29/08/2016 - 14:03

على هامش زيارة قائد الشرطة العام إلى سخنين

أما في الوقت الذي اخترقت به المضامين الغريبة عالمنا، وعند تسليم مقاليد الأمور لحكم العسكر، اتسعت الهوة بين القانون والأعراف، الأمر الذي عقد الأمور أكثر وأكثر وآلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم.

على هامش زيارة قائد الشرطة العام إلى سخنين

قام قائد الشرطة العام، روني ألشيخ، بزيارة مكوكية إلى سخنين يوم الثلاثاء، الموافق الثالث والعشرين من الشهر الجاري، ليطلع على الأوضاع في المجتمع العربي وللعمل على معالجة آفة العنف المستشرية في الوسط.

حضر الاجتماع لفيف من الشخصيات الاعتبارية في المجتمع، من رؤساء مجالس وبلديات، مديري أقسام، مديري مدارس وغيرهم ممّن يعانون من آفة العنف والجريمة المستفحلة.

عندما بدأ ألشيخ بالحديث وخاصة بعد كيل المديح لشخصه ودوره، استرسلت بأفكاري وغبت بذهني عن المشهد لأبحر في ميادين مجتمعنا الوادعة الآمنة، التي باتت تنعم بالأمن والأمان والسلم الأهلي، بعيدًا عن الغوغائية والعنف البغيض، كما أني ظننت، أيضًا، أن لا حاجة بعد اليوم لأي شكل من أشكال الحماية، ولكن سرعان ما استيقظت من حلمي بعد أن هزني حادث مقتل امرأة من مدينة طمرة الشقيقة، وبعد أن انشقت شاشة افتراضية أمامي تعيد مشهد حادث طرق أليم حدث أمام عيني، وكلاهما حدث قبل زيارته بساعات كاستمرارية لحالات الجريمة والعنف التي لم تتوقف ولو للحظة، وأن الحلول المقترحة لا تجدي نفعًا.

على القاصي والداني أن يعترف بأن لمجتمعنا خاصيته، وأن البحث عن حلول سحرية سطحية بعيدة عن واقعنا وعاداتنا وتقاليدنا لا تجدي نفعا، كما أن تشخيص المرض لا يجدي أيضًا، فالآفة التي يعاني منها مجتمعنا ليست وليدة اليوم ولا الأمس، بل إنها نتيجة تراكمية لتجاهل وتقاعس دام لسنوات، إضافة إلى العمل الممنهج لتفكيك التركيبة المجتمعية ودور الكبير الذي بدأ يتلاشى رويدًا رويدًا.

إن التعامل النزق، التجاهل وسياسة التمييز مع شعبنا على مدار سنوات لهم القسط الأكبر باستفحال العنف فيه، خاصة وأننا أمام واقع وطرق علاج لا تتلاءم مع ميزات مجتمعنا واحتياجاته، وحضرات القيمين في المؤسسات والمكاتب المكيفة يعون ذلك جيدًا، فلولا لجوئهم للأعراف والعادات والتقاليد العربية عندما تتعقد الأمور معهم، كنا ظننا أنهم لا يعرفون عاداتنا وتقاليدنا ولزم علينا إرشادهم لذلك.

أنا لا أقصد، بما ذكرت أعلاه، أن نلجأ للعادات والتقاليد بمنظومتها القديمة، إنما ألا نتجاهلها، خاصة وأنها ما زالت تلعب دورًا مركزيًا في العديد من المحافل والمناسبات.

كما تعلم يا شيخ، لكل مجتمع ميزاته وخاصيته، وأهل مكة أدرى بشعابها، وكل ما عليك فعله هو أن تتركونا وحدنا ندير أمورنا، شريطة أن تنصفونا بالميزانيات والبرامج، خاصة وأنكم لم تفلحوا حتى اللحظة من حل المشاكل المستعصية في مجتمعنا ولا حتى البسيطة منها، غير بعض نشر سيارات شرطة المرور بشكل مفاجئ هدفها لا يتعدى استصدار بعض المخالفات هنا وهناك وبعد خروجكم تعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئًا لم يكن.

