14/02/2016 - 09:21

لكي لا نكون لقمة سائغة/ نمر سلطاني

ليس من قبيل الصدفة أن يستعمل نتنياهو كلمات الشرف أو الكبرياء القومي في خطاباته وتصريحاته، فهو أسوة بالشعبويين الفاشيين، يعبّر عن فكر شوفيني يتطلب نزعة تطهيرية تجاه الأعداء من الداخل والخارج واستمرار عملية إنتاج الأعداء والتهويل من الأخطار

لكي لا نكون لقمة سائغة/ نمر سلطاني

ليس من قبيل الصدفة أن يستعمل نتنياهو كلمات الشرف أو الكبرياء القومي في خطاباته وتصريحاته، فهو أسوة بالشعبويين الفاشيين، يعبّر عن فكر شوفيني يتطلب نزعة تطهيرية تجاه الأعداء من الداخل والخارج واستمرار عملية إنتاج الأعداء والتهويل من الأخطار المحدقة التي يمثلونها والمؤامرات التي يخططون لها ضرورية لتبرير النزعة التطهيرية. من هنا يقوم هذا التيار بتفسير أفعال وأقوال النواب العرب على أنها استفزازات تتطلب ردا، وفي أحسن الأحوال صبرا وكظما للغيظ.         

لذا، فإن تصريحات بعض النواب العرب للصحافة الإسرائيلية غير كافية. فمهما بعثوا برسائل التطمين بقي الشك مزروعا في التيار المقابل. وإن التشديد على أن الديموقراطية تعني التسامح تجاه المختلف والمُغضب والقبول بالآخر هو قبول ضمني لقواعد اللعبة. كأن لسان حالنا يقول: 'نقبل أنه استفزاز. لكن اصبروا علينا. تسامحوا معنا. نحن مُغضبون ولكن هذه هي الديموقراطية”. الذي يمنح التسامح أو يحجبه هو القوي والمسيطر والمطالبة بالتسامح لا تتحدى هذا المنطق.  

الخطأ الثاني في هذه التصريحات هو أنها تتداول الخطاب الديموقراطي في مواجهة اليمين الشعبوي. فمع ازدياد قوة اليمين الإسرائيلي وشعبويته في السنوات الأخيرة تزداد شكلية الديموقراطية وتنهار تدريجيا مؤسسات دولة القانون. ومن المثير أن وجود ليبرمان خارج الحكومة وضعف حزبه يتزامنان مع تحول آرائه وشعبويته إلى التيار المركزي. المشروع الذي بدأه ليبرمان ونتنياهو معا في منتصف التسعينيات بالهجوم على النخب الإعلامية والقانونية والسياسية الليبرالية من أجل السيطرة على أجهزة الدولة قد اكتمل. بهذا المعنى فإن الخطاب الديموقراطي ليس له جمهور في إسرائيل. لقد انتهى موعد صلاحيته. 

في المقابل، أكثر بعض السياسيين العرب في العقدين الأخيرين من التحذير مما أسموه الفشستة في المجتمع الإسرائيلي. وها هي الفاشية من أمامكم ومن خلفكم وبين أياديكم، فماذا أنتم فاعلون؟ الغريب أن نفس المحذّرين من الفشستة هم الذين يصرّون على الخطاب المعتدل والذين يكررون رفضهم للعنف المُقاوم وحتى معارضة المقاطعة التي تتعدى المستوطنات (فهذا مدخل لشرعيتهم في النقاش الإسرائيلي والغربي). يدافعون عن اتفاق أوسلو بعد أن مات موتا مبينا وعلى رؤوس الأشهاد. مَثلُ هؤلاء مثل من يبيع بضاعة انتهى سوقها. ومثل من يذهب إلى الحج والناس راجعة. هم ليسوا سابقين لزمنهم، بل متأخرين عنه.  

إذن، الموضوع أسوأ من مواجهة سياسة جديدة بأدوات قديمة. لقد لوحق ونفيَّ عزمي بشارة خارج البلاد، وسجن رائد صلاح مرة بعد أخرى، وتم توقيف حنين زعبي عن عملها البرلماني لنصف سنة من قبل. وحظرت الحركة الإسلامية وأغلقت جمعياتها. والآن يتم توقيف ثلاثة نواب من التجمع. وحكمت حنين زعبي بالسجن مع وقف التنفيذ. والرد الوحيد على كل ذلك حتى الآن كان في أحسن الأحوال تصريحات صحافية. وفي بعض الأحيان كان التشفي أو القبول بالتقسيم بين معتدلين ومتطرفين هو سيّد الموقف.

ولكن مهما كانت قوة التصريحات الأخيرة ومدى تضامنها مع نواب التجمع فإنها لا تقدّر خطورة الموقف ولا ترد عليه بشكل ملائم. إذا استمر النواب العرب الآخرين بالذهاب إلى عملهم كالمعتاد فإن تصريحاتهم النارية ستذهب أدراج الرياح وستدرك المؤسسة أنها مهما فعلت ومهما تجرأت ومهما استشاطت فلن يقابلها النواب العرب سوى ببعض البيانات والتصريحات. لماذا لا تقاطعون عملكم لأسبوع احتجاجا ومن باب أضعف الإيمان؟ إذا كان اليمين يكسر قواعد اللعبة مرة تلو الأخرى لماذا لا تكسرونها ولو مرّة؟ 

المشكلة الأخيرة أن البعض يظن أن التاريخ يحرّكه أفراد، وأن التاريخ هو عبارة عن قصص الأبطال والعظام من أمثال مارتين لوثر كينغ. لكن هذه قراءة خاطئة وجزئية ومبسّطة وبالتالي واهمة. الأفراد الأبطال لا معنى لهم من دون التنظيمات والجماهير التي تصنعهم وتدعمهم. وإذا أردنا أن تدافع جماهيرنا عن ممثليها السياسيين فعلينا أن نباشر العمل التنظيمي الاحتجاجي فورًا. فقط بمثل هذا التنظيم وبمثل هذه المشاركة الشعبية بديلا لسياسة النخب سيعرف اليمين الشعبوي أننا لسنا لقمة سائغة.    

التعليقات