28/07/2016 - 14:33

نتنياهو وإردوغان وخطاب "الديمقراطية"

شبّهت صحف إسرائيلية معارضة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سياسته وسعيه لتعزيز هيمنة حكم اليمين، وآخرها إحكام قبضته على وسائل الإعلام الرسمية، بسياسة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وفي بعض جوانبها بسياسة الرئيس الإيطالي السابق.

نتنياهو وإردوغان وخطاب "الديمقراطية"

شبّهت صحف إسرائيلية معارضة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سياسته وسعيه لتعزيز هيمنة حكم اليمين، وآخرها إحكام قبضته على وسائل الإعلام الرسمية، بسياسة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، وفي بعض جوانبها بسياسة الرئيس الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني.

وقد سارع بعض الكتاب بين ظهرانينا إلى تبني هذه المقارنة، وتحديدًا بين نتنياهو وإردوغان، لكن بشكل سطحي وغير قائم على أسس عميقة، بل على 'تحليلات' عقائدية على منوال تحليلات كتاب أنظمة العالم الثالث المستبدة، التي تضع العنوان أولاً أو الشعار، ومن ثم تبدأ بكتابة 'التحليل'. والبعض حتى كتبها باللغة العبريّة، إذ تطرب الأذن الليبرالية الإسرائيلية البيضاء لأصوات 'عربية ديمقراطية' ترفض الحكم التسلطي أينما حل.

لكن هذه المقارنة تأخذنا إلى تناول عدة مفارقات يمكن تلخيصها بعدة نقاط، وأود أن أنوه، هنا، أن هذا ليس دفاعًا عن إردوغان أو ممارساته الأخيرة، التي من الواضح أنها ممارسات حاكم سلطوي يقوم بحملة استئصال لخصومه السياسيين على غرار الاستئصال السوفياتي المعروف، لكن بحدة أخف وبدموية أقل، علمًا بأنه يحكم في نظام ديمقراطي فيه معارضة سياسية قوية ومتنوعة وفيه وسائل إعلام حرة ومنتشرة.

- خلافًا لتركيا، فإن إسرائيل دولة احتلال قامت بقوة السلاح والتهجير ويعزز نتنياهو هذا التوجه ويرسخه من خلال إحكام سيطرة اليمين على مفاصل الدولة وكافة القطاعات، سواء بالأكاديمية أو القضاء أو بالإعلام والجيش. والأرضية التي تمكن نتنياهو من فعل ذلك هي أرضية خصبة بفعل التحولات الديمغرافية التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي لجهة ارتفاع نسبة المنتمين للتيارات الدينية والقومية - الاستيطانية المتشددة، مقابل تراجع الشرائح التي تعد إسرائيلية ليبرالية علمانية مثل الأشكناز.

والسؤال عن هدف نتنياهو من إحكام هيمنة اليمين يحيلنا إلى الإجابة بأن الهدف هو إفشال أي إمكانية للتسوية مع الفلسطينيين أو الانسحاب من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، أي أن الدافع عقائدي والذي يؤمن بـ'أرض إسرائيل الكبرى' من النهر للبحر.

بينما في تركيا، يبدو إردوغان بأن لديه 'هوسًا' تسلطيًا ليس عقائديا صرفًا، وإنما شخصيًا بما تحمله هذه الشخصية من عقائد دينية.

- خلافًا لتركيا، فإن إسرائيل نتنياهو مدللة دوليًا، ولم يوجه له ما يسمى المجتمع الدولي أي انتقادات ولو شكلية بسبب دفعها قوانين عنصرية و'أنتي – ديمقراطية' مثل قانون الإقصاء، أخيرًا.

فيما سارعت دول الاتحاد الأوروبي إلى مهاجمة تركيا إردوغان بسبب حملة 'التطهير' التي يقوم بها في كافة مؤسسات الدولة، وهذه انتقادات محقة رغم النفاق والانتقائية. ولو قامت الشرطة التركية أو الجيش التركي بإعدام أطفال في الشوارع لقامت الدنيا ولم تقعد، بينما تقوم بذلك أجهزة الأمن الإسرائيلية منذ نحو عامين في القدس والخليل وغيرها، دون انتقاد جدي، سوى من وزيرة خارجية السويد.

