30/11/2016 - 10:09

مـآل تقسيم فلسطيـن

تثير مناسبات، مثل ذكرى قرار تقسيم فلسطين الأممي الصادر عام 1947، والتي تصادف في يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، تداعيات وهواجس كثيرة، سواء حول ما جسّده ذلك القرار في حينه وأحال إليه، أو حيال مآله الراهن.

مـآل تقسيم فلسطيـن

تثير مناسبات، مثل ذكرى قرار تقسيم فلسطين الأممي الصادر عام 1947، والتي تصادف في يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، تداعيات وهواجس كثيرة، سواء حول ما جسّده ذلك القرار في حينه وأحال إليه، أو حيال مآله الراهن.

وفي هذا الصدد، لا بُدّ أكثر شيء من تسجيل المآل التالي: كان ذلك القرار بمنزلة إشارة البدء لإنشاء كيان الدولة الصهيونية بالقوة فوق 'الأسس الثابتة' التي ما تزال قائمة عليها حتى اليوم. ولتدعيم مثل هذا الاستنتاج، في وسعنا أيضًا أن نستعين ببعض المقاربات الصادرة عن نُخب يهودية.

من هذه النخب المؤرخ زئيف شطرنهيل، الذي أشار إلى أن قيادة الحركة الصهيونية التي تولت، بصورة عملية، إنشاء دولة الاحتلال عام 1948، تجنبّت على نحو عامد المبادرة إلى ما أسماه 'تأسيس مجتمع سياسي ذي أجندة ليبرالية عامة'. وبذا فإن 'القيم اليهودية' ظلت، من ناحية سلم الأفضليات والأولويات، تحتل مرتبة متقدمة كثيرًا على مرتبة القيم العالمية، وخصوصًا قيم حقوق الإنسان. وبسبب خيار القيادة هذا، أصبحت فاقدة القدرة على اعتبار عام 1949 (وُقعت خلاله اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية) بمثابة نهاية مرحلة الاحتلال، أو مرحلة التوسّع الإقليمي.

وبناء على ذلك، وفق ما يؤكد، كانت الحروب التي خيضت ناجمةً أساسًا عن عدم توفر القدرة والرغبة لدى هذه الدولة في تحديد الوجهة التي يتعيّن المُضي فيها. ولذا 'اعتبر الانتصار في حرب يونيو/ حزيران 1967 استمرارًا للانتصار' في حرب 1948. 
وطبقًا للمفهوم الصهيوني التقليدي، بقيت حدود الدولة التي تمّ إنشاؤها رهن الظروف المتغيرة، والتي تخضع بدورها إلى ميزان القوى، وإلى القوة العسكرية. علاوة على ذلك، لم يتم عام 1948 حسم سؤال أساسي، وهو: هل إقامة الدولة في جزء من فلسطين التاريخية تعني وضع حدّ نهائي لعملية الاحتلال؟. 

وتؤكد باحثة أخرى، هي أدريانا كيمب، المتخصصة في موضوعة الحدود، أن الانتقال من 'حالة مجتمع استيطاني' إلى حالة 'دولةٍ ذات سيادة' مع ما يجب أن يترتب على هذا من مدلولاتٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ متعددةٍ، لم يتم استبطانه في دولة الاحتلال خلال خمسينيات القرن العشرين ولا بعد ذلك، وصولًا إلى الآن، بينما ترى باحثةٌ أخرى، هي سارة هيلمان، أن جميع 'التحولات الديمقراطية' التي شهدتها تلك الدولة تمت من دون إلغاء الطابع الكولونيالي للمشروع الصهيوني، واعتبرت ذلك جزءًا من عملية خداع كولونيالية مُحكمة. 

في سياق مختلف، قال الباحث يارون إزراحي إن دولة الاحتلال مولعةٌ للغاية بمبدأ الغموض، ومع أنها بدأت باعتماد هذا المبدأ في ما يتعلق بسياستها النووية، إلا أنه سرعان ما شاع في جميع المجالات. وبرأيه، فإن 'سياسة الغموض' تعني انعدام السياسة،

ولعل الأصحّ برأينا أنها تعني إخضاع السياسة العامة للظروف والأوضاع المُتغيّرة، داخليًا وإقليميًا ودوليًا.
ويتناول كثيرون من الباحثين جوهر الرؤية السياسية بعيدة المدى لدولة الاحتلال في نطاق مقارباتٍ تتعلق بمسألة رسم الحدود الجغرافية لتلك الدولة الناجزة عن المشروع الصهيوني الكولونيالي. في هذا الخصوص، يرى بعضهم أن عمليات رسم حدود

الدول الحديثة جرت عادةً وفق ثلاث مقاربات رئيسية: 
مقاربة الماضي، أي ما كان قائمًا في السابق. مقاربة الحاضر، أي ما هو قائم في الحاضر من خلال إجراءات فرض الوقائع على الأرض. مقاربة المستقبل وفحواها: 'هذه هي المنطقة الجغرافية التي تُعتبر ضرورية لنا، ولا يهم ما إذا كنا موجودين فيها أو غير موجودين، ولا يهم ما إذا كانت خاضعة لنا أو غير خاضعة'. 

اقرأ/ي أيضًا | 'كهانا حيّ' في دولة الاحتلال

وبحسب الباحث الجغرافي، جدعون بايغر، تستند المطالب التي رفعتها الحركة الصهيونية في ما يتعلّق بحدود الدولة الصهيونية منذ عام 1919 إلى المقاربة الثالثة ('مقاربة المستقبل'). وهذا الأمر يمكن الاستدلال عليه كذلك من آخر مواقف الحكومات الإسرائيلية المختلفة التي انخرطت في مفاوضاتٍ كان أحد جوانبها متعلقًا بموضوعة الحدود.

("العربي الجديد")

التعليقات