابة إعلان حرب على الجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر ومحاولة بائسة لإعادتها الى حظيرة الحكم العسكري.

ويسعى نتنياهو وحكومته بهذا القرار لإعادة رسم حدود العمل السياسي لجماهير 48 التي شبت عن الطوق والتحمت بعمقها الفلسطيني وفضائها العربي الإسلامي، بعد أن كسرت حواجز الخوف وقيود الأسرلة.

 كما أن نظرتنا إلى المجتمع الإسرائيلي قد خابت، فالمجتمع الإسرائيلي من 'الحائط إلى الحائط' وقف من خلف قرار حكومة المستوطنين التي يرأسها نتنياهو، غير مكترث بكون إجراء من هذا النوع ينسف قاعدة أساسية من قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدّعي إسرائيل بأنها تشكل دعاماتها الأساسية، ورغم إدراكه أن هذا الإجراء يتخذ في نطاق الخط الأخضر وليس في الأراضي المحتلة عام 1967 ويطال مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية.

وعلى مستوى النخب السياسية، أيد 'المعسكر الصهيوني'، الذي يفترض أنه يضم معسكر السلام الإسرائيلي، هذه الخطوة التعسفية والمنافية لأبسط القواعد القانونية والديمقراطية، بل ولام حكومة نتنياهو على أن خطوتها جاءت متأخرة، فيما سكتت حركة ميرتس. وفي الساحة الثقافية والإعلامية خلت مساحة الرأي حتى في صحيفة 'هآرتس'، التي يفترض أنها مسرح النخبة 'اليسارية' في إسرائيل، من أي مقال رأي مناهض أو متحفظ على إخراج الحركة الإسلامية عن القانون. والحال كذلك يصبح الجسم الوحيد المعارض لهذا الإجراء هو 'الشاباك'!

لماذا الحركة الإسلامية الشق الشمالي:

لا شك أن إخراج الحركة الإسلامية عن القانون هو كسر لقواعد اللعبة وبقطع النظر عن التبريرات والذرائع التي يسوقها نتنياهو وإعلام حكومته، فإن قضيتين رئيسيتين تثيران المؤسسة الإسرائيلية ضد الحركة الإسلامية، فهي تصنف ضمن التيارات 'الانفصالية'، وفق تقسيمات 'المستعربين' من باحثين ومراكز تعنى بدراسة العرب في إسرائيل، فهي تعمل في هذا الباب على بناء الجمعيات والمؤسسات الوطنية أو الإسلامية خارج المظلة الإسرائيلية وفي نطاق ما تسميه بالمجتمع العصامي.

أما القضية الثانية فهي قضية القدس والأقصى والتي تشكل نقطة تقاطع بين جماهير الداخل الفلسطيني والضفة وغزة والشتات، وتلعب الحركة الإسلامية فيها دورًا رياديًا بعد انسحاب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من هذه الساحة، وهي بذلك تحمل،، لواء قضية توحّد فلسطين التاريخية، ويلتقي حولها العرب والمسلمون، بعد أن تخلى عنها الجميع.

التعليقات