25/09/2016 - 16:35

ثلاث ملاحظات على ملاحقة التجمع

وكي لا يبقى جمهورنا فريسة الرواية الإسرائيلية حول ملاحقة قيادة وأعضاء التجمع الوطني واعتقالهم على أنها قضية "فساد مالي"، لا يمكن للفساد المالي أن يكون تهمة إلا أمام من أراد سلفًا تصديق الرواية الإسرائيلية.

ثلاث ملاحظات على ملاحقة التجمع

إنّ الحملة الأمنية التي شنتها أجهزة أمن الدولة، مؤخرًا، على قيادة وأعضاء التجمع الوطني الديمقراطي، تفتحنا مجددًا على سؤال يقول التالي: ما الممكن سياسيًا لحراك الحركة الوطنية بما يمنع استفراد أجهزة الأمن فيها؟ فالتجمع الوطني ملاحق منذ أن حطّ على الساحة السياسية هذا صحيح، إنما الذي يجري، مؤخرًا، لا يقصد التجمع بذاته في إدارة شئونه التنظيمية والمالية، بقدر ما يقصد الحركة الوطنية كتجربة عصيان سياسي وثقافي على مدار عقود خلت. لم يعد الحراك الوطني فعلًا سياسيًا فقط، إنما مجرد التفكير فيه بات فعلًا بالنسبة لماكينة الأمن الإسرائيلية المثابرة على أن يتعلم العرب بقائهم دون أي إدعاء سياسي أو تاريخي على أرضهم.

من المستهدف؟

لقد كانت "الحركة الإسلامية" في الداخل محفوفة دائمًا بفكرة حظرها، فيما كان "التجمع" مهددًا بفكرة شطبهِ وتقويضه، ومؤخرًا، تم حظر الحركة الإسلامية، مما يعني ذلك أنه ما كان بالإمكان الاستفراد بالتجمع الوطني بهذه الحمى الأمنية، لولا إخفاق جماهيرنا العربية في امتحان حظر الحركة الإسلامية من قبل. علينا الاستخلاص عند أي بداية أن المستهدف هو الحراك الوطني قبل أي شيء. لذا، فإننا لسنا أمام خبر مفاده "حملة أمنية ضد التجمع"، إنما أمام "حملة أمنية وصل مداها التجمع الوطني حتى الآن"، وعلى جماهيرنا العربية الانتباه إلى أنها المقصودة في ذلك لا الإسلامية أو التجمع فقط.

إن سؤالنا سابقًا، عن الممكن سياسيًا في حراك الحركة الوطنية، لا تمكن الإجابة عليه إلا في سياق فحص علاقة الحركة الوطنية بجمهورها، لا في مؤسسات الدولة العبرية فقط، لأن سياسات مطرقة الحظر والشطب والاعتقال، تجعل الجماهير في موقع السؤال لا الحركة الوطنية، إذا ما سلّمنا بأنّ الموقف الشعبي لجماهيرنا في الداخل جاء فاترًا وخجولًا تجاه حظر الحركة الإسلامية وملاحقة التجمع الوطني مؤخرًا.

منطق التهمة

وكي لا يبقى جمهورنا فريسة الرواية الإسرائيلية حول ملاحقة قيادة وأعضاء التجمع الوطني واعتقالهم على أنها قضية "فساد مالي"، لا يمكن للفساد المالي أن يكون تهمة إلا أمام من أراد سلفًا تصديق الرواية الإسرائيلية، فليس دخول الأموال وخروجها من الأحزاب سوى رديف نشاطها السياسي، وبذلك أموالها محلّ شبهة أمام النظام الإسرائيلي لأن نشاطها السياسي كذلك.

ومن هنا على الحركة الوطنية الكفّ عن التصرف أمام جماهيرها من موقع المذنب أو المُدان، وألا تخاطب جماهيرها بلغة القانون فقط، فالتبرير القانوني هو خطاب يقدمه محامو الحركة الوطنية في قاعات محاكم "إسرائيل"، دون أن تتحول حركة وطنية بأكملها إلى مكتب محاماة تبرر لجماهيرها منطق تمويلها وبناء مؤسساتها الوطنية بلغة القانون. فالدعم المالي يجب أن يُفسر لجماهيرنا من موقع الخطاب الوطني ومقولته السياسية لا من موقع المسموح والممنوع في القانون الإسرائيلي.

أرضية الصراع مجددًا

 إن الحركة الوطنية وسائر الجماهير العربية في الداخل هم ليسوا فقط جزءًا من عموم الشعب الفلسطيني، إنما هم امتداد للفضاء العربي _ الإسلامي من حولهم، وجزء من حركة الزمان والمكان في المنطقة، فلا تناقض في تفاعل الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني مع هذا المحيط العربي، سواء كان تفاعلًا سياسيًا أو ثقافيًا، وحتى على مستوى الدعم المادي والتمويل، لطالما يجري هذا الدعم وفق أجندة وطنية؛ يعزز التناقض مع سياسات التفتيت والتأديب الإسرائيلية لا التصالح معها أو الاندماج في دواليبها، فضلًا عن دور هذا الدعم في بناء مؤسسات مدنية وثقافية تمكّن العرب من الحفاظ على ثوابتهم الوطنية والقومية في بلادهم، وتخليصهم من منطق خطاب الطوائف والأقليات؛ لأن العرب، بمنطق الدولة العبرية، هم أقلية في بلادهم، بينما، بمنطق الحركة الوطنية، الإسرائيليون هم الأقلية في منطقتنا وليس العرب، لطالما كنّا ولا زلنا امتدادًا لهذا التراب العربي من مغربه إلى مشرقه، وهذا ليس مجرد شعار بل ممارسة يومية وسياسية متصلة.

وبالتالي، على الحركة الوطنية، وتحديدًا في مثل هذا الظرف من ملاحقة واعتقالات في صفوف قياداتها وكوادرها، ألا تتراخى أمام الإرباك الذي تذكيه أجهزة الأمن بينها وبين جماهيرها، لأن علاقة الحركة الوطنية بجماهيرها هي علاقة عضوية، وليست علاقة مصلّحية، فالتجمع ليس وسيطًا أو دبلوماسيًا بين جماهيره ومؤسسات الدولة، كما أنه لا ينظر إلى الناس على أنها كائنات انتخابية، وهو ما يعني عدم الانشغال بمجاملة الحاضنة الشعبية وتطمينها، ليس لأن الخوف غير مبرر، بل لأن الخوف يتجه للمكان الخطأ.

ومن هنا على جماهيرنا العربية أن تعي أن ما يجري يهدف إلى فرض وقائع تخلق واقعًا عربيًا منزوعًا من وطنيته ومشروطًا بمنطق أجهزة الأمن، ليصبح دور القوى السياسية العربية في خدمة هذا الواقع دون التفكير في تحدّيه.

إن التصعيد المدني الجماهيري في مثل هذه الظروف هو ضرورة؛ والهدف منه هو منع التصعيد ضد جماهيرنا أو ضد حركتنا الوطنية، فالتصعيد الأمني الإسرائيلي، مؤخرًا، ضد التجمع جاء على أثر عدم تصعيدنا المدني ضد حظر الحركة الإسلامية سابقًا، والغرض من التصعيد هو منع التصعيد لا التوتير، وإلّا فمن غير الممكن أن تبقى الحركة الوطنية في انتظار التصعيد ضدها، وبالتالي الرد عليه بمنطق الانتقام والتحريض، فالذي ينتظر، في مثل هذه الظروف، يقف في الجانب غير المناسب من تاريخه.

التعليقات