18/12/2015 - 20:21

منازلة إسرائيل دوليا... عنوان المرحلة المقبلة/ باسل غطاس

استعمال التعبير منازلة إسرائيل في الساحة الدولية ليس صدفة، وإنما للإشارة إلى أن هذا هو المطلوب دوليا في المرحلة المقبلة: إستراتيجية مواجهة وتحدي، يتوجها مطلب واضح: مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها.

منازلة إسرائيل دوليا... عنوان المرحلة المقبلة/ باسل غطاس

عدت قبل أيام من جولة هامة في السويد، نظّمها الفرع السويدي لأسطول الحرية الذي شاركتهم فيه الصيف الماضي، والتي تخللها عدد من المحاضرات في ثلاثة مدن سويدية، وكذلك لقاءات مع أعضاء برلمان، وممثلي وزارة الخارجية، وناشطين سياسيين. وقد تأكدت لدي خلال هذه الجولة قناعتي بضرورة "منازلة" إسرائيل في الساحة الدولية. ونعني بالمنازلة نزع القناع عن الديموقراطية الإسرائيلية المزعومة، وكشف وجهها الحقيقي العنصري. إسرائيل  التي تُمارس سياسات التمييز والإقصاء، ضدنا نحن الفلسطينيين الذين نحمل المواطنة الإسرائيلية ونشكل حوالي ٢٠٪‏ من السكان. إسرائيل التي تحتل وتسلب الشعب الفلسطيني حريته وحقوقه المشروعة منذ سبعة عقود، وتمارس ضده سياسات الفصل العنصري.

استعمال التعبير منازلة إسرائيل في الساحة الدولية ليس صدفة، وإنما للإشارة إلى أن هذا هو المطلوب دوليا في المرحلة المقبلة: إستراتيجية مواجهة وتحدي، يتوجها مطلب واضح: مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها.

فلسطينيا، لا يوجد بعد إجماع حول الإستراتيجية المطلوبة للعمل الدولي، فالموقف الرسمي متلعثم ومتردد، وفي أحسن الأحوال يتمحور حول مطلب مقاطعة منتجات المستوطنات في الضفة الغربية! ويعود غياب الإجماع على إستراتيجية المواجهة ذات المطلب الواحد بالمقاطعة وفرض العقوبات إلى عدة أسباب، بعضها يعود إلى اليأس من إمكانية تحقيق ذلك، والقناعة التي ترسخت عند الفلسطينيين بأن العالم عمومًا، وخاصة أوروبا، سيظل يعامل إسرائيل بأكف من حرير، بسبب النازية والكارثة التي حلت باليهود، والخوف الدائم لدى الأوروبيين من اتهامهم باللاسامية. لكن يغيب عن هؤلاء التغييرات التي تجذرت في الغرب، خاصة في السنوات الأخيرة، وأهمها ازدياد تمسك قطاعات واسعة من عامة الشعب والنخب السياسية وصناع الرأي العام بحقوق الإنسان، والحريات الفردية وبقيم العدالة والمساواة، وببساطة، فانّ هذه الشعوب لم تعد تتحمل استمرار موبقات الاحتلال الإسرائيلي من هذه المنطلقات. ولهذا، يزداد التأييد لعدالة القضية الفلسطينية في كل مكان، ويشمل أوساط جديدة، خاصة بين الشباب، وذلك في العديد من البلدان وخاصة في أميركا، حيث يزداد التأييد لعدالة القضية الفلسطينية بين اليهود أنفسهم. الجديد والمهم، أن ازدياد هذا التأييد يعتمد كليا على ترسخ مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وقيم العدالة الأساسية، وليس من منطلق صداقة أو مناصرة على خلفية دينية أو سياسية أو تاريخية، أو بسبب مصالح إستراتيجية.  ولهذا فهو محصن إلى حد كبير في  وجه عقدة الشعور بالذنب نتيجة الكارثة، وكذلك في وجه إدعاءات اللاسامية وكره اليهود.

أما التغيير الإضافي الحاصل في الساحة الدولية، فهو قدرة المجتمع الدولي. ونعني هنا الأمم المتحدة، ولاعبين أساسيين مثل الاتحاد الأوروبي أو الدول الكبرى على التحرك، وإقامة آليات لفرض الإرادة الدولية من خلال استعمال العصا، وهي العقوبات الاقتصادية وخاصة المالية، والجزرة، بصورة مغريات وتسهيلات مالية وتجارية. وقد حدث هذا في السنوات الأخيرة بفاعلية كبيرة في قضية المشروع النووي الإيراني،  وكذلك في موضوع التدخل الروسي في أوكرانيا.هنا بالذات، من المؤكد ان تلعب المصالح للدول والتحالفات الإقليمية والعالمية دورا أكبر من القيم والحقوق، ومع ذلك، وبرؤية بعيدة المدى، نرى أن الأمور ستتجه بهذا النحو أيضا في الموضوع الفلسطيني، وأن إستراتيجية عمل فلسطينية ناجعة دوليا، بوسعها التسريع في توصل المجتمع الدولي إلى ضرورة فرض العقوبات الاقتصادية والمقاطعة على إسرائيل. وما بدء وسم منتوجات المستوطنات في الأسواق الأوروبية إلا خطوة ولو صغيرة في هذا الاتجاه. هذه الإستراتيجية يجب أن يحملها وينفذها كافة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وكذلك المؤسسات الرسمية الفلسطينية. نجاح حملات BDS ونشوء فروع لها في الكثير من الدول هو أكبر دليل على ذلك. الهدف الأول والأسمى لهذه الإستراتيجية، يجب أن يكون الضغط على إسرائيل، لتنفيذ القرارات الدولية والانصياع لها، بواسطة المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، ولهذا، فالطريق لتحقيق ذلك يكون عبر تعميم وتوسيع نشاطات حملات BDS، وتكثيف الجهد الإعلامي والشعبي لتوسيع التأييد للقضية الفلسطينية، ولضرورة التوصل لحل عادل لها.

