10/12/2016 - 11:29

أربعة سيناريوهات محتملة لرئاسة ترامب

علينا أن نفكّر في عدد كبير من الاحتمالات، كاحتمال أن ينجح ترامب في أن يصبح رئيساً جمهورياً تقليدياً، أو أن يصبح "وغداً شعبيّاً "، أو أن يفشل كرئيس، أو أن يصبح قائداً سلطوياً

أربعة سيناريوهات محتملة لرئاسة ترامب

 ترجمة: أسامة غاوجي - خاص عرب ٤٨


مع فوز دونالد ترامب بالسباق الانتخابي، تدور عدّة أسئلة حول طبيعة رئاسة ترامب وشكلها المتوقّع. وكما بيّنت في كتابي الجديد 'تغيّر ضخم'، فإننا نعيش في حقبة من التحوّلات الكبرى، ولذلك علينا أن نفكّر في عدد كبير من الاحتمالات، كاحتمال أن ينجح ترامب في أن يصبح رئيساً جمهورياً تقليدياً، أو أن يصبح 'وغداً شعبيّاً '، أو أن يفشل كرئيس، أو أن يصبح قائداً سلطوياً. من الصعب التكهّن أي من الاحتمالات السابقة هي الأكثر إمكانيّة، وما إذا كان ترامب سيتنقّل بين عدّد من هذه الاحتمالات أو سينحصر في أحدها، ولكنّني أقدّم هنا وجهة نظر تحاول تصوّر المستقبل المحتمل لترامب.

في آذار/مارس الماضي، كتب زميلي فيليب والاش عن ماذا يمكن أن يحدث إن تمّ انتخاب ترامب؟ والآن، أصبح هذا حقيقة. سأقدّم هنا أربعة احتمالات متوقّعة لرئاسة ترامب.

1) الجمهوريّ التقليدي: خلال حملته الانتخابيّة، تبنّى ترامب مجموعة مختلفة من مواقف الحزب الجمهوري التقليديّة وغير التقليديّة على السواء. فعلى غرار الرئيس السابق للحزب، يؤيّد ترامب سياسة خفض الضرائب، وإزالة القيود التنظيميّة، وإلغاء برنامج الرعاية الصحيّة (أوباما كير). وتحدّث عن الحاجة إلى القانون وإعادة فرض النظام، كما تحدّث بقسوة عن الإرهاب. في الوقت ذاته، يتحدّى ترامب أفكار حزبه حول إصلاح نظام الاستحقاق والتجارة الحرّة، ويقول بأنّ الاتفاقيات السابقة قد باعت العمّال الأميركيين في 'حزام الصدأ'.

بالتعاون مع الأغلبيّة الجمهوريّة في البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، قد يتمكّن الرئيس ترامب من حلّ هذا التنافر الأيدولوجي عبر التأكيد على المواقف الجمهوريّة التقليديّة في خفض الضرائب، وإزالة القيود التنظيميّة وبرنامج الرعاية الصحيّة، وعدم التركيز على مواقفه غير التقليديّة. فيما يتعلّق بالتجارة على سبيل المثال، وقد يُحرّك منظّمة التجارة العالميّة ضدّ الدول التي يعتقد بأنّها متورّطة في ممارسات غير منصفة، كما إنّه قد يبحث عن اتفاقيات ثنائيّة لحماية أكبر للعماّل الأميركيين. أما في ما يتعلّق بالجدار على طول الحدود المكسيكيّة، فيمكنه أن يقضي عدّة سنوات في بناء الأميال الأولى ببطء، وأن يدّعي بأنّه يقوم بتنفيذ وعوده الانتخابيّة.

على المستوى الإداري، فيمكنه أن يسند صناعة السياسات لنائب الرئيس مايك بينس، والمتحدّث باسم بالبيت الأبيض بول راين، ورئيس موظّفي البيت الأبيض رينس بريبوس. في هذه الحالة، سيكون بينس هو رئيس الوزراء الفعلي للحكومة. وسيقود ثلاثتهم سياسات ترامب إلى تقارب أكبر مع المقاربات الجمهوريّة التقليديّة في العديد من القضايا. سيكون ترامب واجهة إعلاميّة للحديث في المؤتمرات وعلى المنصات، ولكنّ إدارته ستتبع السياسات بعيدة المدى لرونالد ريغان وجورج دبليو بوش. سيستغل الجمهوريون قوّتهم كأغلبيّة في إنهاء الجمود والانسداد التشريعي بالاستناد إلى قاعدتهم الحزبيّة. سيحبّه الناخبون الجمهوريّون لكسره الجمود واتخاذه سلسلة من السياسات الحازمة، في حين سيكرهه الديمقراطيون لتقليصه دور الحكومة.

