01/05/2016 - 14:58

من هم أكثر الناس رجولة؟

الرجولة في معناها السطحي تعني القوة الجسدية والسيطرة على الآخرين ومقدراتهم و"شوفة النفس"، وحل المشاكل حتى البسيطة جدا بالعنف، والرجل عندنا "لا يحطّها واطية"، لا لجاره إذا أخطأ ولا لابن حارته ولا لابن بلده ولا لابن شعبه ولا حتى لأبناء أسرته!

من هم أكثر الناس رجولة؟

واحد من أسباب كثيرة للعنف المستشري في مجتمعنا، هو المفهوم السطحي والخاطئ لمفهوم 'الرجولة' ومعانيها.

الرجولة في معناها السطحي تعني القوة الجسدية والسيطرة على الآخرين ومقدراتهم و'شوفة النفس'، وحل المشاكل حتى البسيطة جدا بالعنف، والرجل عندنا 'لا يحطّها واطية'، لا لجاره إذا أخطأ ولا لابن حارته ولا لابن بلده ولا لابن شعبه ولا حتى لأبناء أسرته!  

ويفخر(المسترجل) عادة بأنه حل مشكلة بالتهديد والوعيد أو بعد زعيق وضرب ولكم ورفس، وبالمقابل فإنه اعتاد من مجتمعه احترام قوته وعنفه والنفاق له، علما أنه شر الناس وفي الحديث الشريف 'إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء لشره!'، فما بلكم بمن ينافقون له اتقاء لشره؟

الرجولة في معناها السطحي لا تختلف عن تصرف الحيوان الأعجم الذي يحل كل قضاياه بالصراع الجسدي على منطقة النفوذ وعلى الفريسة وعلى الأنثى. ليس من الرجولة التفاخر بالأصل والنسب الشخصي مقابل إظهار خساسة أصول الآخرين، والبحث عن أمجاد الأجداد 'الرجال' لتضخيم الذات، فالأولى أن تفاخر بنفسك من أنت وما الذي حققته لنفسك ولمجتمعك!

وما دام أن مفهوم الرجولة خاطئ من أساسه فهو يؤدي بالضرورة إلى نتائج وخيمة أيضا، هذا يعني أننا مستعدون أكثر لاستخدام العنف للدفاع عن 'رجولتنا' أمام 'رجولات' تحاول فرض نفسها هي الأخرى! ويتجلى هذا أكثر في المنافسة على السلطة في القرية أو المدينة المصطنعة! فالفشل في الانتخابات هزيمة للرجولة وللكرامة، وكي يثبت الرجال بأنهم لم يهزموا، يرفضون الحسم الديمقراطي، ويستخدمون العنف، كي لا يهنأ الفائز بفوزه. 

ما زال مجتمعنا يعتبر الصبر والتريث على إساءة مهما كانت بسيطة نذالة، ويعتبرون طولة البال والعد للعشرة والترفع عن العنف نقصا في الرجولة والشهامة والنخوة! ولهذا يقللون من شأن ذلك الذي يتغاضى ويتغافل ويتسامى عن الإساءة، ويعتبرونه مخنثا، بل وقد يضطرونه تحت وطأة ضغطهم للعودة للعنف كي يثبت لهم أنه ليس جبانا، إلخ...       

'لن أحطها واطية' 'ولن أسكت له' سوف أفهمه من أنا ومن أكون! ويجب أن يعرف حجمه!'. ويقصد بالحجم هنا هي إمكانيات الآخر في تجنيد الرجال والمال والقوى للقتال، وهذا يعني إذلاله بدون أهمية لحجمه المعرفي والأخلاقي وقيمته أولا كإنسان، فهو 'يجب أن يعرف حدّه' ويُقصد بهذا أن أبناء العائلات الصغيرة أو الفقراء ماديا وعضليا وتجنيدا للعصي والسلاح، يجب أن لا يتطاولوا على القطوف العالية، مثلا على رئاسة بلدية أو مجلس محلي، أو مصلحة ما، بغض النظر عن المؤهلات أو القدرات أو الاختصاصات!

سنتغير أيها السادة عندما نرى الرجولة في التحصيل العلمي والمواظبة عليه، سنتغير عندما نرى الرجولة في الجد والاجتهاد في العمل لإعالة الأسرة وكسب قوتها بكرامة، لأنها تعني الاجتهاد والصبر وسهر الليالي. الرجولة هي في التسامح مع ابن البلد والجار وابن شعبك الذي يعاني اضطهادا عنصريا مثلك.

الرجولة هي بالترفع عن صغائر الأمور، وأن نفهم بأن استعمال القوة هو للحيوانات، أما للبشر فالحوار والإقناع والتسامي والتفهم. الرجولة هي في القدرة على الحوار بدون شتائم وبدون عصبيات زائدة وبدون محاولة فرض الرأي بقوة الصوت أو العضلات. الرجولة هي أن نحترم الضعفاء جسديا أو اقتصاديا وأن لا نشعرهم بضعفهم أمام قوتنا وجبروتنا، وإذا كنا أقوياء فهناك من هو أقوى منا.

قمة النذالة هي أن تستعرض قوتك على من هم أضعف منك، وتسكت وتلم ذيلك أمام من هم أقوى منك! الرجولة أن تستمع لنصيحة شيخ عاقل تدخّل ليصلح بينك وبين خصمك، وأن تحترمه حتى لو كان ضعيفا ولا سند له، لا أن تحتقره، ثم تهرب كالفأر عندما تتدخل قوات الشرطة الخاصة!   

الرجولة هي بأن تكون سباقا في التبرع للمدارس والمؤسسات والمشاريع العامة التي تخدم الناس والجمعيات الثقافية وطلبة العلم. الرجولة هي بالمبادرة لعمل الخير وتجاوز أخطاء الآخرين وتصغيرها وعدم تضخيمها. الرجولة هي بالتفاخر بما حققته أنت وليس بما حققه جدك أو جد جدك، فأنت أنت نفسك، أنت لست جدك، حتى لو كان أعظم البشر.  

الرجولة لا ترفع يدها على امرأة لإخضاعها وكسر كبريائها. الرجولة أن تفرح مع من فرح حتى لو كان في داخلك حزن ما. الرجولة أن تقاوم الظلم الذي يملأ الدنيا، وليس رجولة بأن تنسى كل مظالم شعبك وأمتك وتتعلق بقضية شخصية تافهة، تعتبرها محور حياتك.

الذكورة لا تعني الرجولة فلسنا كتيوس الماعز، تكتمل رجولتك عندما تنظر إلى الهم العام كهم شخصي، وأن تعتبر كل عقبة يواجهها أبناء شعبك وأمتك في أي مكان هي أيضا مشكلتك، وأن يكون أي مطلب عادل بالحرية في أي مكان في العالم هو مطلبك، وكل وجع إنساني مهما مكان بعيدا عنك هو وجعك، الأعمق إنسانية وبثا للخير بين الناس هم أكثرنا رجولة. 

التعليقات