21/10/2016 - 10:29

استعدادات إسرائيلية لما بعد الانتخابات الأميركية

مؤشرات كثيرة تدفعنا إلى الاعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية تتوجس وقد لا تكون مرتاحة تماما فيما لو نجحت هيلاري كلينتون في الانتخابات الأميركية، بالرغم من أن الرئيس أوباما ومن خلال هداياه السخية والاتفاقيات التي وقعها مع الكيان الصهيوني قد رس

استعدادات إسرائيلية لما بعد الانتخابات الأميركية

مؤشرات كثيرة تدفعنا إلى الاعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية تتوجس وقد لا تكون مرتاحة تماما فيما لو نجحت هيلاري كلينتون في الانتخابات الأميركية، بالرغم من أن الرئيس أوباما ومن خلال هداياه السخية والاتفاقيات التي وقعها مع الكيان الصهيوني قد رسم خارطة التعاون بين البلدين لعشر سنوات قادمة، وذلك يعود لسببين:

الأول: معرفة كلينتون بمأساة الشعب الفلسطيني أكثر من غيرها ممن تولوا عرش البيت الأبيض، لكونها عاصرتها خلال فترة حكم زوجها. وقامت أيضا بزيارتها الشهيرة مع زوجها للمخيمات الفلسطينية، واطلعت حينها عن قرب على بعض مآسي الفلسطينيين ووضعهم غير الطبيعي واللاإنساني.

الثاني: كونها شغلت منصب وزيرة خارجية الحقبة الأولى من حكم أوباما، تلقت خلالها عدة صفعات ناعمة من الإسرائيليين تركت مما لا شك فيه أثرها في نفس كلينتون. فصحيح أن رجال السياسة ينسون بسرعة وخصوصا الأميركيين منهم، ولكن ليس بالضرورة كلينتون. وللوقت في القاموس الصهيوني مرادف واحد وهو النسيان. ويعني فيما يعني أن على العالم النسيان والتغاضي عما قاموا ويقومون به، وكذلك نسيان كل المشاريع والمقترحات والسياسات التي لا تناسب مقاسهم كشعب مختار. والأهم من ذلك نسيان الفلسطينيين لأراضيهم وبيوتهم وحقوقهم ودماء ضحاياهم والمجازر التي ارتكبتها عصاباتهم وحكوماتهم ضدهم، وحتى نسيانهم لتاريخهم، والاعتقاد والتصديق فقط بالتاريخ الذي كتبه غلاتهم ودبجوه حروفا وأحداثا وتفاصيل، ويقدمونه للعالم على أنه الحقيقة المطلقة التي يجب أن لا يشكك فيها أحد.

لعبة الوقت هذه التي هي بحد ذاتها دوامة يجيد الكيان الصهيوني لعبتها بامتياز فيدخل العالم فيها كلما شعر أنه محط أنظاره. ويقوم باللعب في زواياها في بداية كل انتخابات أميركية شعر أو استشعر أنها قد تسبب له نوعا من إزعاج. فيفتح أبواب دوامته هذه ويُدخل فيها الإدارة الجديدة ويتسلى باللعب معها فترة إلى أن تصبح أسيرة لعبته وألعوبته.

وغالبا ما تبدأ لعبته هذه باختلاق أزمات داخلية مصطنعة ومفبركة على المقاس تحل على إثرها الكنيست فتتنفس بعد ذلك وتأخذ جرعة من الأوكسجين، أعني من الوقت تعيد فيه ترتيب أوراقها. وبالتالي إجراء انتخابات قد يعقبها انتخابات أخرى وربما أخرى... طالما أنها لم تر أن الوضع قد استقر لصالحها، ويكون بالتالي كما تحب تماما. ومن يراجع سجل الانتخابات الصهيونية فسوف يجد ضالته فيما أتحدث عنه بلا أي تعب.

وأيا كانت نتائج تلك الانتخابات فإنها لن تكون بأية حال من الأحوال أكثر إشراقا من الواقع الحالي، إن لم يكن أتعس وأيضا أكثر تطرفا وإيغالا في الكراهية للعرب وفي اضطهادهم. وذلك يعود بالدرجة الأولى إلى الضعف العربي المخيف في هذه المرحلة، وأيضا إلى طبيعة بنية العقلية الصهيونية نفسها والقائمة على التفوق البشري ونفي الآخر والعداء المطلق للعرب.