2) الوغد الشعبي: في السباق الانتخابي نحو سدّة البيت الأبيض، كان ترامب يتناوب على أداء دورين؛ دور ترامب الذي يعي ما يقول ويؤدّي رسالته بعقلانيّة هادئة كمن يكرر ما تمّ تلقينه إياه، ودور السيّد ذي الحديث الطنان الرنان، الذي يهاجم منافسيه ويُهين خصومه بطرق غير متوقّعة. في عدد من الحوادث، كان سلوكه الشخصيّ وقحاً وغير محتمل، كما تلفّظ بعبارات مُهينة للمرأة والأقليات والمهاجرين.

في أثناء رئاسة ترامب، سيتجاهل المصوّتون سلوكاته ويرونه كـ'وغد شعبي'، وكشخص مستعدٍ لكسر القواعد التقليديّة في سبيل الأداء والفعاليّة. هذا السيناريو يتنبّأ بترامب محبوبا على المستوى الشعبي، يهاجم المؤسسات ويسعى لتمثيل البسطاء. سيتحدّث ترامب ضدّ الهجرة غير الشرعيّة و سيدفع الكونغرس إلى الحدود القصوى، وسيهين خصومه، ويمرر قانون خصومات رعاية الأطفال، كما سيتخذ خطوات ملموسة لتعزيز فرص الناخبين الذين اختاروه. وكما وعد في أثناء الحملة الانتخابيّة، فإنّه سيقوم بحماية الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، بغضّ النظر عن الضغوط المطالبة بإعادة تشكيل هذه القطاعات والاقتطاع من المبالغ المخصصة لدعمها. ستكون العلاقة بينه وبين الحزب الجمهوري علاقة مشحونة بالتوتّر بسبب بعض هذه المواقف وما تجرّه على الحزب، إلا أنّ المواطنين العاديين سيشعرون بأنّه يحارب من أجلهم. بمرور الوقت، قد يتمكّن من إعادة تشكيل التحالف الجمهوري وجعل حزبه أقلّ ارتهاناً للمصالح الكبرى.

ثمة العديد من الأمثلة من 'الأوغاد الشعبيين' في التاريخ الأميركي: الحاكم هيوي لونغ، جميس كولي، والحاكم إدوين إدواردز، وبادي سيانسي. لقد اتسم هؤلاء جميعاً بالحماسة المفرطة، وتجاوز الحدود، وأحياناً باللاأخلاقيّة، ولكنّهم كانوا محبوبين في دوائرهم الانتخابيّة. واستغلوا ذات الإحباط، الذي استغله ترامب، من أنّ النخب الحاكمة لا تهتمّ بالبسطاء من الشعب وبأنّ النظام يعمل ضدّ الشرائح العريضة من المجتمع.

3) الرئيس الفاشل: يبدأ ترامب مشواره الرئاسيّ بخسارة مليونيّ صوت في الاقتراع الشعبي، وباستياء محتقن لدى النساء، والشباب، والأقليات والمهاجرين. في هذه الحالة، لن يكون لدى ترامب شهر عسل جميل ليعيشه، بل ستتراجع شعبيته خلال فترته الرئاسيّة. قد يحدث هذا السيناريو بطرق مختلفة. قد يكون هناك المزيد من الفضائح الجنسية والماليّة. فبعد كلّ الفضائح حول سلوك ترامب الشخصي، هناك تساؤلات جادّة فيما إذا كان هذا الشخص قادراً على إبقاء يديه بعيدتين عن النساء في السنوات الأربعة القادمة. بالإضافة إلى ذلك، ففي مرحلة مبكّرة من خطّته الإداريّة، يبدو الرئيس المنتخب غافلاً، بشكل صادم، عن الصراعات الماليّة الجديّة وتضاربات المصالح في فريقه الانتقالي. فكما أوضحت في كتابي 'المليارديرات'، فإنّ العديد من القادة المنتخبين، من ذوي الثراء الفاحش، في بلدان أخرى، كالرئيس الإيطالي سلفيو برلسكوني قد مارسوا نوعاً من المحاباة والمحسوبيّة الرأسماليّة، واعتبروا أنفسهم فوق القانون، ومن ثمّ فإنّهم قد تلقّوا العديد من الاتهامات القانونيّة والسياسيّة.

