28/06/2016 - 21:57

الأقصى مرة أخرى ومواجهات رمضانية

مرة أخرى، عادت باحات الأقصى لتتحول إلى ساحات مواجهة مع قوات الاحتلال، التي تحمي المستوطنين الذين اقتحموا الحرم القدسي الشريف، بضوء أخضر من حكومة نتنياهو، التي أخلت بتعهداتها بعدم السماح بدخول هؤلاء خلال أيام العشر الأواخر من رمضان.

الأقصى مرة أخرى ومواجهات رمضانية

مرة أخرى، عادت باحات الأقصى لتتحول إلى ساحات مواجهة مع قوات الاحتلال، التي تحمي المستوطنين الذين اقتحموا الحرم القدسي الشريف، بضوء أخضر من حكومة نتنياهو، التي أخلت بتعهداتها بعدم السماح بدخول هؤلاء خلال أيام العشر الأواخر من رمضان.

حكومة المستوطنين، التي يرأسها نتنياهو والتي لا تقيم أدنى اعتبار للمشاعر الدينية للفلسطينيين والعرب والمسلمين وقدسية أماكنهم وأيامهم، لم تحترم، أيضًا، التفاهمات المعقودة مع الأردن، مثلما لم تعر انتباها للعلاقات مع نظام السيسي أو للمصالحة المبرمة مع تركيا، وهي وجّهت، بلسان الشيخ كمال خطيب، صفعة موجعة لكل أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة العرب المسلمين. وأجزم أن هذه صفعة للرئيس التركي إردوغان في نفس اليوم الذي من المقرر إتمام اتفاق المصالحة التركية الإسرائيلية. إنها وقاحة نتنياهو تضرب في كل اتجاه، كما يقول الشيخ كمال خطيب، الذي يضيف "يا لعاركم أيها العرب، يا لذلكم إيها المسلمون".

إلّا أن الرد الحاسم للمصلين والمعتكفين وسائر المدافعين عن الحرم القدسي الشريف هو الذي دفع حكومة نتنياهو إلى التراجع عن قرارها، والإعلان عما وصفته بمنع دخول الزوار من غير المسلمين إلى باحات الأقصى حتى نهاية شهر رمضان. لقد جاء التراجع الإسرائيلي إدراكًا من حكومة المستوطنين أن استمرار هذه الاقتحامات والانتهاكات سيشعل جذوة هبة القدس من جديد، بعد أن تصب الزيت على ألسنة نيرانها الهادئة. الهبّة، التي انطلقت مع اقتحام وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أريئيل، برفقة مجموعة من المستوطنين للحرم القدسي الشريف، في أواسط أيلول/سبتمبر من السنة الماضية، واعتبرت مؤشرًا لفرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى.

انتفاضة الأفراد، كما أسمتها إسرائيل، والتي تميّزت بحالات الطعن الفردية التي انطلقت من القدس وتجاوزت الخط الأخضر، لتشمل بأطرافها وساحة نشاطها كامل فلسطين التاريخية، هذه الانتفاضة أحبطت أو جمدت مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، ودفعت إسرائيل إلى إنكار ونفي أي نية لتغيير الوضع القائم "ستاتيكو" في الحرم القدسي وقلّصت فعليًا وإلى حد بعيد، اقتحامات المستوطنين للأقصى، كما تفيد البيانات الفلسطينية. 

 لقد استشعرت إسرائيل مكامن الخطورة التي تحملها هذه الانتفاضة، إذا ما قيض لها الحياة والاستمرار، كونها تعبير عن غضب يعتمل في صدور آلاف وعشرات آلاف الشباب الفلسطينيين على الاحتلال وعلى السلطة والفصائل الفلسطينية، التي فشلت، حتى الآن، في إنهائه. هذا الغضب الذي بدأت براعمه بعمليات طعن فردية من قبل فتية وفتيات على جانبي الخط الأخضر قابل للتحول إلى انتفاضة عارمة لا يمكن التنبؤ بنتائجها، فكان من الضروري امتصاص الغضب الشعبي من خلال عملية تراجع مؤقتة، استهدفت إسرائيل من خلالها إجهاض الهبة الشعبية، وإرسال رسائل تطمين للأردن وغيرها من الدول العربية.

ولكن، كعادتها، فإن إسرائيل بارعة في المراوغة والخداع من خلال القدرة على التحكم بوتيرة نشاطها والتراجع التكتيكي، دون التنازل عن مخططاتها الإستراتيجية بل تأجيلها، ثم تحين اقتناص الفرصة الزمنية المناسبة للانقضاض مرة أخرى، مثلما فعلت مؤخرًا، ويبدو أن الاقتحامات الأخيرة كانت بمثابة بالون اختبار، تراجعت عنها فور اصطدامها بحاجز المقاومة الذي لاقته في ساحات الأقصى.

وإن كان التغيير في الوضع القائم "الستاتيكو" في الحرم القدسي قد حدث عام (2000)، باقتحام شارون للأقصى، وترسخ عام 2003، حيث بات باستطاعة الاحتلال إدخال المستوطنين للأقصى من خلال باب المغاربة، الذي يستولي على مفاتيحه، وهو ما يناقض الوضع القائم المعمول به منذ العهد العثماني ومرورًا بالانتداب البريطاني إلى الحقبة الأردنية، حيث كانت الأوقاف الإسلامية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن الدخول والخروج من والى المسجد الأقصى. 

التعليقات