13/11/2016 - 17:48

مشكلة الفلسطينيين ليست ترامب

المطلوب هو فكر فلسطيني جديد يتجاوز أفكار القيادة الفلسطينية الحالية والسابقة، تأخذ بعين الاعتبار العالم المتغير، وخاصة ظروف المنطقة الجديدة، وتدرس مستقبل الفلسطينيين كوحدة واحدة وعدم تقسيمهم إلى مجتمعات ساحلية وجبلية داخلية وخارجية وما إل

مشكلة الفلسطينيين ليست ترامب

جاءت ردود الفعل الفلسطينية متخوفة ومتوجسة، وبعضها هلعة، من فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، بعدما أطلق الرئيس المنتخب ومستشاروه تصريحات أوحت بأنه لا يريد الضلوع بأي دور لحل الصراع وأنه لا يرى بالمستوطنات عقبة أمام 'السلام'، وتعهده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.

وقدم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، باسمه واسم دولة فلسطين 'التهاني القلبية' لترامب، متمنيا أن 'يتحقق بعهده السلام العادل والشامل في المنطقة والعالم أجمع'. وذكّر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، ترامب بأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي أيدا حل الدولتين. وهدد السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة، رياض منصور، إدارة ترامب بأنه إذا نقلت السفارة من تل أبيب إلى القدس، فإن بحوزة الفلسطينيين 'أسلحة' في الأمم المتحدة يمكن أن تُستخدم ضد إدارة ترامب وبينها إرغامه على استخدام 'الفيتو'  يوميًا لإسقاط مشاريع قرار فلسطينية ضد إسرائيل.

وتعني ردود الفعل الفلسطينية المرتابة من انتخاب ترامب أنها ما زالت تعوّل على الدبلوماسية الدولية في أحضان الغرب والشرق الأوروبي، وروسيا بالأساس، وهي الدول التي أسست إسرائيل ولديها مصالح عندها. وهذا أمر صائب وشرعي، لكنه ليس كافيا ولا ينبغي أن يكون أساس الحراك الفلسطيني.  

ولعل التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبينها أن ترامب سيعين أشخاصا يحملون أفكارا يمينية أكثر من تلك التي يحملها حتى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في مناصب هامة، مثل المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، أو تعيين وزير خارجية لا يعترف بوجود شعب فلسطيني، قد زادت من تخوفات الفلسطينيين.

لكن غداة يوم الانتخابات الأميركية والإعلان عن فوز ترامب، أخذ الرئيس الجديد يتراجع شيئا فشيئا عن تصريحات وتعهدات أطلقها خلال أشهُر الحملة الانتخابية. وبضمن ذلك، تراجع ترامب عن بعض تصريحاته المتعلقة بالصراع، معلنا أنه سيعمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. 

إلا أن ترامب ليس المشكلة الأساسية بالنسبة للفلسطينيين، سواء عمل من أجل التوصل إلى حل للصراع أم لا، وجاءت سياسته بموجب نصائح صهاينة من بين مستشاريه. فالرئيس الأميركي المنتهية ولايته، باراك أوباما، مثلا، ندد بكافة القرارات الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان، ليس بالبناء الاستيطاني وإنما حتى بخطط لبناء عدد قليل من الوحدات السكنية بالمستوطنات. لكن الواقع هو أنه خلال ولاية أوباما، منذ بداية العام 2009، التي تزامت مع عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة، تضاعف البناء في المستوطنات بشكل رهيب، وخاصة في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية التي تعتبر إسرائيل أنها ستبقى ضمن حدودها في أي اتفاق مستقبلي.

وجرى تنفيذ هذه المشاريع الاستيطانية ومصادرة الأراضي، وتطبيق سياسة هدم البيوت في القدس والضفة الغربية، وتصاعد الاقتحامات للحرم القدسي، وتقييد حرية التنقل في الضفة، واقتحامات الجيش الإسرائيلي لاعتقال الشبان الفلسطينيين، والإعدامات الميدانية لقرابة 200 فلسطيني خلال العام الأخير وحده، جرى كل هذا ويجري من دون أن تكون هناك خطة لدى الفلسطينيين لمواجهة هذه الممارسات.

بل أن الواقع أسوأ من هذا الوصف. الواقع يقول إنه بعد مرور 68 عاما على النكبة و49 عاما على نكسة العام 1967، و23 عاما على اتفاق أوسلو، لا يوجد لدى الفلسطينيين مشروع وطني للتحرر من الاحتلال، الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. صحيح أن الاحتلال الإسرائيلي هو أبغض احتلال في التاريخ، وينكل بالفلسطيني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وجسديا ونفسيا، لكن لا توجد لدى الفلسطينيين أي مشروع مواجهة، خاصة أن إسرائيل ما زالت تستفيد من هذا الاحتلال، وهي لا ترى ولو مظاهرة واحدة ضد هدم بيت في الضفة أو القدس.

وفي موازاة ذلك، تُرفّه القيادات الفلسطينية نفسها بتقمص أدوار قادة دول، يسافرون من دولة إلى أخرى من أجل التداول مع 'الأشقاء' و'الحلفاء' و'الأصدقاء'، الذين يقيّمون علاقتهم مع الفلسطينيين من خلال منظار إسرائيل، خصوصًا في ظل غياب مشروع فلسطيني لإنهاء الاحتلال، وهو مرض أصاب الفلسطينيين وآخذ بالاستفحال كلما طالت سنوات الانقسام بين الضفة والقطاع، وكلما استمر التعويل على 'التواصل مع المجتمع الإسرائيلي'.

لكن قادة إسرائيل، وبالمناسبة ليس اليمين فقط وإنما اليسار الصهيوني الذي يدعو لحل الدولتين أيضا، لا يرون أية إمكانية بتطبيق هذا الحل. والحلول التي يرونها تتراوح ما بين حكم ذاتي فلسطيني في جميع مدن الضفة، أو حكم ذاتي لكل مدينة على حدة ولا يوجد تواصل حقيقي بينها، أو الحل القديم ويطرح بين الحين والآخر وهو إقامة كونفدرالية بين دويلة فلسطينية تقام في جزء صغير من الضفة وبين الأردن. فماذا سيفعل الفلسطينيون إزاء ذلك؟

المطلوب هو فكر فلسطيني جديد يتجاوز أفكار القيادة الفلسطينية الحالية والسابقة، يأخذ بعين الاعتبار العالم المتغير، وخاصة ظروف المنطقة الجديدة، ويدرس مستقبل الفلسطينيين كوحدة واحدة وعدم تقسيمهم إلى مجتمعات ساحلية وجبلية وداخلية وخارجية وما إلى ذلك.

التعليقات