27/11/2015 - 09:49

بين القيصر بوتين والسلطان إردوغان/ رامي منصور

خسارة أن يقوم طرف خارجي مثل تركيا بحمل راية الدفاع عن السوريين التركمان بدلا من أن تحميهم بلادهم وحكومتهم.

بين القيصر بوتين والسلطان إردوغان/ رامي منصور

يعكس تحيزنا غالبا، نحن العرب، إلى شخصيات سياسية قوية أو زعماء مثل فلاديمير بوتين أو رجب طيب إردوغان هوسا لدينا في تأليه أو تقديس الأفراد أو نقصا حقيقيا وحاجة ماسة لقائد “مخلص”. وظهر ذلك بشكل لافت في تعاملنا مع المواجهة الأخيرة بين روسيا وتركيا على أنها مواجهة شخصية بين القيصر بوتين والسلطان إردوغان، ويمكن أن نعزو ذلك إلى أننا ما زلنا ننتمي إلى بدايات القرن الماضي. لكن ليست روسيا بوتين ذاك الاتحاد السوفيتي الثوري اليساري المنتظر، وليست تركيا تلك الإمبراطورية العثمانية “رافعة راية الإسلام”. روسيا بوتين اليوم تنتمي إلى اليمين الأوروبي المتطرف (هل من داع للتذكير بعلاقات بوتين بليبرمان ومن على شاكلته من اليمين المتطرف في أوروبا)، كما أن تركيا إردوغان اليوم ليست تلك الأمبراطورية والقوة الإسلامية الضاربة، بل دولة قومية لها حدودها ولها مؤسساتها وتربطها بالغرب، وأميركا تحديدا، علاقات متينة إلى درجة الشراكة الإستراتيجية.

مر تصريح للرئيس التركي قبل يومين دون الالتفات إليه رغم أهميته كونه يوضح الخلفية الحقيقة للقرار التركي بإسقاط الطائرة الروسية وإطلاق المواجهة، إذ قال إن بلاده تصرفت دفاعا عن أمنها وعن “حقوق أشقائنا” في سوريا. والمقصود بالأشقاء هم التركمان السوريون الذين يصل تعدادهم إلى مئتي ألف نسمة، وهم ينتمون ثقافة ولغة ووجدانا إلى تركيا الأم التي ترى نفسها المسؤولة الحصرية عن مصير 83 مليون ناطق بالتركية منتشرين في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تحديدا وفي أوروبا أيضا، وترى فيهم جزءا من أمنها القومي. وعلى هذا الأساس تصرفت في مواجهتها الأخيرة وقرار إسقاطها الطائرة الروسية على الرغم من إداركها خطورة هذا القرار وما قد يترتب عليه من مواجهة مفتوحة، ليست علنية بالضرورة، مع روسيا.

سبق القرار محاولات روسية إيرانية مشتركة لاحتلال أو تحرير (كل من موقعه) ثلاث قرى تركمانية إستراتيجية في ما يسمى جبل التركمان (محور قرى غمام وبرج القصب وقزيل داغ)، وحسب خبراء فإن جبل قزيل داغ  أو ما يعرف بالجبل الأحمر يقع على مسافة قريبة جدا من الحدود التركية، وهو أعلى جبل مشرف على المنطقة، وفي حال سيطرة النظام على هذه المنطقة فإنه يكون قد حسن شروطه في المفاوضات الجارية ويزيد من قوة العدو اللدود لتركيا الأكراد وهذا الأهم. 

تركيا اعتبرت أن هذا التحرك اعتداء روسيا على شعبها في سوريا (الأشقاء بلغة إردوغان) فيما خرجت عدة مظاهرات في عدة مدن تركية في الأيام التي سبقت إسقاط الطائرة الروسية تندد بالتحرك الروسي في جبل التركمان.

هذه هي خلفية القرار التركي على الأغلب، ولا يجوز لنا تفسير هذا القرار الهام بنزوات أو “جنونيات” شخصية لرئيس قوة إقليمية مثل تركيا. 

والمشترك في هذا الشأن بين روسيا وتركيا هو أنها على استعداد “للذهاب بعيدا” للدفاع عن مصالحها القومية وشعوبها، بغض عن النظر عمن يرأس هذه الدول، أي أن تحركها ليس كرما أخلاقيا تجاه الغير ولا بدافع طائفي أو مذهبي (كما تردد عن أنه حماية روسية لمسيحيي الشرق) ولا دفاعا عن مستبد أو رغبة في مواجهة قوى شبه كونية، وإنما بدافع حماية المصالح القومية. ولا يجوز لنا أن نستغرب من ردة الفعل الروسية “الباردة” التي لا تعني أنها لا تملك خيارات للرد، بل تؤكد على أنها دولة تدار عبر مؤسسات بهدف خدمة المصالح القومية للبلاد أو الشعب، وليس بدافع شخصي انتقامي على الرغم من استخدام بوتين مصطلح “طعنة في الظهر”، وكأن المواجهة بين صديقين/ شقيقين.

هذا هو السياق الحقيقي  للصراعات الإقليمية، وليس لنا إلا أن نعزي أنفسنا بأن أوطاننا تدمر أمام نواظرنا ليس دفاعا عن مصالحنا القومية وإنما بفعل الاستبداد والاستعمار. وما الاحتفاء العربي الندي وكل من موقعه سواء ببوتين أو بإردوغان، إلا ليؤكد على أننا لم نحقق حقنا بتقرير مصيرنا، وما زلنا في الصفحات الأولى من كتاب تاريخ القرن العشرين. 

دفع بوتين بطائراته إلى سوريا وجازف إردوغان ببلاده عندما دافع كلاهما عن مصالح بلاده القومية كما يتصورها، وليس هنا المكان للتقييمات الأخلاقية مثل الخير أو الشر، لأنها دول لها عزتها القومية، ونأمل ألا يكون الدم السوري المراق ثمن هذه المواجهة التي ليس لبلاد العرب أي شأن فيها سوى إنها تجري على أرضها وبارودها هو الشعوب العربية. 

خسارة أن يقوم طرف خارجي مثل تركيا بحمل راية الدفاع عن السوريين التركمان بدلا من أن تحميهم بلادهم وحكومتهم.

التعليقات