24/10/2016 - 08:30

عن تحديات الحركة الإسلامية

هي فرصة للحركة الإسلامية في الداخل لتقدم نموذجا إسلاميا ديمقراطيا في المشرق، ينفتح على الآخر ويتصالح مع المرحلة.

عن تحديات الحركة الإسلامية

يمكن اختزال ما يسمى بـ'الإسلام السياسي' في العالم العربي، سواء كان 'شيعيا' أو 'سنيا'، بنموذجين، مشرقي ومغاربي؛ الأول يواجه البطش وغارق فيه كما في مصر وسورية، وجزء كبير منه طائفي كما الحال في العراق ويعيش احترابا أهليا لا ندري كيف ستكون خاتمته؛ والثاني، أي المغاربي، منفتح على الآخر ومتصالح مع المجتمع والدولة، والأهم أنه متصالح مع المرحلة.

عندنا، في فلسطين عمومًا وفي الداخل تحديدا، تشكلت الحركات الإسلامية على مقربة من حركة الإخوان المسلمين في مصر، وتأثرت بها كثيرا، لكن واقع نشاط الحركات الإسلامية يختلف من واحدة إلى أخرى. في غزة تواجه الحركات الإسلامية احتلالا وحصارا وتقوم بمقاومة مسلحة؛ في الضفة تواجه احتلالا خارجيا وملاحقة داخلية، وفي الداخل انشقت الحركة على نفسها قبل عقود إلى شمالية وجنوبية؛ الشمالية كما هو معروف حظرت وأخرجت عن القانون الإسرائيلي فيما الجنوبية منضوية تحت القائمة المشتركة وتخوض الانتخابات البرلمانية.

ليس هينا الوضع الراهن للحركة الإسلامية عموما في الداخل، إذ تبيّن استطلاعات الرأي أنها تواجه تراجعا كبيرا في شعبيتها لأسباب موضوعية وذاتية. الأسباب الموضوعية أنها تواجه ملاحقة سياسية شرسة وصلت ذروتها بإخراجها عن القانون وحبس قائدها الشيخ رائد صلاح، وهذا الأمر قد يخيف الناس ويبعدها عن الحركة. هذا ينضاف إلى التأثيرات الإقليمية من حولنا وما تتعرض له المجتمعات العربية من بطش وانقسامات إقوامية وطائفية خطيرة، انعكست على الخطاب السياسي والاجتماعي للحركة الإسلامية عندنا، وهو ما دفع بشرائح عديدة إلى التحفظ أو رفض تأييده خصوصا وأنه يحمل أمراض الخطاب السياسي العربي، سواء الطائفية أو الإقصائية. ينضاف إلى ذلك، انحياز الحركة الإسلامية في الداخل، بشقيها، إلى تركيا الإردوغانية، وهو ما وضعها في محور يراه جزء كبير من العرب في الداخل مناهضا لعروبة المنطقة أو متماشيا مع المطامع الخارجية. 

عامل موضوعي آخر، يصح لتفسير تراجع شعبية الحركات الإسلامية كما الحركات الوطنية، هو 'عودة الإيمان' بوهم المواطنة الإسرائيلية في العامين الماضيين، وأسرلة الخطاب السياسي في الداخل، والترويج لفكرة قدرتنا على التأثير في الشارع الإسرائيلي. وقد 'دغدغ' هذا الخطاب في توقيته مكامن ضعف الكثيرين من العرب هنا، الذين يشهدون الانهيارات العربية من حولهم فيبحثون عن ملاذ في المواطنة الإسرائيلية. على أية حال، هذا الملاذ هو وهم وتسويقه خطير جدا لأنه كالسراب، وسنتناوله في مقال آخر.

أما العوامل الذاتية، فإن ممارسات الحركة الإسلامية بشقيها وخطابها في أعقاب ثورة يناير المصرية وصعود حركة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، أدخلها في حالة 'نشوة' وكأنها تسلمت الحكم بنفسها، وانعكس ذلك على خطاب يقصي الآخر سياسيا واجتماعيا أيضًا، والثاني أكثر خطورة لأنه يلغي إمكانية التعايش السوي مع الآخر. لكن سرعان ما انطفت هذه 'النشوة' بانقلاب الجيش في مصر على الرئيس المنتخب محمد مرسي، فتحول الخطاب من خطاب المنتصرين المنتشين إلى خطاب الضحية بكل ما يحمل هذا الخطاب من شيطنة للآخر.

كذلك على صعيد الخطاب السياسي، انجرت هذه الحركات أو كوادرها في بعض الأحيان إلى تبيني مصطلحات غريبة عن قاموسنا السياسي في الداخل، مصطلحات طائفية أو مذهبية، أو حتى استعادة العداء الإخواني لعبد الناصر ورفض تسمية دوار على اسمه.

وخطاب الحركة الاجتماعي، وتحديدا الشق الشمالي، لم يراع في كثير من الحالات حالة الإجماع والمجتمع، وبدا متعجرفا وإقصائيا يتجاهل حقيقة أننا مجتمع يواجه حالة استعمارية فريدة وبحاجة إلى الإجماع الوطني.

هذا كله، لا يلغي رصيد ودور الحركة الإسلامية في مواجهة المخططات الإسرائيلية في القدس والأقصى، ولا يلغي أنها كانت في العقد الأول من الألفية الراهنة إحدى أقوى التيارات السياسية في الداخل إلى جانب التيار القومي الديمقراطي.