كما هو معلوم لديكم، لنا مؤسساتنا الاجتماعية والتربوية، ولدينا لفيف من الشخصيات المثقفة في العديد من المجالات والتي بوسعها أن تدير أأمور دولة بأكملها، والتي هي أصلا من حافظت على ما تبقى من عادات وتقاليد والتي هي ما زالت منارتنا في التعامل مع الآخر واحترامه.

إن لثقافتنا ولحضارتنا العربيتين حصة الأسد في حماية مجتمعنا والمحافظة على القيم والمبادئ التي تخلق جوًا مثاليًا لسيرورة مجتمع حضاري يفخر بأهله وناسه، فليست هناك حاجة ملحة لإقحام مضامين أو إجراءات غريبة عن عالمنا وفرضها علينا وكأنها المسيح المنتظر الذي على عاتقة ملقاة مسؤولية ترتيب المجتمع وتنظيمه.

إن سياسة الترهيب والتخويف نتيجتها وقتية آنية وليست بعيدة الأمد، أي أن تدخل الشرطة في حالة هنا أو هناك لا يغني ولا يسمن من جوع، بل ينضوي تحت خانة الحلول السريعة التي سرعان ما يتناساها الناس.

لم يعد خافيا على أحد أن لمجتمعنا قوانينه المتعارف عليها عالميا والتي لا تتناقض مع قوانين العالم أجمع مع بعض الامتيازات الخاصة بالمجتمع العربي الفلسطيني، لذا لا حل إلا بتسليم مقاليد الأمور للقيمين على المجتمع الفلسطيني من مديري مدارس ومؤسسات، مثقفين، حملة شهادات من شتى المجالات، أصحاب مهن وحرف، وغيرهم من مركبات المجتمع، ولو لفترة تجريبية، هذا إذا كانت هناك نوايا صادقة.

تميز المجتمع في الداخل الفلسطيني في العديد من المجالات، على الرغم من تجاهل المؤسسة الممنهج لهذه الشريحة لسنوات عديدة. في الوقت الذي غاب به القانون، أبدعت الأعراف، وفي الوقت الذي غابت به الشرطة، تألق كبار المجتمع في حل المشاكل، وفي الوقت الذي غابت به الميزانيات، تعاون أهل البلد على التمويل.

أما في الوقت الذي اخترقت به المضامين الغريبة عالمنا، وعند تسليم مقاليد الأمور لحكم العسكر، اتسعت الهوة بين القانون والأعراف، الأمر الذي عقد الأمور أكثر وأكثر وآلت الأمور إلى ما آلت إليه اليوم.

عندما تحدثت عن الثقة وأزمة الثقة بين فلسطينيي البلاد والشرطة يا حضرة القائد، أيقنت أنك تعرف حق المعرفة الهوة بين الشرطة والجمهور العربي، ولكنك عندما بدأت تتحدث عن حلول، أيقنت حينها أنك بعيد كل البعد عن أرض الواقع واقتراحاتك لا تتعدى كونها حبرًا في بند من بنود البروتوكول.

د. نهاد علي في بحثه 'إرهاب مدني'، تطرق إلى أسباب العنف الكثيرة، وهو بحث جدي يستحق القراءة والتمحيص ومن الممكن أن يكون رافعة لطرق علاج ظاهرة العنف المستشرية، حيث قام د. علي بتشخيص الظاهرة أسبابها وطرق علاجها، حيث قال: معنى العنف الأساسي فـي المنظور الاجتماعي والسوسيولوجي هو عدم الاعتراف بالآخر، رفضه وتحويله إلى الشيء (المناسب) للحاجة العنفـية، إذا جاز الكلام. عدم الاعتراف لا يعني عدم المعرفة، بل يعني معرفة معينة (مقولبة) هنا الفاعل العنفـي يراقب المقابل، يتصوره بالطريقة المناسبة لرسم صورته (الضحية) وللتحكم بصيرورته.

