30/08/2016 - 17:56

عودة إلى مؤسسات الإدارة الذاتية

لماذا تنقسم صناديق المرضى وفق التلاوين الصهيونية "مكابي" ومؤوحيدت" و"كلاليت" ولا يكون صندوق مرضى عربي، وكذا فرق كرة القدم، ولماذا لا يقوم أول مستشفى ولادة، على الأقل، في أم الفحم، طالما أن هناك من لا يريد الاختلاط بالوالدات والمواليد العر

عودة إلى مؤسسات الإدارة الذاتية

في أواخر السبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما لم يكن لدينا بروفيسور واحد، وليس 160، بل كان عدد الأساتذة الجامعيين العرب (في الجامعات الإسرائيلية) لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، انطلقت دعوات وتوجت مبادرات لإقامة جامعة عربية في الناصرة، شارك بها العديد من الأكاديميين كان أبرزهم المرحوم د. سامي مرعي، الذي اعتبر أن من حق العرب داخل الخط الأخضر إقامة جامعة عربية في الناصرة تنطق بلغتهم وتبحث ظروفهم وتوجه تطورهم في إطار من الأصالة والتجديد بما يتفق وتميزهم النوعي.

د. مرعي، الذي ولسوء حظنا، غادرنا مبكرا (46 عاما) كان في حينه أكاديميا لامعا وباحثا معروفا، إضافة إلى كونه ومن مؤسسي الحركة التقدمية وعضو مكتبها السياسي، ورغم أنه كان واحدا من ستة محاضرين في الجامعة وثمانية في مختلف الجامعات الإسرائيلية ورغم تميزه العلمي أبت عنصرية جامعة حيفا ( في ظروف تلك المرحلة) منحه لقب بروفيسور.

لا نورد ذلك في محاولة للعودة إلى النبش في بيان البروفيسورات العرب حول العنف ومناقشة دورهم وأولياتهم ولا لاختبارالقوانين الماركسية المتعلقة بالكم والكيف، بل للإشارة إلى الأيام العجاف التي تعيشها ساحتنا وحالة الجفاف الفكري والسياسي التي تعتري مركباتها المختلفة. فالقضية لا تتعلق بفكرة الجامعة فقط بل بـ" صندوق مرضى عربي" و"مفعال هبايس عربي" واتحاد كرة قدم عربي، وجملة أفكار كانت وليدة نهضة سياسية شهدتها ساحتنا في حينه، وكان يفترض إن لم يكتب لها أن ترى النور أن لا يعلوها غبار النسيان.

لا تكفي المراكمة الكمية للتخصصات والكفاءات البشرية في مختلف المجالات إذا لم تتحول إلى رافعة لتطوير المجتمع وبناء مؤسساته التعليمية والصحية والخدماتية المستقلة، ولا يجري الحديث هنا عن الاستقلال عن الدولة (إسرائيل) بل عن إقامة علاقة من الندية وتقليص هيمنة الطابع اليهودي عليها. فلماذا يحق لليهود "الحريديم" إقامة جهاز تعلمي خاص بهم ولا يجوز لنا إقامة جهاز تعليم عربي، أو شبكة تعليم عربي، ولماذا تكون جامعة تابعة للمستوطنين "أريئيل" وأخرى للصهيونية الدينية "بار ايلان" ولا تكون جامعة عربية.

ولماذا تنقسم صناديق المرضى وفق التلاوين الصهيونية "مكابي" ومؤوحيدت" و"كلاليت" ولا يكون صندوق مرضى عربي، وكذا فرق كرة القدم، ولماذا لا يقوم أول مستشفى ولادة، على الأقل، في أم الفحم، طالما أن هناك من لا يريد الاختلاط بالوالدات والمواليد العرب.

كنا نقول إن الخصخصة فتحت أمام العرب فرصة ذهبية لإقامة مثل هذه المؤسسات وتوسيعها، فكانت النتيجة أن مؤسساتنا الخاصة، السابقة على الخصخصة، مثل المستشفيات والمدارس الأهلية دخلت في أزمة ومن يستفيد من الخصخصة في مجال التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية هم تجار لا يمتون لهذه المجالات بصلة، مستغلين غياب المبادرات الجماعية والجهود المجتمعية.

وفي ظل غياب النخب السياسية والثقافية المدركة لأهمية مثل هذه المشاريع، فقد وضعت جميع هذه الأفكار على الرف، ولم تعد محل تداول في سياق الحكم الذاني ولا في سياق الأوتونوميا الثقافية، على الرغم من أن مجتمعنا يشهد طفرة كبيرة في مجال التعليم وإنتاج الكفاءات والتخصصات، مثلما يشهد تحسنا كبيرا في المستويات الاقتصادية والمعيشية، وإن كانت توجه نحو الاستهلاك.

آن الأوان لنفض غبار الزمن عن هذه الأفكار والاقتراحات، وإعادة صياغتها وملاءمتها لواقع اليوم، عسى أن تساهم، أيضا، في الخروج من المأزق الذي يعتري العمل السياسي في ظل سياسة التهميش والإقصاء، التي تتفاقم مع تنامي سيطرة اليمين الديني الصهيوني على المؤسسة والمجتمع الإسرائيلي، فالبناء الذاتي أو الأوتونوميا أو المجتمع العصامي هو الرد العملي على سياسة الإقصاء والتهميش والتي يفترض ان تكون قد تحولت بعد أكثر من 30 عاما على إطلاقها الى واقع ملموس لا إلى ماض منسي.

التعليقات