كيف لنا نحن في الداخل أن يكون لنا دور فاعل في هذه الحملة الدولية؟ وهل من المناسب لنا -أي هل من مصلحتنا- أن نلعب دورا هاما في موضوع المقاطعة؟ أم أن هذا يؤثر سلبا على نضالنا المدني من أجل المساواة؟ هناك مزاج عام نتيجة كل الأوضاع السياسية على الساحة العربية والفلسطينية، يحاول أن يعيدنا إلى سنوات ما بعد أوسلو، من هرولة باتجاه الاهتمام فقط بشؤوننا الداخلية، واعتبار أي اهتمام بشأن الصراع والقضية الفلسطينية ابتعاد عن قضايا الناس اليومية، وكأن هناك "تناقض بنيوي" بينهما. بل أخطر من ذلك، حيث تظهر مؤخرا بعض السلوكيات التي تذوت عقلية الوكيل التقليدية بلباس عصري، بمعنى أنه لكي تستطيع الحفاظ على "علاقات جيدة" مع أصحاب القرار في المؤسسة، عليك أن تسلك سلوك المعتدل المحبب وتبتعد عن إغاظة المؤسسة بمواقف أو سلوكيات "متطرفة". ولا يوجد أكثر إغاظة واستفزازا للمؤسسة الصهيونية ومبناها الاستعماري من منازلتها وفضحها دوليا، بالذات من قبلنا نحن حاملي المواطنة الإسرائيلية. الموقف الوطني المتماسك سياسيا وأخلاقيا يعرف حقيقة المعرفة أنه لا يوجد تناقض بين تحصيل الحقوق اليومية والمدنية، وبين النضال السياسي الشرس محليا ودوليا، ضد الاحتلال والاستعمار والتمييز، ومن أجل الحقوق الجماعية القومية. ليس هذا وحسب، إنما وفقط بالربط العضوي  بينهما، بكرامة وعنفوان وبجاهزية نضالية عالية، وببناء المؤسسات القومية الجامعة، يمكن التقدم في تحقيق إنجازات عينية  نأخذها عنوة من بين فكي حكومة الاستيطان والاحتلال.

على سبيل المثال لا الحصر، يمكن الالتفات إلى أن بعض الأبحاث والإحصاءات ، تقدّر حجم مبيعات منتجات المستوطنات في التجمعات الفلسطينية داخل إسرائيل تصل إلى حوالي 600 مليون شيكل سنوياً (للإشارة نقول إن نفس المصادر تقدّر مبيعات المستوطنات في أسواق الضفة الغربية بنحو 800 مليون شيكل سنوياً). وفق هذه الأرقام، وبناء على ما تقدّم، لا بدّ لنا إذًا، نحن العرب الفلسطينيون في الداخل، ان نبدأ بوضع إستراتيجيّة عمل تضمّ الأحزاب والمؤسسات الفاعلة، في إطار لجنة وطنية جامعة، لنشكّل نحن أيضًا جزءًا عضويَّا في حملة المقاطعة. وهذا يتطلب العمل في منحيين، الأول التوعوي، حول ضخامة هذا المقدّرات، وقدرتها على إحداث تأثير كبير سياسيًا واقتصاديًا، بالرغم من أننا لا نحظى باقتصاد مستقل أو منفصل من جهة، وإنّه بالإمكان البدء –أوليًّا- بهذه المقاطعة، باعتبارها تقع في "المنطقة الآمنة"، سياسيًا وقانونيًا، حيث لا شرعية للمستوطنات واقتصادها وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة، ووفقا للمزاج السياسي العالمي حول شرعية المستوطنات. والثاني الفعلي، من حيث التشبيك مع حملات المقاطعة العالمية الكلية على إسرائيل، بتعريفها كيانا استعماريا ونظام فصل عنصري، كحقيقة بدأ يتفاعل معها المجتمع الدولي.

أما المعتدلين أسلوبا وتوجّها، سيكتشفون كما اكتشف من قبلهم للمرة الألف، أن المجتمع الصهيوني الاستيطاني يتعامل معنا على أننا أعداء، ولا يميز بين معتدلين ومتطرفين، وسرعان ما يتلقى هؤلاء صفعات العنصرية والفاشية عسى أن يستفيقوا، وألا يحسبوها ملاطفات من الوحش الكاسر الذي غلبته غريزته، فيفترسهم وهم لا يعلمون.

التعليقات