وأضاف د. علي أن هناك من يعرّف العنف بأنه: الإيذاء باليد أو باللسان، أو بالفعل أو بكلمة، فـي الحقل التصادمي مع الآخر، ولا فرق فـي ذلك بين أن يكون فعل العنف والإيذاء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي. فالعنف سلوك إيذائي، قوامه إنكار الآخر كقيمة متماثلة للأنا أو للنحن، كقيمة تستحق الحياة والاحترام، ومن مرتكزه استبعاد الآخر عن حلبة التغالب، إما بخفضه إلى تابع، وإما بنفـيه خارج الساحة (إخراجه من اللعبة) وإما بتصفـيته.

حري بمن يبحث عن حلول لظاهرة العنف، أن يعتمد على هذا البحث وإحصاءاته على سبيل المثال وتعيين لجان محلية مختصة لمحاصرة الظاهرة وحتى وأدها، وتسليم زمام الأمور لمن لهم باع طويل في هذا المجال.

بروفسور آرييه راتنر، في بحثه أثبت أن المجتمع الإسرائيلي أصبح أكثر عدوانية منذ عام 1990، وأكد بروفسور راتنر أن تفشي العنف يعود إلى ضعف الترابط الاجتماعي بالأساس ولأسباب أخرى، من هنا نستنتج أن للترابط الاجتماعي القسط الأكبر في حماية ووأد الجريمة والعنف، وكل ضعف في الترابط الاجتماعي يؤدي بشكل قاطع إلى عبثية واستقلالية بالقرارات والتي من شأنها التعدي على حريات الآخر والتي بنهاية المطاف تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار داخل المجتمع.

وفي شهر فبراير من العام الجاري، في لجنة الشؤون الداخلية بالكنيست، صرحت أن نسبة الجريمة في المجتمع العربي تفوق نسبة الجريمة في الوسط اليهودي، ووفق البيانات التي قدمتها يا سيد ألشيخ بأن نسبة السكان العرب هي 21% إلا أن نسبة الجريمة في وسطهم 59% والضحايا الرئيسيين من الإجرام عند فلسطينيي البلاد هي عند الفلسطينيين نفسهم. كما أضفت اعترافًا لا لبس فيه وهو عدم تأديتكم لواجبكم في المجتمع العربي على مدار السنوات. وبما أن الضحية عربية وفي ظل برامج العلاج البائسة خاصتكم، ألم يحن الوقت للجوء إلى برامج محلية خاصة يديرها مهنيون من الوسط وخاصة من الذين يعون جيدا متطلبات وحاجات الوسط؟

وفي بحث آخر الشرطة تفشل في ملف العنف، حيث أن الواقع يثبت عكس نظرية الشرطة ونسبة الجريمة في حالة ازدياد بالوسط العربي، والجدير ذكره أن البلدات التي أقيمت بها مراكز شرطة نسبة العنف والجريمة بها أعلى بكثير من نسبة العنف والجريمة في البلدات التي لا تحتوي على مراكز شرطة.

إذن يا سيادة القائد العام، إذا كنت فعلًا تبحث عن حلول جذرية، أعط الخبز لخبازه، فأهل مكة أدرى بشعابها، فكل ما عليك فعله هو تهيئة المؤسسات المحلية لتحتوي في داخلها على نظم ومؤسسات توعوية تقوم بتقسيم العمل حسب برنامج مدروس يعني الوسط العربي واحتياجاته.

اقرأ/ي أيضًا| أزمة ثقة أم أزمة قيادة

فنحن في البلديات، المدارس والأقسام قريبون من أهلنا ونعي احتياجاتهم ونعرف يقين المعرفة من أين تورد الإبل، فكل المرجو من حضراتكم إنصاف الوسط العربي بالميزانيات، ليقوم بتعيين أناس معنيين يقومون بواجبهم المؤسساتي والميداني قريبا من جمهورهم مع سرعة في العلاج والتي هي ملحة في أغلب الأحيان.

التعليقات