11/02/2016 - 13:00

مأزق إسرائيل الأخلاقي؛ حرّروا الجثامين.../ عمّار أبو قنديل

فموجات التحريض عادةً، في أي موضوعٍ كان، تهدف إلى إخراج الأمور من سياقها الحقيقي وتهميش المهم والتركيز في القشور ممّا يفرّغ النقاش من جوهره المنشود، فعلينا الاعتياد للوقوف في وجه ذلك وتصويب تحرّكاتنا.

مأزق إسرائيل الأخلاقي؛ حرّروا الجثامين.../ عمّار أبو قنديل

إنّ صولات وجولات التحريض على العرب والفلسطينيّين لم تبدأ اليوم ولن تنتهي غدًا، فواجبنا أن لا نَعْلَقَ فيها أو نستسلم لها، بل علينا أن نتجاوزها ونعمل على صدّها من خلال تفنيدها أو حتى تسطيحها فهي بالونات مسمومة تتسابق إليها قبائل التحريض من كل حدبٍ وصوب تنفخ وتبث فيها السموم، كل بثّة يقابلها مكسب سياسي، تتجمّع فيها كل القاذورات.

 فما علينا، إذًا، إلا ّنخزها وتفريغها من محتواها، فمشكلتنا الأساس هي الاحتلال ذاته ووجوده الاستعماري وممارساته الكولنيالية وجوقات التحريض ما هي إلاّ أحد مكنونات هذا النظام وعليها يتغذّى وهي أوكسجين بقائه، وبالاعتماد عليها هو مستمر، طبعًا إلى جانب الترهيب والتخويف، وما تفرز من مساعي رسم 'عربي جيّد' خاضع، خائف ومطيع.

علينا الكف عن الاستغراب من الحملات الشعواء المستمرّة، التي تطالنا، فنتنياهو والرعاع من حوله هم فرخ من تفريخات المنظومة الاستعماريّة، التي جاءت إلى هذه البلاد، سارقون، ناهبون، قاتلون، مهجِّرون، هم اللاحقون لما سبق ذلك من الاستعمار ومنظومته.

أمام هذه التحدّيات فتقع على عاتقنا مسؤولية التحصّن من هول هذه الحملات، وما تحمله من تزييف وتزوير للحقائق، بالإضافة لضرورة العمل والتحرّك بشكل موحّد، وتذليل الخلافات والاختلافات وتطوير سبل التعاون والعمل النضالي ناهيك عن بناء استراتيجيات نوجّه بها معاركنا.

فموجات التحريض عادةً، في أي موضوعٍ كان، تهدف إلى إخراج الأمور من سياقها الحقيقي وتهميش المهم والتركيز في القشور ممّا يفرّغ النقاش من جوهره المنشود، فعلينا الاعتياد للوقوف في وجه ذلك وتصويب تحرّكاتنا.

إنّ الأصل هو مطلب تحرير الجثامين المحتجزة منذ أربعة شهور بقرار جائر متوقّع من منظومة الاستعمار، فهي تخاف من الموتى والأحياء على حد سواء، تخاف من حياة الفلسطيني، ترى به كائنًا لا يستحق الحياة فتقتل الحياة فيه وتطارده حتّى بعد الممات، تحرم الأهالي من حقّهم في دفن أبنائهم، بل أنّها تضع لهم شروط تعجيزيه لمراسيم الدفن وتتّبع سياسة العقاب الجماعي.

كل هذه مؤشرات تؤكّد العقلية الاستعمارية غير الأخلاقية التي يتحرك وفقها هذا النظام؛ إذ سعى نوّاب التجمّع الوطني الديمقراطي لإحقاق هذا المطلب من خلال الخطوة المباركة، التي قاموا بها بالتواصل مع أهالي الشهداء وإيصال مطالبهم وإثارة الموضوع، وجب القول إنّ هذا المطلب هو جزء من واجبنا القومي والوطني في الدرجة الأولى، مع التأكيد على ضرورة التركيز على هذا البعد كدافع للخطوة التي قام بها النواب، فأبناء القدس والناصرة والخليل وغزّة هم أبناء شعب واحد، الشعب الفلسطيني، مصابنا واحد وهمّنا واحد، فكما نتماثل دومًا في تنديد وشجب ورفض أي عدوان يطال غزة أو أي اقتحام يطال رام الله يقع علينا واجب رفع مطالب عوائل الشهداء والدفاع عنها، وصد كل محاولة لشيطنة هذا الفعل وإظهاره كأنّه فعل 'متطرّف' ورفض الرضوخ لمحاولات الترهيب والتخويف من فكرة 'الأثمان' وعدم الانزلاق وتبنّي مقولات المحرّضين والتعلّق بشمّاعات على شاكلة: 'لنا ظروف خاصة في الداخل'، أو تبنّي مقولة نتنياهو وجوقته بضرورة 'المحافظة على أوضاع هادئة'، فهي كلّها محاولات مستمرّة للنيل من هويّتنا الوطنية وتشوية الوعي الفطري للفلسطيني في حقّه للتواصل مع امتداده العربي الفلسطيني العابر للحدود الجغرافية والسياسية.

