04/05/2016 - 16:02

الخسارة الأكثر فداحة هي فقدان البوصلة

تزداد الحاجة إلى أن يطور شعبنا نضاله على كافة المستويات في مواجهة نظام الأبارتهايد الكولونيالي، وهذا بطبيعة الحال يتطلب مواجهة سياسية وفكرية جريئة للبنى الفلسطينية الداخلية الحاكمة، وهذا واجب الأجيال الجديدة

الخسارة الأكثر فداحة هي فقدان البوصلة

 ليس هناك خسارة أكثر فداحة من خسارة الإنسان، وتغييبه جسدياً من قبل مُستعمر، أو مستبد رجعي أو ممانع، عربي، أو أجنبي، فقط بسبب رغبته في التغيير، والاستعداد للمخاطرة من أجل حريته وكرامته.

أما الخسارة الأعظم فهي خسارة العقل والبوصلة الأخلاقية والسياسية. لقد أضاع الاستقطاب الشديد في المواقف تجاه ما يجري في الوطن العربي، الفرصة في فتح العقول على فهم دوافع انفجار غضب الشعوب العربية، وفهم مكونات الاستبداد الاجتماعية الاقتصادية الأمنية والنفسية، التي ثار ضدها الإنسان العربي. وضاع الكثير من المتابعين من بعيد، في فلسطين والوطن العربي، في طاحونة الاستقطاب بين قطبين دوليين إقليميين ليس لأي منهما أجندة ديمقراطية أو إنسانية أو تحررية وطنية للوطن العربي، أو التحرر الوطني الفلسطيني.

لقد نسي هؤلاء أن الإنسان في المركز، وهو القطب المركزي. وبات الكثيرون، يرددون كليشيهات جافة بلا حسّ تجاه كرامة الإنسان، أعاقت إمكانية تعميق معرفتهم، ومراجعة مفاهيم تقليدية معيقة للنهضة ولتحرير فلسطين والوطن العربي مصدرها الاستبداد والتخلف.

 هذه الأقطاب الدولية والإقليمية الاستعمارية والرجعية، فاجأت أصحاب الكليشيهات البالية، بجمعها كل التناقضات، في تحالف الحرب ضد الإرهاب والدفاع عن الاستبداد.

كان من المفروض أن تفتح الثورات العربية المجال أمام الأجيال الجديدة، والمتعلمين والمثقفين، والمجتمع عامة، فرصة لمزيد من التفاعل ومراكمة المعرفة وللتفاعل مع ما ولدته هذه الانتفاضات من ديناميات التغيير، وتجديد في الفكر السياسي، وبالتالي تعلم متطلبات تحقيق الحرية والعدالة والاستقلال الوطني، والتعرف على شروط النهضة الثقافية والسياسية على أنقاض الاستبداد: مثل المواطنة، الحرية، العدالة الاجتماعية، فصل السلطات، فصل الدين عن الدولة، وحياة سياسية حرة. وذلك حتى يكون فاعلاً في ساحته، بيئته، والتي تحتاج أيضاً إلى تغيير ونهضة.

 كانت، ولا تزال، هذه الانتفاضات رغم تحولها إلى كوارث مجتمعية وإنسانية، تشكل فرصة لأن يتعلم الجميع وكل القوى السياسية والمجتمعية أن تتحد في تحقيق المرحلة الانتقالية، قوى علمانية ودينية معتدلة (وسطية) في مواجهة القوى الدينية التكفيرية، العلمانية المتشدّدة والقمعية والعلمانية.

ليس هذا النقاش النهضوي معدوماً، بل هو جارٍ لدى أوساط واسعة من مثقفين، وأوساط اجتماعية، وينعكس في المؤتمرات والكتابات والمناظرات، والمنتديات الشبابية. لكن ضجيج الحروب الطائفية وصواريخ الطائرات والبراميل المتفجرة في العديد من أقطار العالم العربي من ليبيا، إلى اليمن، إلى العراق، إلى سورية، تطمس هذه الأصوات.. التي رغم ذلك، ستكون هي الحاملة للتغيير القادم الحتمي. وما نشهده مؤخراً في مصر، من تجدد الحراك الشعبي ضد الطاغية عبد الفتاح السيسي ونظامه الاستبدادي إلا دليل على ما نقول. ما كان لن يكون. وما على الأجيال الجديدة إلا التمسك بالحلم، وهزم اليأس، والمضيّ في التسلح بالمعرفة، وبالإرادة القوية.

 نحن الشعب الفلسطيني، ونحن نعيش أزمة طاحنة، على المستوى النُخب والقيادة والمشروع، نحتاج أكثر من غيرنا إلى التعلم من هذه التجربة المريرة، واجتراح خريطة طريق سالكة نحو الحرية والتحرر والبناء. إن ما يجري على الأرض في السنوات الأخيرة، وفي المنابر المختلفة، في فلسطين وفي العديد من دول الغرب، هو صيرورة وطنية بتوجه ديمقراطي وفكر سياسي جديد، خارج الأُطر الرسمية والفصائلية المترهلة، وكأننا أمام ولادة جديدة، من تحت، للمشروع الوطني الفلسطيني المتجدد.

 وهذا الفكر الديمقراطي، ضروري في توجيه عملية البناء الداخلي، في بناء المجتمع ومؤسساته، وبناء الإنسان، وضروري في معركة مواجهة الصهيونية، باعتبارها مشروعاً استعمارياً غير أخلاقي، وغير إنساني.

 كان طموحنا كفلسطينيين أن تؤدي هذه الثورات إلى تغيير سريع، وإسقاط بنية الاستبداد، ووضع الشعوب العربية على عتبة التغيير؛ لصالح المواطن العربي، ومستقبله، ولصالح قضية فلسطين، وهي القضية العربية الأولى. ولكن الاستبداد حوّل هذه الثورات إلى بحار من الدماء، فاغتال الآمال العريضة التي فتح الأبواب عليها المواطن التونسي محمد أبو عزيز.

 في هذه الحالة حيث ليس لدينا قدرة على التأثير فيما يجري في العالم العربي، وحيث تراجع الاهتمام بقضية فلسطين، تزداد الحاجة إلى أن يطور شعبنا نضاله على كافة المستويات في مواجهة نظام الأبارتهايد الكولونيالي، وهذا بطبيعة الحال يتطلب مواجهة سياسية وفكرية جريئة للبنى الفلسطينية الداخلية الحاكمة، وهذا واجب الأجيال الجديدة.

التعليقات