07/12/2015 - 16:23

اليهود الشرقيون ولعنة المنشأ واللغة/ سليمان أبو إرشيد

الحديث عن تدريس اللغة العربية لتعميق التعايش بين العرب واليهود في إسرائيل وكجسر لتعايش إسرائيل مع جيرانها العرب، هو ذر للرماد في العيون في واقع تختزل فيه علاقة الإسرائيلي باللغة العربية بباب أعرف عدوك

اليهود الشرقيون ولعنة المنشأ واللغة/ سليمان أبو إرشيد

في العادة كان من يتقن اللغة العربية في إسرائيل هم اليهود الشرقيون ذوي الأصول العربية ورجال المخابرات، إلا أن نتائج البحث الأخير الذي كشف عن هبوط حاد في نسبة من يتقن اللغة العربية بين الأجيال الجديدة من اليهود الشرقيين قد يفيد بأن اللغة العربية بين الإسرائيليين أصبحت حكرا على رجال المخابرات، علما أن رجال المخابرات هؤلاء يكونون في الغالب من اليهود الشرقيين ويتم تجنيدهم بسبب هذه الخصلة وغيرها من الخصال الموروثة التي تؤهلهم لهذه الوظيفة في محيط يزخر بالعرب الأعداء.

قبل مدة وجيزة تحدثت إلى باحث من أصول شرقية في إحدى جامعات إسرائيل، حيث أجرينا قسما كبيرا من المحادثة باللغة العربية الذي بدا أنه يتقنها جيدا، فبادرته بالسؤال النابع من الانطباع الذي لم يبدده أصله الشرقي، هل خدمت بالمخابرات؟ فقال إنه خدم في الوحدة 8200 خلال خدمته العسكرية، ثم سارع إلى التنويه بأنه يوظف معرفته للغة اليوم كجسر للقاء بين العرب واليهود وأنا صدقته طبعا، إلا أن ذلك لم يلغ أن المؤسسة وظفت معرفته ومعرفة العديد من اليهود الشرقيين للغة العربية في الطريقة التي تخدمها.

هذه الوضعية التي أرادتها المؤسسة للغة العربية ودأبها على مسح لغة وثقافة اليهود الشرقيين العربية أعطت نتائج مذهلة، كما بين البحث الذي عرضت نتائجه خلال مؤتمر حول اليهود الشرقيين واللغة العربية عقد الأسبوع الماضي في جامعة تل ابيب.   أظهر البحث أن معرفة اللغة العربية اختفت تقريبا بين اليهود الشرقيين خلال جيلين وأن  10% فقط من السكان اليهود في إسرائيل يتحدثون اللغة العربية بشكل جيد، في حين انخفضت النسبة إلى 2.5% – 1.5% بين من يجيدون القراءة والكتابة، وأفاد واحد من كل مئة شخص بأنه يستطيع قراءة كتاب بالعربية.

محو اللغة العربية من ذاكرة وعقول الشرقيين والذي هو جزء من عملية مسح هويتهم الشرقية العربية أدخلتهم في أزمة هوية خاصة في ضوء الفشل في تشكيل هوية إسرائيلية جامعة، كذلك فإن عملية التخلي عن الهوية الثقافية العربية والتي تترافق مع تطوير مواقف سياسية متطرفة حيال العرب هي الثمن الذي يدفعه اليهود الشرقيون لدخول النادي الإسرائيلي.

التطرف المذكور ليس إنه قلص الفوارق بين اليهود الأشكناز والشرقيين حيال اللغة والثقافة العربية فقط بل حول العربية إلى لغة غير مرغوب فيها في مدارسهم ويجري تعليمها في مدارس اليهود الأشكناز أساسا.

وعودة على بدء، فإن اندثار اللغة العربية بين اليهود الشرقيين كمحور تتشكل حوله هويتهم الثقافية يجعلها قصرا على رجال أجهزة الاستخبارات من" شاباك" و"موساد" واستخبارات عسكرية، إضافة إلى المستعربين والمستشرقين ومراكز الأبحاث المعنية بدراسة العرب، وتكفي الإشارة إلى أن مشروع تعليم اللغة العربية انطلق بعد حرب 1973، كان ثمرة تعاون بين وزارة المعارف والجيش الإسرائيلي واعتمد على البلدات ذات الوضع الاقتصادي الجيد ( الأشكناز)، ناهيك عن شهادات معلمي اللغة العربية في المدارس اليهودية التي تؤكد صراحة أن برنامج تعليم اللغة العربية هو أمني بالدرجة الأولى وهو عوضا أن يركز على الجوانب الثقافية للغة يعظم الارتباط بالمخابرات.

والحال كذلك فإن الحديث عن تدريس اللغة العربية لتعميق التعايش بين العرب واليهود في إسرائيل وكجسر لتعايش إسرائيل مع جيرانها العرب، هو ذر للرماد في العيون في واقع تختزل فيه علاقة الإسرائيلي باللغة العربية بباب أعرف عدوك، وهو ما قال 65% من الإسرائيليين إنه الباب الصحيح الذي يجب الولوج منه لمعرفة هذه اللغة. وبالنسبة لليهود الشرقيين فإن المؤسسة التي مارست تطهيرا عرقيا للغتهم وثقافتهم ستجعلهم لبقية حياتهم يتسولون دخول النادي الإسرائيلي ويدفعون ثمن ذلك المزيد من الكراهية والتطرف ضد العرب.

التعليقات