ومن المحتمل، أن يكون هناك ردود فعل سياسيّة على أفعاله وتحرّكاته. على سبيل المثال، ماذا سيحدث إن خسر نحو مليون شخص ضمانهم الصحي بسبب رفضه لمشروع الرعاية الصحيّة؟ ماذا سيحدث إن خصخص الجمهوريون الرعاية الصحيّة، وانخفضت مستويات الصحّة وارتفعت تكاليفها؟ ماذا سيحدث إن تقارب ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وكيف ستتفاعل الدولة والمجتمع إن خسر المواطنون العاديون وظائفهم بسبب الاقتطاعات الضريبيّة التي يقترحها الجمهوريون، بخاصة إذا ما استفاد الأغنياء من عائدات الضرائب في حين حلّ ركود اقتصادي وضعف في القدرة الشرائيّة لدى الطبقة الوسطى؟ لن تزدهر شعبيّة ترامب إن حصل تباطؤ اقتصاديّ، لأنّ سمعته كرجل أعمال ناجح هي أحد نقاط قوّته لدى مجتمع الناخبين. لقد ترك الرئيس أوباما خَلَفَه مع نسبة بطالة تصل إلى 5%، وأيّ زيادة على هذه النسبة ستضرّ بشعبية ترامب. في هذه الحالة، أو في حالة حصول فضائح كبرى جديدة، سيكون حال ترامب أشبه بحال جيمي كارتر الذي خدم لفترة رئاسيّة واحدة. وسيحاكمه التاريخ باعتباره شخصيّة انقساميّة عابرة.

4) القائد السلطويّ: قد تتسبب الاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب في زعزعة استقرار المجتمع، ومن ثمّ فقد يتجه الرئيس ترامب إلى عسكرة الشرطة المحلية، وقمع المعارضة،  وتسهيل محاكمة الأصوات المعارضة. وبدلاً من أن ينفجر على التويتر، يمكن أن يستعمل قوّة القانون للتشديد على المحتجين، أو أن يستعمل ستيف بانون، كبير المخططين الإستراتيجيين في البيت الأبيض لإدارة حملة لتشويه صورة المعارضين لترامب. وقد يذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، فقد يستعمل دائرة الإيرادات الداخليّة لمهاجمة معارضيه، أو قد يزوّد مكتب التحقيقات الفدرالي بصلاحيّة للتنصّب على المواطنين المشتبه بهم. وهناك سابقة لمثل هذا الأمر، فقد استخدم ليندون جونسون مكتب التحقيقات الفدراليّة للتجسس على المعارضين، في حين وظّف ريتشارد نيكسون أشخاصاً لمهاجمة مقرّ الحزب المعارض. وقد يميل ترامب إلى استعمال مثل هؤلاء الأفراد لمهاجمة المعارضين.

هناك العديد من المؤشّرات التي تشير إلى احتماليّة ظهور ترامب السلطويّ. فاختياره أن يقاضي هيلاري كلينتون على أسس واهية أمرٌ ينتهك القواعد المتعارف عليها حول الانتقال السلمي للسلطة. كما إنّ طرد مسؤولين استخباريين كبار يُشير إلى أنّ ترامب يريد أناساً مُطيعين وموافقين على أوامره بخصوص المعارضين الداخليين والخارجيين.

اقرأ/ي أيضًا | CIA :روسيا تدخلت في الانتخابات لصالح ترامب

كما إنّ تعيين أشخاص من ذات الحزب لقيادة دائرة الإيرادات الداخليّة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، أو وزارة العدل سيعني تهديداً لنمط الإدارة الاحترافيّة. كما إنّ تقييد حريّة الوصول إلى الإعلام، أو جعله أسهل للمسؤولين لرفع دعاوى قضائيّة على المنتقدين لسياسات ترامب سيكون بمثابة جرس إنذار بأنّ الديمقراطية تضعف وأنّ حريّة التعبير أصبحت في خطر. كما إنّ إضعاف حقوق التصويت بطرق تضرّ بالأقليات سيعني بأنّ ترامب لا يهتمّ بالعلاقة مع العرقيات المختلفة ويرى بأنّ قاعدته السياسيّة هي الأمريكان البيض. إن كان ثمّة سياسات من هذا النوع، تضعف الديمقراطيّة وتضرّ بالمجتمع ككل، فإنّ المواطنين الشجعان سيتقدّمون للدفاع عن الدستور واستعادة الولايات المتحدة الأميركية.

------

* داريل ويست: نائب الرئيس ومدير دراسات الحكم بمؤسسة بروكنجز

التعليقات