29/05/2016 - 16:50

“نكبة وبقاء” سيثير حفيظة الكثيرين وعلى رأسهم الشيوعيون

احتفلت المكتبة العامة في مجد الكروم، يوم الجمعة الأخير، بالإصدار الجديد والتاريخي الهام للبروفيسور عادل مناع تحت عنوان “نكبة وبقاء… حكاية فلسطينيين ظلوا في حيفا والجليل (1948-1956)”.

“نكبة وبقاء” سيثير حفيظة الكثيرين وعلى رأسهم الشيوعيون

احتفلت المكتبة العامة في مجد الكروم، يوم الجمعة الأخير، بالإصدار الجديد والتاريخي الهام للبروفيسور عادل مناع تحت عنوان “نكبة وبقاء… حكاية فلسطينيين ظلوا في حيفا والجليل (1948-1956)”.

يعتمد المؤلف في أبحاثه على عدة مسارات، التوثيقي الذي استخرجه من الصحف الصادرة إبان النكبة، عبرية وعربية وأجنبية، وكتب المؤرخين التاريخية التي تبحث في حيثيات الصراع في فلسطين في مواجهة الحركة الصهيونية والانتداب البريطاني ثم احتلال فلسطين، وكذلك من وثائق الجيش الإسرائيلي من تلك الحقبة، البيانات العسكرية الصادرة وقتها، وكذلك على الرواية الشفهية التي جمعها شخصيًا من الناس، من الشمال والمثلث والكرمل، وخصوصًا من أهل القرى التي تعرضت لمجازر عام النكبة والتي هُجر أهلها ومنعوا من العودة إليها، أو تلك القرى التي هجر بعض سكانها وبقي بعضهم مثل مجد الكروم. كذلك يبحث في سر بقاء بعض القرى أو المدن دون المس بها مثل الناصرة أو بعض المجموعات السكانية مثل ما يسمى بالقرى الدرزية، وبعض  الجاليات المسيحية، فقد صدرت أوامر من بن غوريون بعدم المساس بأهل الناصرة، وحتى إطلاق النار على أي جندي يقتل أحدًا من سكانها، وذلك لأهمية الناصرة الروحية كبلد البشارة في العالم الغربي الذي يحتاجه بن غورويون للاعتراف بدولة إسرائيل، وغيرها من الروايات من وثائق الجيش الإسرائيلي والتي تصدّقها الرواية الشفهية أو تشكك بها، مثلا عن مجزرة مجد الكروم كيف حدثت، ولماذا توقفت(!) ومن الذي أوقفها، حيث تلعب العلاقات الشخصية دورًا في بعض الأحداث الثانوية للنكبة. 

يسعى الكاتب أن يكون حياديًا قدر الممكن، دون فرض تصور مسبق على الأحداث، وهذا قد لا يعجب البعض خصوصًا في الفصل الذي يبحث في دور عصبة التحرر الوطني والشيوعيين والحقائق التي أخفوها عن الناس، والسبب الذي جعل دولة إسرائيل تمنح الشيوعيين حق العمل السياسي بحرية في أواخر عام 1948 كمكافأة على دورهم في دعم قيام إسرئيل، وكذلك كرد جميل للاتحاد السوفييتي على الاعتراف بقرار التقسيم وإقامة علاقات مع إسرائيل، وبناء أمل من قبل السوفييت والشيوعيين بأن تكون إسرائيل دولة اشتراكية في مواجهة الرجعيات العربية في المنطقة، مع تجاهل تام للصراع القومي في فلسطين على الأرض والرؤية المجردة  للصراع كصراع طبقي فقط. 

هذا الكتاب الممتد على مساحة 480 صفحة يؤكد على أهمية توثيق الرواية الشفوية، لأن القصص تموت بموت أصحابها ما لم توثق، وتحتل الشهادات الشفوية أهمية كبيرة لما فيها من تفاصيل خفية على الصحافة حتى وإن كانت موضوعية، فما بالك والصحافة كلها تعمل لأجندات الاحتلال وخدمته أو لأجندات هذا الحزب أو ذاك، كما هو حال صحافة الشيوعيين مثل  صحيفة “كول هعام” العبرية و”ديرفيج” الصادرة بالييدش و”الاتحاد” العربية. 

مع عدم إنكار دور الشيوعيين بمقاومة الحكم العسكري بعد الاحتلال وتسلم مركز قيادة الجماهير العربية قبل بروز أي حزب عربي منافس، بل ومحاربة كل ظاهرة قومية من منطلق أنها أصوات رجعية غير أممية، لكن الكتاب يكشف أحداثًا تجاهلها الشيوعيون في أدبياتهم وصحفهم وتحديدًا العربية، رغم أن بعضها وثق في صحافهتم العبرية آنذاك التي تباهت بها، مثل الموقف المؤيد لتأسيس إسرائيل  وقتال الشيوعيين إلى جانب القوات الصهيونية.

الكتاب لا يتوقف عند النكبة فقط وعام وقوعها، بل يتابع إلى ما بعد النكبة فيحكي الكاتب عن تجربته الشخصية مع النكبة، إذ طردت عائلته إلى لبنان مع مئات من سكان القرية بعد شهرين من استسلام القرية، وقد كان طفلا أقام مع أسرته في مخيم عين الحلوة لمدة عامين في لبنان ثم عاد إلى الوطن، مع تعقيدات العودة، كيف حدثت وتحققت بعد عامين من الرحيل! 

يأخذنا الكاتب إلى حياة أسرته، فزوج جدته أبو معيوف كان أول من أعدم في مجزرة مجد الكروم. 

جدته زهرة أصلها من الجاعونة (“روش بينا” اليوم) ولها جيران يهود، طلبت العون من جارها (مانو فريدمان) عله ينجيها وأسرتها، فكتب هذا رسالة للأسرة بالعبرية، لم يعرفوا مضمونها، وعندما سلموها للجيش هدم بيتهم وأعدم زوجها أبو معيوف. 

يتوقع الكاتب كما قال في حفل إشهار كتابه أن الفصل الثالث سيثير حفيظة الشيوعيين، وخصوصًا كما يقول إن الشيوعيين العرب لم يروا بقيام إسرائيل كارثة للشعب الفلسطيني بسبب تحليلهم الطبقي للصراع وقبولهم قرار التقسيم، وأنه بالإمكان اعتبار الشيوعيين صنفًا خاصًا من المتشائلين، فبوصلتهم كانت السوفييت وساروا على هدى قيادتها، هكذا خرجت عصبة التحرر بسرعة نسبية من بين الأنقاض وشق رجالها طريقًا خاصًا بهم سار ضد التيار القومي العربي وانضم هؤلاء فور النكبة إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي) في تشرين الأول/ أكتوبر 1948 فصاروا أول الباقين العرب الذين اختاروا الاندماج في الجهاز السياسي في دولة اليهود. 

يتألف الكتاب من سبعة فصول تمتد على 480 صفحة من الحجم الكبير. الكتاب مهم جدًا ليس فقط للذكرى ونبش التاريخ، بل لتعلم العبر من خلال رؤية صحيحة وحقيقية لما حدث في الماضي وما زالت إسقاطاته تطارنا وتحاصرنا حتى يومنا هذا.  

التعليقات