22/05/2016 - 18:13

تجديد التّجمّع

عشرون عامًا مضت على تأسيس التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ، نشأ خلالها جيل واسع يحمل طروحاته وتطلّعاته، ساهم مساهمة مركزيّة في تحديث وتطوير أدوات وأساليب نضاله.

تجديد التّجمّع

عشرون عامًا مضت على تأسيس التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ، نشأ خلالها جيل واسع يحمل طروحاته وتطلّعاته، ساهم مساهمة مركزيّة في تحديث وتطوير أدوات وأساليب نضاله.

هذا الجيل، الّذي لطالما كان هدف التّجمّع ورؤيته المستقبليّة، ولا يزال، استُثمِرَ فيه واستَثْمَرَ في نفسه كثيرًا، اكتسابًا للمعرفة السّياسيّة والتّنظيميّة النّوعيّة، من خلال مخيّمات ومعسكرات الأطفال واتّحاد الشّباب والطّلّاب الجامعيّين، والعمل في الفروع المختلفة، وفي الجامعات والكلّيّات، والمشاركة في التّظاهرات والمحافل الوطنيّة بكثافة، والمساهمة المركزيّة في العمل الانتخابيّ، البلديّ والبرلمانيّ، وكذلك تنظيم مبادرات وحملات قطريّة فوق حزبيّة، كان شباب التّجمّع عمادها ومركزها في كثير من الأحيان.

يقود هذا الجيل، اليوم، العشرينيّ والثّلاثينيّ، بمهنيّة وتخصّصيّة عاليتين، مؤسّسة اتّحاد الشّباب، والحركة الطّلّابيّة، والمؤسّسات الإعلاميّة المختلفة ذات الصّلة بالحركة الوطنيّة، كما يحضر بقوّة في إدارة وتنظيم الكتلة البرلمانيّة، وعدد من مؤسّسات المجتمع المدنيّ، والحملات والمبادرات القطريّة الوطنيّة المهمّة، بل هو من كان المحرّك الأبرز للشّارع خلال السّنوات القليلة الماضية، والقائد الفعليّ للتّحرّكات الّتي فرضت صوتها بقوّة على المجتمع السّياسيّ العربيّ والمؤسّسة الإسرائيليّة. لعلّ خير نموذج على ذلك حملة برافر لن يمرّ، وسلسلة تظاهرات التّضامن مع الأسير محمّد علّان في عسقلان، وتظاهرات الهبّة الأخيرة من أجل القدس والأقصى، في أكتوبر ونوفمبر 2015، وحملات مكافحة الخدمة المدنيّة والتّجنيد.

ذلك يعني أنّ هذا الجيل، الجامعيّ والتّخصّصيّ بغالبيّته، مستعدّ إلى حدّ بعيد، وببرهان التّجربة والإنجازات، لأنّ يقود حزبًا مثل التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ، الّذي لطالما أكّد الجيل المؤسّس له على أنّه 'حزب الشّباب'، وهو ما بات لزامًا التّعبير عنه في هيئات الحزب التّمثيليّة والقياديّة، كي لا نقع في مأزق التّفاوت بين الشّعار والتّطبيق.

التّجمّع بحاجة إلى تجديد، تجديد في الطّرح وأدوات العمل وشبكة علاقاته مع الآخرين، وهو ما يستلزم تجديدًا في الذّوات، صاحبة الرّغبة في المنح والتّجريب، وذات الأفق المنعتق من صرامة القواعد والشّروط الّتي يفرضها تاريخ العمل السّياسيّ الطّويل على أصحابه، والقادرة على منحه طاقةً جديدةً للانطلاق نحو مرحلة سياسيّة جديدة، يكون فيها أكثر تنظيمًا وقوّة، وليكون معبّرًا أكثر عن المجتمع السّياسيّ العربيّ حوله، الّذي يقول لنا إنّ الشّباب عماده الأساس، وهو ما نراه بوضوح في المحافل الثّقافيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة المختلفة، آخرها، مثالًا لا حصرًا، كان مسيرة العودة في النّقب، حيث طغى الحضور الشّبابيّ؛ وعلى الأحزاب والمؤسّسات التّمثيليّة أنّ تتحلّى بالمسؤوليّة الوطنيّة، وتملك الجرأة، للتّعبير عن هذه الحالة.

لا يعني هذا الطّرح إنكارًا للإرث، أو جحودًا لحقّ من كان لهم الفضل الكبير في وصولنا إلى هنا من جيل المؤسّسين، بل أراه الضّمان الأكيد، لا سواه، لحفظ هذا الإرث والتّأسيس عليه للانتقال نحو مرحلة جديدة يحتاجها التّجمّع تلبية لشروط زماننا ومتطلّباته، وتعبيرًا سياسيًّا حقيقيًّا عن نفسه وعن بيئته السّياسيّة والفاعلين المركزيّين فيها، وغالبيّتهم من الشّباب.

نتوقّع، على ضوء ما قرأنا وسمعنا خلال السّنوات الماضية، أن تُطرح هذه الرّؤية بوضوح وعلانية من قيادات الجيل المؤسّس، عشيّة المؤتمر السّابع، تشجيعًا للقيادات الشّابّة على التّرشّح والتّنافس بقوّة، بل والعمل على دعم هذا التّرشّح عمليًّا، ليكون الانتقال من جيل قاد مدّة عشرين عامًا، إلى جيل سيقود، مدروسًا، وسلسًا، وصحّيًّا، ومسؤولًا، وهو توقّع بدهيّ من حملة مقولة 'حزب الشّباب'، ومن أيّ جهةٍ تفكيرها مستقبليّ، ومستعدّة بكلّ نبل لأن تضحّي من أجل المستقبل، من أجل أبنائها، من أجل استمرار مشروعها، بحيويّة وطاقة أكبر، وتحت رعايتها وإشرافها هي نفسها.

شخصيّات عدّة من الجيل المؤسّس أبدت في أحاديث واجتماعات مغلقة تبنّيها ودعمها لهذا التّوجّه، وهو من مسبّبات الأمل والفخر الكبير، ومن المنتظر أن يُعَبَّرَ عن هذا التّوجّه بعلانية ووضوح، وأن تنضمّ له شخصيّات قياديّة من جيل المؤسّسين لم تفعل حتّى الآن.

مسؤوليّة الشّباب القياديّ أن يترشّحوا ويتنافسوا بقوّة ليُعَبِّروا عن الرّغبة في الوصول إلى مواقع اتّخاذ القرار والتّأثير، بما يتلاءم مع الواقع الحزبيّ والسّياسيّ الموصوف أعلاه، وليمنحوا التّجمّع فرصة لأن يُعَبِّرَ عمّا يطلبه ويتوقّعه الشّارع منه في هذه المرحلة، من تغيير وتجديد. ومسؤوليّة الشّباب أيضًا أن يختاروا بناءً على الكفاءة والإنجاز المُجَرّب، وأن يدعم بعضهم بعضًا، فمن يطرح نفسه ممثّلًا للشّباب، هو أولى النّاس بدعم التّرشيح الشّبابيّ، ليكون أمينًا مع نفسه وصادقًا مع ادّعاءاته.

ثمّة طاقة دافقة تنتظر من يفتح لها طريقًا لتفيض، وعلينا جميعًا أن نفتح الطّريق.

من جيلٍ إلى جيل... التّجمّع أمانة.

التعليقات