- خلافًا لنتنياهو، يواجه إردوغان انتقادات ومعارضة عريضة في صفوف اليمين واليسار التركيين، فيما نتنياهو يبدو بلا معارضة جدية، وكافة ممارساته، سواء بتشريع قوانين عنصرية أو بملاحقة جمعيات حقوق الإنسان، تلقى تأييدا سياسيًا وشعبيًا واسعًا، ومحاولة التصوير وكأن نتنياهو يأخذ إسرائيل إلى درك أسفل وكالح الظلام، هو تطاول على الحقيقة، إذ إنه هو 'درة تاج' المشروع الصهيوني كما هندس 'لأبنائه' أن يكونوا: خريج وحدة النخبة في الجيش، علماني أبيض وليبرالي، يؤمن بالاستيطان داخل 'أرض إسرائيل' ولا يتوقف عن الحديث عن تسوية إقليمية مع العرب.

وإسرائيل اليوم لا تختلف عن إسرائيل الخمسينات أو الستينات لجهة العدوانية تجاه الفلسطينيين والعرب، وصحافتها، حينذاك، لم تكن أكثر ديمقراطية مقارنة باليوم. العداء للعرب لم يتغير وأي حديث عن 'هيمنة نتنياهو على وسائل الإعلام' هو حديث إسرائيلي داخلي حتى لو كنا من دافعي الضرائب لسلطة البث الحكومية.

وإسرائيل السبعينات الثمانينات والتسعينات ليست أقل تطرفًا من إسرائيل الراهنة، ومراجعة للممارسات إسرائيل بالانتفاضة الأولى وما سبقها من مجازر في لبنان وما سبقها من مجازر في يوم الأرض، كلها تؤشر إلى الانحدار الإسرائيلي نحو مزيد من اليمينية والدموية.

ولا بد من التذكير أن نتنياهو لم يصل إلى الحكم بعد فترة يسارية بل بعد فترة طويلة حكم فيها شارون إياه ومن ثم أولمرت، وهما ليسا أقل عنصرية ويمينية من نتنياهو.

بالطبع، هناك أوجه شبه بين نتنياهو وإردوغان وبوتين وبرلسكوني وكل حاكم يسعى لأن يكون تسلطيًا، لكن المقاربة بين نتنياهو وإردوغان هي مقاربة سطحية وسهلة، كونها تركز على الفرد وليس على المنظومة والدولة التي يحكم فيها الفرد. والاستئصال الإردوغاني لخصومه السياسيين من مؤسسات الدولة هو جزء من عملية سيرورة تركية داخلية تتصارع فيها قوى أمنية – عسكرية وسياسية ومدنية ولا يمكن الحكم إلى أين سينتهي بها المطاف، إلى استبداد أم أكثر مدنية وديمقراطية لنظام الحكم والدولة، لكن في إسرائيل، نتنياهو يأخذ المشروع الصهيوني إلى مكانه الطبيعي، نظام عنصري معادٍ للديمقراطية.

ختامًا، لا بد من التذكير بأن قضيتنا ليس قضية ديمقراطية وإنما قضية شعب تحت الاحتلال وأي حديث عن ديمقراطية لا بأس من أن يكون في سياق الحديث عن الديمقراطية من البحر للنهر. فكما نردد أنه يستحيل أن تكون مساواة بين جميع المواطنين في ظل الاحتلال، وأن إسرائيل تعيش تناقضًا مع الديمقراطية بسبب تعريفها دولة يهودية، فإن الحديث عن ديمقراطية في إسرائيل بمعزل عن الضفة والقطاع هو انغماس بقضايا القامع الداخلية. أن نطالب بأن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية لكل المواطنين لا يعني بأننا سلمنا بإسرائيليتنا، بل على العكس هو تحد للصهيونية. 

التعليقات