إن الإدارة الأميركية القادمة قد لا تحمل جديدا يذكر بالنسبة للفلسطينيين سوى بعض التصريحات الرنانة في بداية فترة حكم الرئيس الجديد، وبعض الوعود الهلامية، والكلام المعسول الذي سينتهي سريعا كما انتهى غيره من قبل في مزابل الكلام. ولكن من المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية أو التي ستأتي فيما لو تغيرت سوف تحمل جديدا لعرب الداخل الذين يؤرقوها منذ فترة تنظيما وحنكة وفهما لكل ألاعيبها. وتكاد المعادلة المشهورة "علمته الرماية فرماني" تتحقق من خلالهم...!

ومن هنا فإن على عرب الداخل أن يدركوا من اليوم ما ينتظرهم، وأن الصهاينة سوف يحاولون جهدهم وبذل كل ما في وسعهم لكي لا يتركوهم يمروا عبر بوابة الكنيست بنفس القوة السياسية والبرلمانية الحالية، لأن ذلك يزعجهم كثيرا، ويعرقل كثيرا من خططهم ومشاريعهم في محو الهوية والشخصية العربية الفلسطينية، ويعيق بما لا يدع مجالا للشك فرض مناهجهم التعليمية التربوية المتصهينة أيضا.

وأن يعوا أيضا أن حملة الاعتقالات الأخيرة ليست عبثا، بل هي مؤشر مهم لما هو آت حتما. وأن نجاحهم في المرة القادمة بنفس القوة البرلمانية هذا إن لم تتحسن وضعيتهم ــ وهو ما نأمله ونتوخاه جميعا ــ ليس مجرد هزيمة كلامية للمخططات الصهيونية. بل هو انتصار وفوز بالنقاط على كل المنظومة الصهيونية التي تعمل ليلا نهارا لكي لا يكون للعرب مجرد صوت أو كلمة، فكيف الحال بكتلة برلمانية ذات قاعدة شعبية لا غبار عليها!

إن عودة الفلسطينيين فيما لو حدثت انتخابات إلى الكنيست كما هو الحال الآن سوف تنعكس بما لا يدع مجالا للشك على علاقاتهم مع برلمانات العالم ومؤسساته الديمقراطية والتي سيعني ذلك بالنسبة لها وجود طرف فلسطيني طالما أشاعت المؤسسات الصهيونية أنه غير موجود. وسوف يضفي ذلك على الطرف الفلسطيني مصداقية لكونه يرتكز على قاعدة شعبية لا يمكن تجاوزها. وسوف يكون طرفا يُسْتمع له بإصغاء، وبطريقة أفضل بكثير مما هو عليه الحال حاليا وخصوصا إذا ما حسنوا وضعهم بزيادة عدد نوابهم أو على أقل تقدير حافظوا عليه. وهنا مكمن الخوف بالنسبة لإسرائيل والأمر الذي لا تتمناه مطلقا.

فالمسؤوليات إذا جسام، والحفاظ على ما تم إنجازه وانتزاعه من أنيات الصهاينة إلى الآن لا بد من تطويره لكي لا يذهب هباء. ويتطلب ذلك التفافا أكثر حول قيادات العمل الوطني في الداخل. والعمل من الآن على رصِّ الصفوف وتعريف المواطن العادي بما تم إنجازه وتحقيقه من منجزات. وإعطاء المواطن أيضا فرصة في التعبير عن رأيه في كل الأجندة التي تم تنفيذها وتحقيقها والبرنامج الذي سيطرح للمستقبل. وأن يكون ذلك بالغ الوضوح، بعيدا عن المتاهات اللغوية والشعارات الخطابية، لأن المواطنين سئموا ذلك.

ولا بد من إيجاد ديناميكية جديدة في الماكينة الانتخابية، والتجديد في الحملة شكلا وموضوعا، وفي كل اشكال النضال. لأن التجديد سلاح فعال بحد ذاته، وإلا يكون الإخوة قد تركوا للصهاينة فرصة ذهبية ينتظرونها وتصيب مقتلا فيرددوا عبر عملائهم تلك العبارة : « ما في شي جديد... نفس الكلام يلي سمعناه قبل...». فيرددها الفلسطينيون السذج من ورائهم مقتنعين بها، وبالتالي تكون النتائج بما لا تشتهيه السفن.

كاتب وباحث لبناني مقيم في باريس

التعليقات