نحن أمام عوامل ذاتية وموضوعية، نحن على قناعة أن الحركة الإسلامية في الداخل عليمة بها، وقد استنتجت ما يجب أن تستنتجه، ولا مكان 'للتنظير' و'الوعظ' لها وهي تواجه ملاحقة سياسية ويحظر نشاطها.

لكن من باب الحرص على وحدتنا وإجماعنا الوطني، لما نواجهه من صعود حكم فاشي لا يميز بين حركة إسلامية أو قومية أو شيوعية وفي موازاة تسلل خطاب الأسرلة، فقد آن الأوان لأن تقف الحركة مع نفسها وتقرر إلى أين هي متجهة. هل هي متجهة لتكون حركة اجتماعية دعوية لا علاقة لها بالسياسة، أم أنها ستقرر خوض السياسة من أوسع أبوابها مع تبنيها خطابا ديمقراطيا تحرريا وتنويريا. هل ستختار التوجه إلى 'الإسلام المشرقي' الغارق بوحله واحتراباته الأهلية وطائفيته، أم التوجه نحو المغرب الذي يقدم  نموذجا متقدما ومنفتحا في 'الإسلام السياسي'، يبدو فيه واثقا من نفسه وتصالح مع ذاته ومجتمعه ومع عروبته، وهذا الأهم.

والخطاب الديمقراطي الذي أقصده لا يعني الممارسة السياسية الديمقراطية فقط، وإنما الخطاب الديمقراطي غير المنغلق على نفسه، بأن تتصرف كحركة وطنية من بين حركات متعددة تسعى لتوحيد هموم ابن رهط في الجنوب بهموم ابن ترشيحا في الشمال، بأن تسير على خطى التيار القومي الديمقراطي الذي بذل ويبذل جهدا فكريا جبارا للتوفيق بين القومية والديمقراطية. ولا داعي للتذكير بأن في إطار هذه الجهود جاءت المساهمة النوعية فيها من الداخل، في كتابات عزمي بشارة، أي أن بمقدور الحركة الإسلامية في الداخل أن تقدم نموذجا جديدا ليس تقليدا في التوفيق بين الإسلامي والديمقراطية في المشرق، الذي يتشكل من طوائف وفرق وإقواميات عديدة لا مثيل لها في المغرب.

وصلت الحركات الإسلامية في المشرق إلى طريق موصد دفعت حتى رئيس المكتب السياسي لحركة 'حماس'، خالد مشعل، قبل أسابيع إلى القول إن ممارسات الحركة واستفرادها بالحكم في غزة لم يكن صائبا. تسير الحركات الإسلامية في المشرق، كما معظم الحركات السياسية، في نفق مظلم لا تبدو نهايته في الأفق قريبة، فيما تقدم الحركات الإسلامية في المغرب نموذجا أصيلا، ليس تقليدا لتركيا، بل إسلاما عربيا يتصالح مع الديمقراطية والليبرالية. فها هو حزب 'العدالة والتنمية' المغربي يؤلف حكومة مع حزب ليبرالي مثل حزب 'الأصالة والمعاصرة'. وكذا الحال مع حركة 'النهضة' في تونس التي تتشارك الحكومة مع حزب 'نداء تونس' العلماني.

وهنا لا بد من اقتباس تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، أول من أمس السبت، الذي قال فيها إنّ “الناس لم تمنحنا أصواتها لأننا متدينون، فنحن حصلنا على 9 مقاعد فقط العام 1997، و42 مقعدا العام 2002، رغم أننا كنا حينها أكثر تدينا من الوقت الحالي...  لسنا طائفة، بل نحن حزب سياسي مبني على الأخلاق والمبادئ في السياسة... العدالة والتنمية ليس حزب المحجبات فقط”.

من الواضح أن الحركة الإسلامية لا تصارع على قيادة حكومة أو دولة، لكنها تمثل شريحة واسعة من الناس.

ليس كل ما كتب من باب الوعظ والتلقين، وإنما من إدراك أننا نواجه مرحلة خطيرة يجري فيها استعادة خطاب الأسرلة والمواطنة غير الكاملة وبلا هوية قومية، وإنما مواطنة على مقاس يفصله نفتالي بينيت، وفي ظل ما نشهده حولنا من تشظي عربي لا بد وأن ينعكس على مجتمعنا وشعبنا. ليس بمقدورنا مواجهة هذه المرحلة دون أن نحقق الحد الأدنى من الإجماع الوطني، وأن نرمي جميعا خطاب الإقصاء الداخلي واستبداله بخطاب وطني ديمقراطي من أجل الأجيال القادمة.

اقرأ/ي أيضًا | سورية: عن عروبة البعث والجيش

هي فرصة للحركة الإسلامية في الداخل لتقدم نموذجا إسلاميا عربيا ديمقراطيا في المشرق، ينفتح على الآخر ويتصالح مع المرحلة. ولا بأس من التذكير بأن الحركات الإسلامية في المغرب طورت خطابها السياسي وهي في مواجهة مع الاستبداد في تونس والمغرب، وفي ظروف ملاحقة وبطش وبلا هامش ديمقراطي. كما أن الاستفادة من التجربة التركية والمغربية هي ضرورة ملحة، لأنها تجربة متقدمة جدا مقارنة بالإخوان المسلمين في مصر مثلا.

اقرأ/ ي أيضًا | ضوء أحمر: عن استطلاع القناة العاشرة

التعليقات