إذًا، الخطوة التي قام بها نوّاب التجمّع هي واجب وحق في آنٍ واحد، لا ننتظر أن تسمح لنا فيه المؤسسة الإسرائيلية، ولا ننتظر محاضرات في الأخلاق من آباء 'الإنسانية' ووكر قتلة الأطفال والشعوب، فهذا المتوقّع من نوّاب التجمّع وعلى أساس هذه المطالب قام الحزب، وعلى أساسها انتخبته الجماهير، وعليه نعوّل في حمل الأعباء والأثمان، فعند المبادئ يُكرّم المرء أو يُداس.

إلى جانب ذلك يحمل هذا المطلب بُعدًا إنسانيًّا عظيمًا، فمن حق أهالي الشهداء أيًّا كانوا دفن أولادهم وبناتهم، وذلك بضمانات قوانين دولية وعالمية نصّت على ذلك. المطلوب منّا الآن هو التركيز على هذا البعد ونقل النقاش إلى عقر دار الإسرائيليّين وإثارة الرأي العام وتحفيزه من خلال طرح جدلية: 'إعادة الجثث في بعدها الإنساني' ووضعهم في موقع الامتحان.

إنّ طرح الأسئلة والتحفيز وخلق البلبلة والاصطفافات وما تفرز من خلافات كانت مهمًة، سعت إليها المؤسّسة دومًا في كثير من القضايا، وجدنا فيها أنفسنا نتناقش، نختلف، نصطف ولا نتّفق حتى ترانا نفقد توازننا ونظهر ضعفنا ونصمت فيها ولا نتصدّى.

أتت خطوة نوّاب التجمّع كخطوة استباقية فيها تحدٍّ رغم المعرفة المسبقة للثمن الباهض، الذي سيكلّفها وعلينا الاستثمار بها والاستمرار في الضغط والتعامل مع الموضوع كملف سياسي كامل نتجند لأجله ونسخر كل الطاقات والموارد لإحقاقه من دون خوف ولا وجل، فيأتي هنا دورنا في التحرّك من موقع القوة والأحقّية بخلاف موقع المدافع او المُبَّرِر، الذي أقحمتنا فيه الحكومة كل مرّة، والذي تقوقعنا ورضينا فيه، فالمطلوب منّا الآن أن نوجّه الأسئلة نحنُ، أن نحفّز ونضع التحدّيات على شكل ضرورة إعادة الجثامين كواجب إنساني تنص عليه كل الديانات والقوانين الإنسانية الوضعية.

هذا السؤال من شأنه أن يقسم الشارع بين إنساني/غير إنساني، لكن الفرز هذا من شأنه أن يخلق اصطفافًا لا إراديًّ، ومن هنا، علينا المبادرة لعرض هذا السؤال بهذه الصيغة الامتحانيّة على جميع أعضاء الكنيست الإسرائيليّين والصحفيّين والمثقّفين والنشطاء، تزامنًا مع مظاهرة ضخمة عنوانها 'تحرير الجثامين'.

كل هذا من شأنه أن يُعرّي زيف أخلاقهم أمام أعينهم ويضع حقيقتهم كمرآة أمام شعبهم وجمهور مصوّيتهم، علينا أن نحرجهم في الإعلام وأمام المجتمع الدولي.

وفي المحصّلة من الممكن أن يُشكّل هذا التحرّك ضغطًا على الحكومة ويضعها في مأزق أخلاقي واضح وصريح ما قد يُشكّل ثقلًا هامًّا نحو تحرير الجثامين، دون ذلك سنعلق في نقاشات هامشية وسيختفي الموضوع الأساس ألا وهو تحرير الجثامين.

اقرأ ايضًا | زعبي تطالب بخطة طارئة لتأهيل الأخصائيين النفسيين العرب

 

التعليقات